«إسرائيل» والاستثمار بالحماقة الترامبية.. والتهديدات الأميركية

«إسرائيل» والاستثمار بالحماقة الترامبية.. والتهديدات الأميركية

تحليل وآراء

الأحد، ٤ فبراير ٢٠١٨

فرنسا- فراس عزيز ديب
في هذا العالم الممتلئ بالفوضى يصدر أسبوعياً عن المسؤولين والسياسيين عشراتِ المواقف والتصريحات، بعضها يجعلُك تضحك، بل إنك مهما حاولتَ أن تتعاطى معها بجديةٍ ورزانةٍ ضروريتين في لغةِ التحليل السياسي، فإن الطابع الكوميدي سيغلِّف عباراتكَ مهما حاولتَ السباحةَ عكسَ هذا التيار، كأن تستيقظ مثلاً لتجدَ خبراً مفادهُ أن ملكاً كذاك الذي يحكم إمارةَ شرقي نهر الأردن، قرَّرَ قطع العلاقات الديبلوماسية مع كوريا الديمقراطية.
بالتأكيد لم يسمح لنا القدر أن نعرفَ ردة فعل الزعيم الكوري كيم جونغ أون أو ملامحَ وجههُ بعد أن تم تبليغهُ هذا القرار الصادم، لكن ما نعرفهُ تماماً أن الإخوة في كوريا يعونَ تماماً أن من باعَ القدس، وتاجرَ ببغداد، وأدخل زُناةَ الليلِ إلى «طرابلس الغرب»، لن تزيدهُ العلاقة مع بيونغ يانغ شرفاً لا يمتلكه، واستقلاليةً لا يعرفونها حتى في الاسم، وكرامةً أضاعوها في أسواق النخاسة الأميركية، فمثلهم كمن خُلق ليزحف فلا يمكن له أن يطير.
لكن في المقابل هناك تصريحات مهما بدت لك وكأنها مكرَّرة لدرجةِ الملل، ومهما كانت صورةَ الغباء والبغاء الفكريَّيَن اللذين يحملهما مطلقها، فلابد لك من النظر إليها بشيءٍ من العناية، تحديداً أن المذبوح من الألم لا نعلم أين يمكن أن يؤذي وهو يتراقص محتضراً مع طموحاته، ولعل خيرَ مثالٍ راهنٍ على نموذج كهذا من التصريحات هي تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جديد بشنِّ هجومٍ على سورية بسبب ما يدعونه «استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي»، فهل أن هذه التهديدات هي صورة مكررة عن تهديدات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تهدف للابتزاز السياسي، أم إن هناك معطياتٍ في هذه المرحلة تجعلنا نقف ونحلِّل بهدوء هذه التهديدات؟
في واقع الأمر فإن الفرق بين هذه التهديدات والتهديدات السابقة يرتكز على ثلاثِة معطياتٍ أساسية وهي:
المعطى الأول هو «إسرائيل»: بالتأكيد أن هذا المعطى المتجسد بالعلاقة بين البيت الأبيض وقيادات العدو الصهيوني تختلف حالياً وبشكل كلّي عما كانت عليه زمن الرئيس السابق أوباما، الذي كان يفضِّل أسلوب الحربِ الناعمة في تقديمِ خدماتهِ للكيان المسخ بدلاً من التدخل المباشر، بل كان لافتاً أن تتزامن تهديدات ترامب بكلامٍ لوزير ما يسمى الأمن في الكيان الصهيوني جلعاد أردان تحدثَ عن ضرورةِ استغلال فترة وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض لاستكمال ضم الجولان السوري المحتل نهائياً، أي إنهم يريدون استنساخ التجربة المقدسية لتطبيقها على الجولان السوري المحتل.
هذا الطموح الصهيوني ليس بجديدٍ، بل إن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو كان قد طلبَ من الرئيس ترامب خلال لقائِهما الرسمي في شباط من العام الماضي اعترافاً أميركياً بضم الجولان إلى الأبد، حتى إن نتنياهو نقل عن ترامب عدمَ اعتراضهِ على الفكرة، أي إن الإسرائيلي كان ولا يزال ينظر بموضوعيةٍ لبنك الأهداف السورية والاستثمار بالحرب عليها، فإذا كان قد نجح في مسعاهُ الأصعب وهو الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة له، فإن الجولان يبقى تحصيلَ حاصل، لكن هذا الأمر لا يبدو كل شيء فالعدو كان ولا يزال ينظر إلى انتصاره في سورية من نافذةٍ واحدةٍ فقط، وهي انهيار الجيش العربي السوري لأن هذا الانهيار بالنسبةِ له يعني انهيار آخرَ جيشٍ نظامي عربي يحمل عقيدةً قتالية بوصلتها الأولى القضية الفلسطينية، وعليه تبدو أن الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هي الاستثمار بحماقات ترامب حتى النهاية، بما فيها تحقيقَ هدفٍ يتجاوز موضوع توجيهِ ضرباتٍ محددةٍ لبعضِ نقاط الجيش العربي السوري كما حصل سابقاً عند قصف مطار الشعيرات في ريف حمص، إلى توسيع هذه الضربات لتكونَ بمثابة الضربة القاصمة لقدرات القيادة السورية سياسياً وعسكرياً بما فيها أهداف ضمن العاصمة دمشق.
