بين زيارة «شويغو» والانتصارات على الأرض: هل تطلق إسرائيل رصاصة الرحمة على رأسها؟

بين زيارة «شويغو» والانتصارات على الأرض: هل تطلق إسرائيل رصاصة الرحمة على رأسها؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٧

 فراس عزيز ديب
في هذه الحياة من المهم لك أن تنتمي لقضيةٍ ما، تدافع عنها وتروج لعدالتها، لكن الأهم أن تجعل نفسكَ منتمياً لكلِّ قضيةٍ عادلة بعيداً عن الانتماءات الضيقة والأيديولوجيات المُملة وبمعنى آخر:
لستَ مضطراً لأن تتغنى بآديولوجيات «البعث» أو «الناصري» حتى تستشعر عروبيتك، يمكنك أن تعيش هذه العروبة كحقيقةٍ وليس كوهمٍ يضيعُ بين سطور المتاجرة الإيديولوجية، بذات الوقت، لستَ مضطراً أن تختم حديثك بمقولةٍ ما لـ«أنطون سعادة» كما يفعل من يظنون أنفسهم يختصرون الإيمان بالحقيقة التاريخية لسورية، لتعيش انتماءَك السوري الضارب في جذور التاريخ، إذ يمكنك ببساطة أن تكونَ مؤمناً بأن سورية أكبرَ من مجردِ وطن بعيداً عن الاعتزاز بإنجازاتِ «سرجون الأكادي» أو «سرجون غير الأكادي».
هكذا يمكننا أن نكونَ ذاتنا لا أن نكون مجردَ رقمٍ في تعداد الانتماء، هكذا يمكننا أن نرى بطلاً كالحبيب «حبيب الشرتوني» مُمثلاً لأحرار العالم المنتمين لقضيةٍ عادلة بعيداً عن أي انتماءٍ آخر، وعليه فإن حكم الإعدام الذي أصدره المجلس العدلي اللبناني قبل أمس عليهِ لا يبدو في النهايةِ حكمَ إعدامٍ على شخصٍ بقدرِ ما هو حكمَ إعدامٍ لنهجٍ، خط وقضية.
هو أشبهَ بأن نأتي بـ«جول جمال» ونحاكمهُ بتهمة الاعتداء على البارجة الصهيونية، هو كمَن يأتِ بـ«سناء محيدلي» و«حميدة الطاهر» ليحاسبهما بتهمة الاعتداء على «الأنوثة» عندما قامتا بفعلٍ تعجز عنه الرجولة، لكن في هذا الشرقِ البائس الذي أصبح فيهِ المنتمون لأوطانهم مجرد «مرتزقة» وشذاذ الآفاق هم الناطقون باسم المجتمع المتحضر والديمقراطي، من الطبيعي أن نجد الشرتوني يُحاكَم لأنه قتل قاتلاً ومجرِماً، من الطبيعي أن يُصبح المجرم هو السياسي وأن نرى أحد أهم المروجين لقانون «محاسبة سورية» وقرار مجلس الأمن رقم 1559 بطلاً قومياً بصفةِ «مقاوم».
في هذا الشرق الغارق ببحر الدماء عليك ألا تستغرب أن يتراقص وزير «آل سعود» ثامر السبهان في الرقة التي وباعتراف وسائل الإعلام الغربية نفسها، بأن أكثر من ثمانين بالمائة منها تدمر ولم يعد صالحاً للسكن، لأنه ببساطة كان يبحث هو وربعه عن نصرٍ معنوي وسط بحر الإخفاقات الذي أغرقهم فيه دماء الأبرياء.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن تنظر له باستغراب هو تمكن من يمثلون المحور الآخر من الصمود حتى الآن، فكيف لسنديانةٍ من سنديانات هذا الوطن أن تقف بشموخٍ في تشييعِ ابنها الشهيد البطل اللواء شرف عصام زهر الدين وتكرر عبارة «الضنا غالي بس الوطن أغلى» لتشعرك أنها ككل سنديانات الوطن قادرة أن تصنع من أغصانها ظلالاً يستفيء تحتها من تحرقه شمس اليأس، مع ثقته التامة بأن أي حركةٍ دبلوماسية أو عسكرية أو حتى إعلامية يقوم بها أعداؤه هي أولاً وأخيراً لخدمة هزيمته وبمعنى آخر: من حكم الإعدام بحق الحبيب «حبيب الشرتوني»، إلى التسريبات الفرنسية عن الزيارة التي قام بها مسؤول في الصف الأول لـ«آل سعود» إلى إسرائيل، إلى الحديث الأميركي عن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، كل هذه الأمور وغيرها حلقة متشابكة هدفها ليس فقط فرض التطبيع أو القبول بإسرائيل كجزءٍ من هذه المنطقة لكن هدفه على المدى الطويل التهيئة لما تريدهُ إسرائيل في المنطقة، فكيف ذلك؟
