مثلث أستانا تحت الضغوط.. بقلم: أنس وهيب الكردي

مثلث أستانا تحت الضغوط.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ فبراير ٢٠١٨

تتعرض عملية أستانا إلى ضغوط قوية مجدداً، بعضها نابع من التوترات ما بين الدول الضامنة لها وهي روسيا وإيران وتركيا، والبعض الآخر مصدره الولايات المتحدة الساعية بكل قواها من أجل توسيع شقة الخلافات بين تلك الدول، وتفكيك المثلث الذي تأسس مطلع العام الماضي في العاصمة الكازاخستانية أستانا.
تختصر التوترات التي تعتمل ما بين دول أستانا بمصير المنطقة الشمالية الغربية من سورية، وأيضاً نتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في منتجع سوتشي الروسي.
منذ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة سانت بطرسبورغ في شهر آب من العام 2016، راقبت طهران بقلق، تتالي التفاهمات التركية الروسية حول الشمال السوري، وكانت تلك التفاهمات تتم بعيداً عن إيران، وفي بعض الأحيان لم تهتم بمراعاة مصالح طهران، وأثمرت زيارة أردوغان عن ضوء أخضر روسي لعملية «درع الفرات» التي أدت إلى طرد تنظيم داعش من الشريط الحدودي الممتد بين جرابلس والراعي وصولاً إلى مدينة الباب، وبالتالي، دقت إسفيناً ما بين المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية في منبج وما يليها من شرق سورية، من جهة، ومنطقة عفرين شمال غرب محافظة حلب، من جهة أخرى، ولم توافق إيران على عملية «درع الفرات» إطلاقاً، ولم تعترف بنتائجها وسعت إلى تحديد حركة الجيش التركي في ريف حلب الشمالي.
لاحقاً، عقدت روسيا اتفاقاً مع تركيا أنهى معركة مدينة حلب، ولم تكن إيران بصورته أو راضية عنه، واعترضت طهران والسلطات السورية بشدة على سماح الاتفاق للمسلحين بالخروج «مع أسلحتهم» من الأحياء التي ظلت لسنوات تحت سيطرتهم في شرق المدينة إلى ريف حلب الشمالي، الذي ينتشر فيه مسلحو الميليشيات المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات»، والمدعومة من تركيا.
بشق النفس، تمكنت طهران من تثليث الطاولة التركية الروسية، وتوصلت الدول الثلاث إلى اتفاق على وقف إطلاق نار أواخر العام 2016.
بالرغم من التأكيد الرسمي الروسي على الطبيعة الإستراتيجية للعلاقات القائمة ما بين طهران وموسكو، ظل المسؤولون الإيرانيون في مطلع العام 2017، قلقين من صفقة ثلاثية أميركية روسية تركية في سورية تكون على حسابهم، كان من شأن الود الذي أظهره قاطن البيت الأبيض الجديد، دونالد ترامب، تجاه روسيا أن يضاعف مستوى الهواجس الإيرانية.
نادى مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي مايكل فيلن، في حينه، بتحسين العلاقات الأميركية مع كل من أنقرة وموسكو، وعوامل عديدة قلصت احتمال التوصل إلى الصفقة الثلاثية، منها رفض روسيا الامتثال لطلب واشنطن بالتخلي عن الشراكة مع إيران في سورية، من جهة، وخروج فلين من إدارة ترامب وتولي روبرت هاموند ماكماستر زمام الأمور في توجيه الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، واختياره استعراض القوة الأميركية بقصف مطار الشعيرات بريف حمص الشرقي، من جهة أخرى، ومض وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قدماً في تنفيذ خطة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لتحرير الرقة من دون التعاون مع موسكو أو أنقرة، من جهة ثالثة.
عادت روسيا وتركيا في ربيع العام 2017، للاستثمار بعلاقاتهما مع إيران وعملية أستانا، وتوصلت هذه الدول إلى إعلان مبادئ يقضي بتأسيس نظام خفض التصعيد في أربع مناطق سورية، وجنحت روسيا بعد ذلك إلى التفاهم مع واشنطن على سبل تطبيق هذا النظام في جنوب سورية، وهكذا، ولد اتفاق ترامب بوتين الأول في مدينة هامبورغ الألمانية، الذي تسبب برد فعل قوي في طهران وأنقرة، دفعهما للتقارب ضد شبح توافق روسي أميركي دولي يكون بالضرورة على حسابهما، وجاء تنظيم إقليم كردستان العراق لاستفتاء تقرير المصير بمثابة تعضيد للتفاهم التركي الإيراني.
توافقت أنقرة وطهران على ضرب مساعي استقلال الكرد ، كما دعمتا بغداد في هجومها للسيطرة على مدينة كركوك، وخلال هذه المرحلة من شهر العسل التركي الإيراني، توصلت دول أستانا على مرحلتين إلى الاتفاق الخاص بتأسيس منطقة خفض التصعيد في إدلب، والذي جرى استبعاد الولايات المتحدة منه، واستخدمته روسيا على الفور، ورقة في مفاوضاتها مع واشنطن، التي انتهت باتفاق بوتين ترامب الثاني في مدينة دا نانغ الفيتنامية خلال شهر تشرين الثاني من العام 2017 الماضي، على تجديد تفاهماتهما حول شرق وجنوب سورية.
