الحذر ودواعيه من الانفتاح السعودي على العراق

الحذر ودواعيه من الانفتاح السعودي على العراق

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧

عندما نغور في اعماق الاسباب التي جعلت اعداء الامس (الوهابية السعودية) يستقتلون من اجل ان يكونوا أقرب الاصدقاء اليوم للعراق لابد علينا ان نقرأ ولو قراءة سريعة عن الاسباب والغايات في تحقيق تلك الرغبة، وهل فعلا هم يصدقون بما يعلنوه من اسباب ذلك التقارب؟؟

السعودية انقطعت علاقتها الدبلوماسية مع العراق بعد اجتياح النظام البائد لدولة الكويت، المنطق يقول ان انتهاء تلك القطيعة يجب ان يزول بزوال السبب، أي كان على السعودية ان تعيد علاقتها مع العراق بعد عام ٢٠٠٣ مباشرة اذا كانت ترى بالعراق حسب ماتدعي اليوم انه بلد عريق وكبير وعربي ولها معه حدود ومشتركات خاصة وان النظام السياسي الجديد في العراق بعد تغيير النظام البائد قد أعلن عن رغبته في إقامة علاقات مع كل الدول لاسيما دول الجوار على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل بشؤون الدول الداخلية.

لكن ماصدر من السعودية شيئ مختلف تماما عما كانت تتذرع به بقطع العلاقات معه بسبب اجتياح الكويت بدليل ان الكويت الدولة المتضررة الاولى والاخيرة من الفعل الهمجي الذي قام به صدام اللعين نجدها قد رحبت بالعملية السياسية الجديدة في العراق برغم تحفظنا على بعض المواقف. لكنها لم تتدخل بشأنٍ داخلي وتعاملت مع النظام الجديد بشكل طبيعي ولم تشعرنا يوما ان الشعب العراقي يتحمل مسؤولية رعونة وحمق اللعين صدام .. اما السعودية فبقيت على موقفها المقاطع بل رفعته الى مستوى عدم الاعتراف به، بل اتهمته بالطائفي وتعاملت مع العراق على اساس يبدو لي انه مخطط له مسبقا كي تصل لما هو اليوم ..

السعودية صعدت من خطابها الاعلامي ضد العراق وشعبه ودعمت سياسيين لخلق ازمات داخل العراق حتى وصل الامر الى فتاوى التكفير ودعم القاعدة وداعش للقيام بعمليات ارهابية راح ضحيتها مئات الالاف من الشعب العراقي وبأغلبية شيعية .. علما ان الحكومة السابقة بزعامة المالكي سعت الى الانفتاح مع السعودية لكن ذلك السعي وتلك الرغبة جوبهت للاسف برفض من حكام السعودية.

بعد وصول هذه الحكومة (حكومة الفريق المنسجم العبادي) الى الحكم بدأت السعودية بمغازلة العراق حتى وصل الامر بتعيين السبهان سفيرا لهم في بغداد ورغم كل ماصدر من السبهان من تدخلات سافرة في الشأن الداخلي وتجاوزه على الحشد المقدس مما خلقت تجاوزاته تلك ضغوطا على العبادي من اجل طرد السفير واستبداله بسفير اخر يفهم بالبروتوكولات الدبلوماسية وفعلا تم استبعاده لكن الغريب بقيت السعودية بنفس القوة من الرغبة في اقامة تلك العلاقات فارسلت عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للعراق وبعدها دعت الحكومة العراقية لحضور مؤتمر الرياض سيئ الصيت الذي حضره ترامب الرئيس الامريكي. والذي حاولت فيه امريكا ان تبيض وجه السعودية من خلال توجيه اتهامات دعم الارهاب الى قطر بعد ذلك المؤتمر..

