الأقصى والقدس والسلام الإسرائيلي.. بقلم:د.عبد العليم محمد

الأقصى والقدس والسلام الإسرائيلي.. بقلم:د.عبد العليم محمد

تحليل وآراء

الأحد، ١٧ سبتمبر ٢٠١٧

الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، التي تمثلت في غلق المسجد أمام المصلين لعدة أيام، وتركيب بوابات إلكترونية لمرور المصلين والمواجهات بين الشرطة والمقدسيين، التي راح ضحيتها شهداء وجرحى، ليست الأولى من نوعها، حيث تتكرر هذه الانتهاكات مراراً وتكراراً، والهدف النهائي هو تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وفرض السيادة الإسرائيلية على الحرم الشريف في البلدة القديمة.

ارتكزت الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى على تقديرات متفاوتة للوضع في القدس والوضع الإقليمي والعربي عامة، وأخرى تتعلق بالوضع الداخلي في إسرائيل، على الصعيد الأول العربي والإقليمي، فالتصور الإسرائيلي أن القوة العربية تتآكل، وأن العالم العربي مشغول بمصيره أكثر مما هو مشغول بالقضية الفلسطينية والأقصى، وفى السياق ذاته، فإن المجتمع الإسرائيلي ينحو نحو المزيد من الانغلاق والتطرف والتشدد إزاء كل ما يتعلق بالحرم الشريف، ففي استطلاع جرى عام 2013، تبين وجود أغلبية كبيرة في صفوف الرأي العام الإسرائيلي، التي تؤيد تغيير الوضع القائم في الحرم الشريف، حيث كانت نسبة من يؤيدون ذلك 59 % من المجتمع الإسرائيلي، كما يؤيدون أن تقوم إسرائيل بفرض تقسيم زماني ومكاني في المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.

وقد طال هذا التغير، موقف محكمة العدل العليا الإسرائيلية، التي كانت حتى منتصف الثمانينيات، تصر على عدم الاستجابة لطلب الجماعات الدينية اليهودية المتمحورة حول «الهيكل» بدخول المسجد الأقصى والحرم الشريف والصلاة فيه، ولم تصدر أوامر للشرطة تلزمها بتطبيق «قانون الأماكن المقدسة» بعد 1967، الآن، وبعد ما جرى من تطورات في الداخل الإسرائيلي، أكدت هذه المحكمة حق اليهود دخول الحرم الشريف بفرض الصلاة، استناداً إلى الحقوق الدينية والتاريخية لليهود، وربطت ذلك بضمان الشرطة لسلامة الجمهور والأمن العام، وذلك يعني أن إقرار المحكمة لهذا الحق، يتوقف على عدم قدرة الشرطة بإقناع المحكمة بأن ممارسة هذا الحق يعرض الجمهور والأمن العام للخطر.

هذه التطورات السياسية، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو المعارضة أو المحكمة العليا الإسرائيلية، هي نتيجة تراكم عبر العقود الماضية من نشاط الجماعات الاستيطانية الدينية «جوش إيمونيم»، وكذلك العديد من الجمعيات الدينية التي ارتبطت وحملت اسم «الهيكل»، مثل حركة «أمناء جيل الهيكل»، «ومعهد الهيكل»، و«الحركة لبناء الهيكل»، وغيرها من الحركات والتنظيمات الدينية الأصولية المتطرفة التي تتبنى رؤية دينية، تتلخص في أن إقامة الهيكل الثالث مدخل للخلاص وظهور المخلص، وأن إقامة هذا الهيكل ينبغي أن تكون في الحرم الشريف، حيث توجد بقايا الهيكل، وهذه الجماعات تمتلك رأسمال رمزياً ودينياً وإعلامياً مؤثراً في اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، وتتفق مع الدعاوى الاستيطانية في «أرض إسرائيل»، وتتلقى دعماً مالياً يهودياً من رموز الجاليات اليهودية الأميركية وأغنيائها.

لقد وحد الهدف الإسرائيلي في السيطرة على المسجد الأقصى، وتغيير الوضع القائم بين الحكومة والمعارضة، وقطاع كبير من الجمهور الإسرائيلي، وذلك استناداً إلى السياسات الإسرائيلية، وحصادها عبر العقود المنصرمة التي تستهدف تحقيق هذا الهدف، تلك السياسات المتمثلة في تكثيف الاستيطان في القدس الشرقية وحرمان المقدسيين من الإقامة وفق قوانين سنت خصيصاً لهذا الغرض أو الحفريات التي تقوم بها سلطات الاحتلال تحت أساسات المسجد الأقصى والأنفاق التي تشق باطن الأقصى، للبحث عن بقايا الهيكل المزعوم، وغير ذلك من أدوات تنفيذ هذه السياسات.

لقد واجه الفلسطينيون والمقدسيّون تلك السياسات بصدورهم العارية، ومن خلال الاحتجاج والرفض والإصرار على بقاء الأقصى وتحريره من قبضة الاحتلال، ونجحوا في ذلك، وحملوا الحكومة الإسرائيلية على التراجع، ويعلم المقدسيّون والفلسطينيون أن المعركة، وإن كانت تدور حول الأقصى، إلا أن الهدف أكبر من ذلك، ألا وهو إتمام السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية والمقدّسات الإسلامية والدينية عامة، فالأقصى رغم أهميته الدينية والرمزية، فهو مجرد مدخل لاستكمال حلقات السيطرة الصهيونية والإسرائيلية على القدس الشرقية، وفرض التصوّر الإسرائيلي للسلام.