عادت التوترات للظهور بين الدول الضامنة لعملية أستانا بعد هذا الاتفاق، من دون أن تنجح قمة سوتشي التي استضاف خلالها الرئيس الروسي نظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي أردوغان، من إخفائها، فأولاً، أصيبت طهران وموسكو بخيبة أمل جراء نشر أنقرة قواتها العسكرية في مناطق بشمال إدلب عوض أن تلتزم بنشر قوات شرطة عسكرية للمراقبة بحكم اتفاق خفض التصعيد في إدلب، كما اعترضتا على تباطؤ تركيا في تأسيس بقية مواقع المراقبة، بحسب ما تم الاتفاق عليه في الجولة السابعة من مفاوضات أستانا.
هكذا كانت الحال بالفعل قبل نحو الشهر، قلق إيراني وروسي مكتوم من الميوعة التركية حيال إدلب، في مقابل ضغوط قوية مارستها أنقرة على إيران وروسيا من أجل الموافقة على إطلاق عملية عفرين، وذلك وسط جفاء روسي إيراني لأسباب تتعلق بإعادة إعمار سورية، وبلغت الأمور ذروتها عندما اعترضت تركيا بشدة على العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري مدعوماً بحلفائه في روسيا وإيران لدحر المسلحين عن محافظة إدلب، ولم تكتف تركيا هذه المرة، بالاحتجاج الإعلامي أو الدبلوماسي، بل ساندت عسكرياً، وبشكل علني، الميليشيات المسلحة في تصديها لهجوم الجيش السوري، واعتكفت عن متابعة التحضيرات لمؤتمر سوتشي ملوحةً بالعودة إلى ركب مجموعة الدول الداعمة للمعارضة السورية، والتي تقودها واشنطن، وربما لولا إعلان التحالف الدولي عن إنشاء جيش حدودي في شرق سورية، بالترافق مع استهداف قاعدة حميميم العسكرية بهجومين غامضين، لما انطلقت عملية عفرين أو انعقد مؤتمر سوتشي.
قلب الإعلان المدعوم أميركياً، وخشية روسيا من تداعيات انكشاف موقعها في سورية، الموازين لصالح تماسك الدول الراعية لعملية أستانا، حيث تمكنت أنقرة من انتزاع الموافقة الروسية على إطلاق هجومها على عفرين، مقابل تسهيل تركيا لسيطرة الجيش السوري على مطار أبو الظهور في ريف إدلب الجنوبي ودعمها لانعقاد مؤتمر سوتشي، وهذه المرة أيضاً، بقيت إيران خارج التفاهمات الأساسية التي توصلت إليها موسكو وأنقرة.
وعلى حين أبدت طهران انزعاجها الشديد من مشاركة عدد كبير من القوات التركية في عملية عفرين، اتهمت تركيا دولة لم تسمها بتسليم مسلحي «وحدات حماية الشعب في عفرين، منظومات مضادة للدبابات في إشارة إلى إيران، ولقد أدى انتشار مزيد من القوات التركية، مؤخراً، في مواقع مراقبة اتفاق خفض التصعيد بريفي حلب الجنوبي وإدلب الغربي، وبالأخص منطقة العيس، إلى تراشق صاروخي ما بين الأتراك والجيش السوري وحلفائه، وذكرت أنقرة أن خطوتيها في حلب وإدلب جرى تنسيقهما مع روسيا.
قبل أيام طالبت الخارجية الإيرانية تركيا بالوقف «الفوري» لعملية عفرين، وبالأمس، كان الرئيس الإيراني يبلغ نظيره الروسي اعتراض بلاده على وجود أي قوات أجنبية على أراضي سورية من دون موافقة الحكومة والشعب هناك، في إشارة واضحة إلى الوجود العسكري التركي، وبرز اختلاف في صياغة البيان الختامي لمؤتمر سوتشي ما بين النسخة التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية، وتلك التي نشرتها وكالتا الأنباء السورية والإيرانية.
في المقابل، تضغط واشنطن على دول أستانا وفي ذهنها تفتيت علاقة التعاون القائم فيما بينها، وتدور تكهنات عديدة حول وجود يد للولايات المتحدة في استهداف قاعدة حميميم وإسقاط الطائرة الروسية في سماء محافظة إدلب، ويتهم برلمانيون روس واشنطن بتدبير هذه الأعمال من أجل دق إسفين بين أنقرة وموسكو، وإظهار خطأ مراهنة روسيا على تركيا من أجل إدارة إدلب، واستبعاد واشنطن عنها، كما تسعى الولايات المتحدة لدق إسفين مماثل في شرق سورية ما بين روسيا وإيران مختارةً لذلك منطقة البوكمال.
ستلقي الخلافات ما بين إيران وتركيا، كدول ضامنة لعملية أستانا، بظلالها على مباحثات الجولة الثامنة التي ستستضيفها العاصمة الكازاخية قريباً، في حين تتربص واشنطن الدوائر بتلك الدول، وتعمل لإبعادها عن بعضها البعض.