اليوم السعودية تسابق الزمن من اجل التقرب الى العراق من خلال حكومة العبادي، فقد ذهب العبادي مع وفد ضم ٧٠ شخصية سياسية منهم عشر وزراء والبقية بصفة مستشارين من اجل التوقيع على مايسمى مجلس تنسيق عراقي سعودي او سعودي عراقي .. لايهم .. مع العلم ان هكذا مجلس عادة مايكون بين دول قد وصلت في علاقاتها الى درجة كبيرة من التفاهم في كل القضايا. اما نحن والسعودية اليوم في بداية السِلًم بمفهوم العلاقات بعد تلك القطيعة. وهل حل المشاكل او الزيادة في التقارب يكمن في تأسيس هكذا مجلس؟ وهل هكذا مجلس تنسيق مع حكومة لم يبق من عمرها سوى أشهر معدودات هو المطلوب الان لتهيئة ارضية ونواة للعمل على شيئ خطير ينتظرنا او ننتظره جراء جهلنا بما يدور ويجري؟ وهل نحن الان في العراق تجمعنا مشتركات كبيرة مع السعودية كي نعقد معها هكذا مجلس؟ وهل تاسيس هكذا مجلس سيحد من تدخلاتها بالشأن السياسي العراقي تجاه دول جوار العراق؟

انا اتصور ومن خلال رؤيتي المتواضعة وقرائتي البسيطة ازاء مايمر به العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام ان سبب استقتال السعودية بالتقرب للعراق والاسراع في تشكيل مجلس تنسيق وبرعاية امريكية بدلالة حضور تيلرسون وزير خارجية امريكا على طاولة واحدة مع العبادي وسلمان عبدالعزيز وعلى مااعتقد كانت فقرات ذلك المجلس قد أعدت مسبقا ولكن هذا ليس مهما بقدر الاسباب التي ادت لهذا الاتفاق وبالرعاية الامريكية ..

اعتقد ان الفشل الذريع للسعودية في تدخلاتها بشؤون العراق واليمن وسوريا والبحرين ولبنان ومسؤوليتها عن اراقة دماء مئات الالاف من الابرياء في تلك الدول جعل امريكا ان تحملها مسؤولية تفجير برجي التجارة العالمي وتحميلهم مئات المليارات كتعويضات لاهالي قتلى ذلك التفجير من خلال تغير الموقف الامريكي المعلن فقط للاعلام بالضد من السعودية من اجل سحب مئات المليارات منها مقابل غض النظر عنها والتعامل معها سياسي فبدأت امريكا بتغيير ولي العهد السعودي والمجيئ بمحمد بن سلمان كولي عهد جديد وفرضت عليهم بالعمل على التوجه للعراق من اجل فرض وجودهم كقوة اقتصادية كبيرة قادرة على اعادة الدعم للعراق خاصة بعد ان اصبح الحال في العراق على وشك الانتهاء من حربه مع داعش الذي تركت تلك الحرب مدنا مدمرة تماما واقتصادا شبه عاجز. لذلك لجأت السعودية بان تدخل بكل ثقلها الاقتصادي في العراق من اجل سببين ..

الاول .. ان تنعش اقتصادها من خلال حاجة العراق ولسنين طويلة الى وجود شركات ضخمة تعيد ماتدمر خاصة وان السعودية بحاجة الى انعاش اقتصادها الذي تعرض الى انهيار نتيجة تدخلاتها في العراق وسوريا وكذلك بحربها باليمن فضلا عن الصفقات التي عقدتها مع امريكا وروسيا والجزية التي دفعتها الى ترامب .

ثانيا .. هي تريد بذلك التواجد الاقتصادي في السوق العراقية المستهلكة ان تنافس ايران داخل العراق حتى تصل بذلك التنافس الى قربها من الشعب العراقي الذي يميل بعض الاحيان الى الوقوع تحت تأثير التفاضل بين المنتجات كونه مستهلكا من الدرجة الاولى، وكذلك رغبتها بعد نجاحها بتحقيق هذه المفاضلة تسعى الى الانفتاح شيئا فشيئا الى فتح قنصليات لها في النجف الاشرف ومحافظات جنوب العراق كي تأخذ جزءا من عواطف العراقيين الشيعة تجاه ايران وهكذا هي تخطط وتراهن على تركيبة وطبيعة الشعب العراقي الذي قد يتغير امام انجازات على الارض.