المُعطى الثاني وهو نجاح مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي: منذ ما قبل بدايةِ مؤتمر الحوار الوطني السوري كان هناك سعي غربي لإفشاله، أو بالحد الأدنى مقاطعته، لكن كل هذه المساعي ذهبت أدراجَ الرياح أمام الصبر الروسي والإصرار السوري، تحديداً أن القيادة السورية حاولت أن تكون مرنة مع كل الطروحات، من خلال حجم التمثيل الهائل لكل الشرائح السورية، وصولاً لرئاسة المؤتمر الذي لم تسع فيه القيادة السورية لفرض شخصيةٍ من الحزب الحاكم، لكنهم اختاروا أن تكون الرئاسة بعهدةِ شخصيةٍ ليست بعثية، وليست من الجسم الحاكم في الوقت الحالي، وتتمتع باحترامٍ كبير كونها من «المعتَّقين» في العمل السياسي السوري، وهذا ما عناه اختيار قامةٍ وطنيةٍ بحجم «صفوان قدسي» لرئاسة المؤتمر، حتى بعض الأفخاخ التي حاول البعض نصبها للمؤتمر للضرب بمصداقيتهِ عن قصدٍ أو دون قصد فشلت، من بينها مثلاً ما حُكي عن تسريباتٍ للبيان الختامي، ما دفع البعض للتساؤل بسخرية: كيف ذهب السوريون ليتناقشوا ويتحاوروا وهناك من سرب نتائج نقاشٍ لم يجرِ بعد؟ لكن البيان الختامي الذي جرى مناقشته والتصويت عليه كان مرضياً للجميع بمعزل عن بعض التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين مثل «غير طائفية».
إن نجاح المؤتمر على المستوى السياسي كان متوقعاً من الولايات المتحدة، لذلك وبعد فشلها في إجهاضه فإنها ستحاول ضرب الذراع التي حملته، لأن هذا النجاح السياسي ما كان ليكون أساساً لولا النجاح العسكري للجيش العربي السوري وحلفائه، وهو ما يمثل المعطى الثالث والأهم، فكيف ذلك؟
حتى ما قبل انتهاء الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كان أكثر المتفائلين بالجيش العربي السوري وصموده، وهنا نتحدث عن المتفائلين وليس المؤمنين بالجيش العربي السوري، ما كانوا ليتوقعوا أن يحرزَ شجعان هذا العصر كل هذا التقدم في عامٍ ونصف، بمعنى آخر أن أحد أسباب ثبات أوباما على فكرة أن لا تدخل أميركياً علنياً ومباشراً هي الخريطة العسكرية على الأرض التي أعطتهم نوعاً ما ارتياحاً لاستحالة أن يسترجع هذا الجيش كل هذه المناطق والمدن، المفيدة منها و«غير المفيدة» حسب تعبيرهم، لكن ومنذ أن استعاد الجيش العربي السوري تدمر للمرة الثانية من داعش حتى اليوم، فإن هذا الاكتساح السريع للمناطق لا يبدو تجسيداً للتحدي الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد يوماً بأن الجيش حينما يقرر تحرير منطقة ما فسيحررها، لكنه بذات الوقت يبدو خلطاً للأوراق يبقي حالةَ القلق الإسرائيلية من قدرات هذا الجيش في أعلى درجاتها، أي إنهم وبعد سنواتٍ سبع عادوا للمربع الأول في عمليةِ إنهاك الجيش العربي السوري والتي تبدو غيرَ ممكنة عبر حربٍ بالوكالة، فماذا ينتظرنا؟
كل ما يجري اليوم في ملف الحرب على سورية لا يبدو بأي حالٍ من الأحوال يرضي بالحد الأدنى الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي الذي كان ولا يزال يتحدث عن أن وصول الإيرانيين وحزب اللـه إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة سيعني انفجاراً للمنطقة، هم أصابوا بالحديث عن انفجار المنطقة لكن السبب الأساسي ليس كما يتوهمون، بل إن السبب الأساسي أنهم باتوا ينظرون لدونالد ترامب كأفضلِ استثمار سياسي وعسكري قد يخدم بحماقاته الكيان المسخ لعقودٍ قادمة، وعليه لا يمكن النظر لتهديدات ترامب على أنها قنابلَ صوتية، تحديداً أولئك الذين ما زالوا يرون أن كل هذه الفوضى هي مجرد حرب لتغيير «النظام»، هؤلاء يليق بهم كتابة أطروحات يتحدثون فيها عن «مغزى قطع العلاقات الأردنية بكوريا الديمقراطية» لا أكثر، أما من لا يزال يرى بأن ما يجري هي معركة لإنقاذ العالم بأسرهِ فعليهم أن يجهزوا حبرهم لكتابة التاريخ من جديد والقضية بسيطة: ألم نذكِّركم يوماً بأن سبب سقوط الدولة الأموية أميراً أحمق وأرعن يُكنى «مروان الحمار»، ثقوا أن كل ممالك الدم لا تسقط حتى يأتيها ذاك المروان.