في منتصف الأسبوع الماضي أعلن مصدرٌ في البنتاغون الأميركي أن ليس هناكَ خططاً للانسحابِ من سورية بعد نهايةِ مرحلةِ داعش، هذا الكلام جاء تحديداً بعد مسرحيةِ إعلان احتلال الرقة من «داعش الأصفر» ونهاية مرحلة «داعش الأسود»، قد يبدو التصريح أشبهَ بجائزةِ ترضيةٍ لمن يهمهم الأمر من انفصاليي الشمال بأننا باقون لحمايتكم، لكن في هذه الحالة على هؤلاء أن يسألوا أنفسهم هل ستكون حمايةَ أميركا لهم على شكل ما قامت بهِ عند اندلاع المواجهات بين الجيش العراقي وميليشيا البيشمركة التي هربت من كركوك؟ قد يبدو هذا التصريح كذلك الأمر رسالة تحذير لمن يهمهم الأمر بأن الولايات المتحدة ومن معها باتوا الآن يملكون ورقة قوية فيجب أن يمر أي حلٍّ قادمٍ عبرهم، أي إنه وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لترك الشرق الأوسط على صفيحٍ ساخنٍ، فإن هناك مساراً دبلوماسياً يقوده الروس لمحاولة جمع الأطراف المعنية حول نقطة مشتركة ليس هدفها فقط إيجادَ حلٍّ يرضي الجميع لكن هدفه الأهم سحب الأوراق الأميركية من الشمال، لكن هذه المبادرة تبدو دونها عوائق كثيرة نظراً لتشعب الملفات أهمها الإسرائيلي، فإذا افترضنا أن الانفصاليين الأكراد اقتنعوا بأن تسليمِ مناطقهم للجيش العربي السوري ليس حمايةً لهم فقط من أيَّ مغامرة تركية ليست محسوبة فحسب، بل هو حماية لهم بالأساس من ارتداداتِ أيَّ مواجهةٍ قادمةٍ بينهم وبين الجيش العربي السوري الذي فيما يبدو سيأخذ نفساً عميقاً بعد تحرير القريتين والاقتراب من دحر داعش من دير الزور وريفها واستعادةَ السيطرةِ على حقول النفط المهمة، تحديداً أن مسألة فرض السيطرة على كامل الأراضي السورية مسألة لا تبدو أنها موضعَ مساومةٍ لدى القيادة السورية سواء كانت هذه السيطرة حرباً، أم سلماً عبر اتفاقيات المصالحة.
من هنا على هؤلاء أن يعوا أن التوافق السلمي المبني على ضمانات روسية حول جدية القيادة السورية بمناقشة كامل مطالبهم بما يضمن سيادة ووحدة الأراضي السورية سيكون أهم لهم من الخروج صفر اليدين في حال حصلت المواجهة والاتكال على الدعم الأميركي، بل سيكون نوعاً من استباقِ أي انعطافةٍ أميركية تجاه الأتراك تقتضي بيعهم الورقة الكردية في الشمال السوري لجعل المواجهة القادمة تركية سورية، لكن أين الإسرائيلي من ذلك؟
تركت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو للكيان الصهيوني تساؤلاتٍ مهمة عن مغزى الزيارة في توقيت كهذا، تحديداً أن العلاقات الروسية الإسرائيلية لايبدو أنها بأفضل حالها بعد الزيارة الأخيرة لبنيامين نتنياهو لموسكو وفشله بإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجهةِ نظره حول بيع الروس منظومات دفاع جوي متطورة لإيران.
بمقاربة بسيطة فإن أسباب الزيارة لا تبدو أنها خارجة عن نطاق البرود المألوف، فالروسي مثلاً الذي يعي تماماً الدور التخريبي الإسرائيلي الجاري في سورية من دعمٍ علني لإرهابيي جبهة النصرة، وصولاً للاعتداء المتكرر على نقاط الجيش العربي السوري كما حدث يوم أمس، لا يمكن له الذهاب باتجاه إقناع إسرائيل بتعديل سلوكها وتقديم ضماناتٍ لها مقابل العدول عن إعاقة تقدم الجيش السوري، وهذا كلام يبدو في الحقيقة منافياً لمنطق مسار الأحداث.
كذلك الأمر لا يمكن للروسي أن يقدم للكيان الصهيوني ضماناتٍ بما يتعلق بالتخوفات الإسرائيلية من إيران وطموحاتها، لأنه حينها وفي الوقت ذاته عليه أن يكون قادراً على تقديم ضمانات بالاتجاه المعاكس، وبعيداً عن فرضيةِ أنه يستطيع أو لا يستطيع لكن هل من عاقلٍ يثق بنتنياهو ووعوده إذا كان حليفه الأميركي نفسه لا يثق به، فعن أي ضمانات يتكلم البعض بأن الروس حصلوا عليها من إسرائيل فماذا ينتظرنا؟
يدرك الروسي قبل غيره أن احتمالات المواجهة في المنطقة تتصاعد، وأن المغامرة الإسرائيلية على سورية ولبنان آتية، لكنه قد يكون مدركاً وفق ما يمتلك من معطيات بأن مغامرة كهذه قد تكون أشبه برصاصة الرحمة التي يطلقها الإسرائيليون على أنفسهم، والزيارة الروسية ربما لم تهدف فقط لتبرئة ذمة الروس بأنهم لن يكونوا قادرين على ضبط ردات الفعل في قادمات الأيام فحسب، لكنهم كذلك الأمر ربما أوضحوا للإسرائيليين أن ما يمتلكونهُ من معلوماتٍ عن مصادر القوة لدى سورية وحليفها الإيراني والمقاومة في لبنان لا يساوي شيئاً لأن الواقع شيء آخر، وعليه إما القبول بالعودة لـ«ستاتيكو» ما قبل 2011 أو أن تضطر إسرائيل للعودة لما قبل 1948، فهل يعي الصهاينة قبل أن يتورطوا، أم إن اجتماع قادتي الأركان الإيراني والسوري في دمشق لم يكن كافياً؟ لننتظر ونرَ.
الوطن