على قرن ثور !!.. بقلم: نبيه البرجي

على قرن ثور !!.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ ديسمبر ٢٠١٧

حين أعلن الرئيس جورج بوش الأب، غداة زوال الاتحاد السوفياتي، «... والآن النظام العالمي الجديد»، عقّب زبغنيوبريجنسكي «...بل انها الفوضى العالمية الجديدة».
سأل «كيف للكرة الأرضية، والأزمنة تزداد تعقيداً، أن تقف، كما في الاسطورة الأوروبية، على قرن ثور؟». هذا ما يعنيه، تحديداً، الاستقطاب الأحادي، في حين أن البشرية تنتظر صيغة فلسفية مختلفة لادارة العلاقات، والمعادلات، الدولية.
اعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لا العودة الى الأمبراطورية الرومانية. بالتالي التعامل مع الدول الأخرى كما لوأنه مستودعات للهنود الحمر.
كان هذا منذ أكثر من ربع قرن. روسيا كانت بادارة بوريس يلتسين. برميل من الفودكا ويتدحرج بين بارونات، وحاخامات، اليهود...
لا بل ان الحاكم الفعلي كانت ابنته تتيانا، عشيقة ذلك السمسار اليهودي نيكولاي تشوبايس الذي كاد يبيع حتى الملابس الداخلية للقديسة كاترين.
الصين كانت لا تزال تعاني من عقدة «الحذاء الضيق». خشية من تعويذة غامضة حول البقاء داخل السور العظيم.
الآن، روسيا استعادت قوتها العسكرية . قاذفات عملاقة، ورؤوس نووية هي من الدقة بحيث يمكن أن تدخل من ثقب الباب (معهد استوكهولم)، وارساء ديناميكية اقتصادية قابلة للتكيف مع كل الضغوط.
تماماً، كما تنبأ آلان بيرفيت، وزير العدل في عهد شارل ديغول. لم يعد التنين وراء جدران الخزف. انه يزحف الى كل أسواق العالم، وينشئ قواعد في نقاط محورية. مع محاولات ارساء معادلات فولاذية في الباسيفيك لكي يتلاعب بالأعصاب، والاستراتيجيات، الأميركية.
في استراتيجيته للأمن القومي للولايات المتحدة، أعلن دونالد ترامب الحرب الباردة على روسيا والصين «اللتين تريدان صياغة عالم يمثل النقيض للقيم  والمصالح الأميركية». اذ اتهم روسيا بمحاولة استعادة موقعها كقوة عظمى (لماذا يفترض بها أن تكون قوة صغرى؟)، أتهم الصين بمحاولة دفع بلاده الى خارج الباسيفيك.
ستيف بانون، وكان كبير مستشاريه، رأى منذ عامين تقريباً، أنه مثلما ظهرت الكتب المقدسة، وقيل انها تنطق باسم الله، يقتضي أن يكون هناك كتاب مقدس يبيّن كيف أن أميركا تفوقت على الله في تلك السلسلة الطويلة من المعجزات (بناء دولة تتفاعل فيها كل ثقافات الأرض، والذهاب بالتكنولوجيا الى حد ادارة الزمن، وربما ما وراء الزمن).
اذاً، لا قواعد للنظام العالمي، كما يراهن فلاديمير بوتين، بل تكريس لميكانيكية الصراع الذي لا يقتصر على لعبة المصالح. هنا منظومة قيم في مواجهة منظومة أخرى. لا مجال البتة للتفاعل أوللمساكنة بينهما.
واذا كان المفكر المصري جمال حمدان قد تحدث، بتلك الطريقة الفذة، عن «عبقرية المكان»، يمكن الحديث عن «غوغائية المكان». في الولايات المتحدة لكل خطوة رمزيتها. الرئيس الأميركي أعلن استراتيجيته من «مركز ريغان»، الرئيس الذي أطلق «حرب النجوم» لابقاء الدببة وراء الثلوج. بالتالي تفكيك الأمبراطورية...
هذا ما حدث. دونالد ترامب الذي قال بصراع القيم، يراهن على تفكيك الاتحاد الروسي حين يتصدى لمحاولته التحول الى قوة عظمى.
لا قوة عظمى في هذا الكوكب الا لأميركا (حتى الله وضع جانباً). لا الروس، وحيث لا مجال للمقارنة بين راقصات البولشوي وعازفي الجاز، ولا الصينيون الذين يصنعون الهوت دوغ من لحوم  الجرذان، يستطيعون تسويق النموذج، من سروال الجينز، وحتى الكوكا كولا، مروراً بالروك اند رول.
لا تنسوا قول جورج سوروس ان الامبراطورية السوفياتية لم تسقط بالصواريخ العابرة للقارات، وانما بشفتي مارلين مونرواللتين قد تكونان السبب في اختيار آدم الهبوط الى الأرض.
أين نحن في هذا السياق؟ فرانك غافني، مدير مركز «السياسة الأمنية»، اذ تحدث عن «لاهوت الزلازل»، لاحظ أن ذلك «الحيوان الخرافي الذي يدعى الشرق الأوسط لن يتوقف عن تقيؤ الجثث». في رأيه لا تسويات وشيكة، بل انه يتوقع أن تتولى ادارة ترامب صناعة ظواهر اسلامية في آسيا الوسطى لاختراق الاتحاد الروسي ,على أن يتم استخدام هذه الظواهر لدعم الأيغور في اقليم سينغيانغ (تركستان الشرقية) في الانتفاضة ضد السلطة الصينية.
تلك الظواهر لا بد أن تقتات من الفائض الايديولوجي في الشرق الأوسط الذي بات، بشكل أوبآخر، متحفاً للهياكل العظمية.
الايرانيون سعداء لأن ترامب وضعهم على قدم وساق مع الروس والصينيين. لا صفقة من وراء ظهورهم. الصراع متواصل.
ذاك الاصرار الأميركي على رقصة الفالس مع... الفوضى.