روسيا والغرب: قلوب «مليانة»

روسيا والغرب: قلوب «مليانة»

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ مارس ٢٠١٨

محمد عبيد
 
من غير الطبيعي أن يصدق أي عاقل أن ادعاء بريطانيا ومعها الولايات المتحدة الأميركية والآن معظم الدول الأوروبية تورط روسيا بتسميم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وابنته لوليا هو السبب الفعلي والمباشر لهذه الحملة السياسية-الدبلوماسية-الإعلامية المترافقة مع عقوبات اقتصادية ضد موسكو.. إذ ليس جديداً أو غريباً على واشنطن وحلفائها الغربيين ابتداع ذرائع كاذبة للنيل من بلد يقف سداً أمام تحقيق مشاريعهم التوسعية أو يَحُول بينهم وبين الاستحواذ على ثروات إستراتيجية لبلدان أو حتى لمناطق بأكملها. ومازالت الذريعة الكاذبة حول امتلاك العراق «أسلحة دمار شامل» التي استُعمِلت لغزو بغداد والتمدد منها لترهيب المنطقة ماثلة أمامنا كنموذج لنمط العلاقات الدولية الذي أرسته واشنطن إثر تفجيرات الحادي عشر من أيلول العام 2001. كذلك كانت المحاولات الأميركية لاتهام إيران بامتلاك مشروع نووي عسكري تمهيداً لقصفها وتطويعها رغم نفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الاتهام، ولو لم تكن القيادة الإيرانية قد نجحت بحنكة سياسية وعسكرية ودبلوماسية عالية في تجنب هذا الاستهداف لواجهت المصير العراقي نفسه مع اختلاف جذري ونوعي في الارتدادات.
طبعاً لا يمكن أن يكون الحال هو نفسه مع موسكو لجهة التجرؤ على استهدافها عسكرياً أو حتى تهديدها، لكن ذلك لا يمنع واشنطن وحلفاءها من القيام بمحاولات لتطويقها اقتصادياً، وهو أمر ممكن بعد نجاح الغرب في فرض نظام العولمة الذي ارتكز على «دولرة» الاقتصاد العالمي. وقد عانت موسكو هذا التطويق إثر تفجر أزمة أوكرانيا، دبلوماسياً من خلال إضعاف قدرات روسيا في المحافل والمنظمات الأممية إضافة إلى طرد طواقم السفارات الروسية من معظم العواصم الرئيسية في العالم والضغط على عواصم أخرى كي تحذو حذوها، وسياسياً عبر الترويج لاتهام النظام الروسي بعدم احترام المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية التي تضمن منع القيام بأي أعمال يمكن أن تهدد أمن دول أخرى، وذلك لتكريس عزلة دولية تحد من توسع علاقات موسكو مع معظم دول العالم وتُشَوه النظرة الدولية إليها على أنها شريك عاقل ووازن يمكن الركون إليه لمعالجة الأزمات العالمية بناءً على مقتضيات الشرعة الأممية.
قد تطول اللائحة التي يمكن أن تُحَاسب عليها روسيا، لكن سورية تتصدرها وربما تختصرها أيضاً بعدما صارت وحدها محور التجاذبات الدولية والإقليمية ومنصة صياغة التوازنات العالمية التي ستحكم حجم الأنداد وقدراتهم على التأثير في السياسات التي ستقرر مصير العالم لسنوات طويلة قادمة.
المشكلة التي تواجهها روسيا اليوم أنها منذ مشاركتها مع الدولة السورية وحلفائها في الحرب على الإرهاب ورعاته خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أنها قد أرست وقائع سياسية وميدانية غير قابلة للإلغاء وبَنَت على هذه الوقائع منظومة علاقات وتحالفات دولية وإقليمية ثابتة وعميقة، الصين وإيران مثالاً. وبالطبع فإن القيادة الروسية المتجددة مع الرئيس فلاديمير بوتين لن تغير أو تعدل من إستراتيجيتها فيما يعني الشأن السوري والمنطقة كافة بل العالم لمجرد أن الرئيس الأميركي الوافد دونالد ترامب يحاول استلحاق ما تبقى من النفوذ الأميركي في المنطقة من البوابة السورية أيضاً. كما أن هذه القيادة ليست في وارد التنازل عن مكتسبات دفعت ومازالت تدفع لأجل الحفاظ عليها أثماناً بشرية وعسكرية واقتصادية.
تعلم القيادة الأميركية وحلفاؤها أن قواتهم المُحتلة للأراضي السورية ليست سوى «حقول رماية» لقوى محور المقاومة وحليفها الروسي عندما تحين ساعة اتخاذ قرار إخراجهم وعندما تتقدم كأولوية، لذلك يتحينون الفرص لجر موسكو من خلال قضية الجاسوس سكريبال وغيرها إلى طاولة التفاوض انطلاقاً من سورية وحولها وحول قضايا أخرى عالقة بين روسيا والغرب.
وتعتقد القيادة الروسية أن تقديم أي تنازل في سورية سيخرجها من المعادلة الدولية كافة، وأن اتهامها بتسميم الجاسوس وابنته من دون دلائل حسية وقاطعة، وإثارة ضجة دبلوماسية-سياسية حولها ليست سوى زوبعة في فنجان تزول مفاعيلها الإعلامية عند اصطدامها بحائط الموقف الروسي الثابت.