لااريد ان اعطي حكما نهائيا على تصوري ذلك ازاء الرهان السعودي على طبيعة الشعب العراقي (اكيد لااقصد كل الشعب) ولكن قد يكون هذا العامل هو من العوامل الرئيسة والمهمة للسعودية التي تأتمر بالأوامر الامريكية ومشروع كروكر خير دليل على مااقول ..

لذلك امريكا ضغطت على العبادي بقبول ذلك التقارب بشكل سريع خاصة بعد ماحدث من استعادة هيبة الدولة وفرض الامن في كركوك والمناطق المتنازع عليها .. بعد ذلك الحدث طلبت حسب تصوري امريكا من العراق ان يؤسس ذلك المجلس التنسيقي بين السعودية والعراق كي تبعث برسائل من خلاله الى ايران بخروج العراق من محور المقاومة وانضمامه الى المحور الامريكي وفي حال عدم موافقته تضغط عليه بخصوص المناطق المتنازع عليها مرة اخرى باسلوب وطريقة قد تكون معدة من الان .. لذا سارع العبادي لقبول هذا التقارب وسيكون ملتزما بتنفيذ كل المطالب الامريكية بدليل ان العبادي اعترض اعلاميا يوم الاثنين على تصريحات تيلرسون بخصوص الحشد المقدس ولكننا تفاجئنا باستقباله ليلا ..

هذا المجلس التنسيقي الغرض منه هو خلق ازمة مع الجارة الجمهورية الاسلامية في ايران التي وقفت ومازالت تقف موقفا داعما للعراق وشعبه. لكن السؤال الاهم هو هل يعلم العبادي والسعودية وامريكا ان اعادة عقارب الساعة الى الوراء من المستحيلات؟ وهل تعلم تلك الاطراف ان الحشد المقدس لدى جميع مكونات الشعب العراقي بكل دياناته ومذاهبه من الثوابت التي لايساوم عليها؟ وهل يعلم العبادي حصرا بان السعودية سوف تنسحب من اي اتفاق في حال عدم استجابته التي اشك بها انا شخصيا بعدم تنفيذ مايريده الامريكان والسعودية بخلق ازمة مع ايران ..

فاليعلم الجميع اليوم بان كل المؤامرات التي تستهدف وحدة العراق لم يكتب لها النجاح ابدا سواء كانت بمغريات اقتصادية او غيرها رغم اننا على يقين ان ذلك المجلس التنسيقي هو احادي الفائدة فقط. يعني ان السعودية هي المستفيدة من خلال تصديرها لنا منتجاتها واستثمار شركاتها بكل المفاصل والتي نحن نفتقد امامها الى التصدير او وجود شركات بحجم شركاتهم ..

اننا لسنا ضد العلاقه مع السعوديه ولكن تاريخ العلاقه معهم يدعونا للمزيد من الحذر خاصة وانهم استقبلوا مسعود بسبعين مسؤولا حكوميا فيما استقبلوا صاحبنا (الشيعي) من قبل مدير بلدية الرياض!! ثم ان السعوديه لم يعرف عنها صاحبة مشاريع لتبني وتعمر وهي التي تعاني من نقص كبير في الخدمات!!

العلاقه مطلوبة ولكن الحذر و(التكافؤ) مطلوب وان لا نقف بين يديهم كطلاب المدارس يدعوننا لحل الحشد الشعبي ولا ندعوهم  لحل لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحولت نقمه على الشعب السعودي او نذكرهم بمأساة اهالي شرق المملكهة

بقلم الكاتب والمحلل السياسي وائل الركابي