الكعبة هنا ... آرامكو هناك.. بقلم: نبيه البرجي

الكعبة هنا ... آرامكو هناك.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ٣٠ مارس ٢٠١٨

هي معلومات صارخة من دوائر خليجية حساسة . "أحدهم" قال لدونالد ترامب ما مؤداه "اطرد الايرانيين من سوريا , وأنا جاهز لاقناع سمو الأمير باستقبال بنيامين نتنياهو في مطار الرياض" .
في معلومات أخرى أن "الأحدهم" قال لدونالد ترامب "اطرد الايرانيين و"حزب الله" من سوريا ولبنان , وانا جاهز لأجعل الأمير يذهب سيراً على الأقدام الى أورشليم" .
ثمة من أدخل في رؤوس أهل البلاط أن أحداً لايكنّ لهم المودة . ليس الايرانيون فحسب . الأتراك أكثر . المصريون, وهم أحفاد الفراعنة , يستشعرون الدونية في تعاملهم معهم بسبب الاحتقان الاقتصادي المريع . 
أدخلوا في رؤوسهم أيضاً أنه حتى أهل الخليج لا يحبونهم , بل ويتوجسون منهم . من كانوا يوالونهم "على عماها" , ومن خلال التعبئة الايديولوجية , بدأوا بالانفكاك عنهم بعدما شرعت المملكة في ولوج ثقافة الترفيه , والانتقال من عالم تورا بورا الى عالم لاس فيغاس .
قيل لهم أنهم كالبناء القديم الذي قد يتداعى في أي لحظة . المؤسسة اليهودية (الأمبراطورية اليهودية) هي التي تؤمن المظلة الغربية , الأميركية بوجه خاص , ودون أن تكون لدى أهل البلاط أي مشكلة في التعاون الاستخباراتي , والاستراتيجي , مع تل أبيب .
الواقع السوسيولوجي في المملكة , وحيث التقاطع الدراماتيكي بين منطق الايديولوجيا ومنطق القبيلة , لا يتحمل سلسلة من الصدمات الكهربائية المتلاحقة . هناك من ينظر الى اليهود كونهم الأعداء التاريخيين للاسلام وللمسلمين . في هذه الحال , لا بد من الصدمات المخملية في اوديسة التغيير .
حتى بين مقربين الى الأمير داخل العائلة من يعتقد أن التداعيات ستكون كارثية على المملكة في العالم الاسلامي , وهو العالم الافتراضي , ان بسبب الحساسية التراجيدية للقضية الفلسطينية , أو بسبب السياسات الهمجية التي ينتهجها الفريق الحاكم في اسرائيل .
 
ما يتردد في الدوائر الخليجية يتقاطع , بصورة أو بأخرى , مع مواقف لمسؤولين اسرائيليين كبار . أفيغدور ليبرمان دعا الولايات المتحدة الى اجتثاث ايران و"حزب الله " من سوريا.
الرجل لا يلقي بكلامه جزافاً . بالأحرى لا يقول كلمته في الهواء (وعلى الهواء) الا اذا كانت المسألة تتصل بمباحثات أو بسيناريوات وضعت أو يتم وضعها لاعادة الساحة السورية الى نقطة الصفر .
نتجاوز ذلك اللقاء في المكتب البيضاوي , وحيث بدا دونالد ترامب بأنياب دراكولا (مصاص الدماء) , ونذكّر أهل البلاط ما كان يحدث في واشنطن ابان عهد الرئيس جورج دبليو بوش , وكان أحد أركانه جون بولتون , الأقرب الآن الى الأذن الرئاسية والى العقل الرئاسي .
للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة , ظهر ذلك العدد من الأدمغة اليهودية في البنتاغون (بول وولفوويتز , ريتشارد بيرل , دوغلاس فايث , كارل روف ... وغيرهم). وكان بيرل يأتي بباحثين من أرقى الجامعات لالقاء محاضرات في الضباط حول الشوائب البنيوية , والتاريخية , والفلسفية , في النظام السعودي .
هؤلاء كانوا على تواصل مع كبار منظّري المحافظين الجدد, من وليم كريستول , الى دانييل بايبس , وروبرت كاغان , مع وجود رجلهم الذهبي اليوت أبرامز في مجلس الأمن القومي . 
ما طرح في تلك المحاضرات أن الهيكلية الايديولوجية للمملكة لا بد أن تنتج ظواهر على شاكلة تنظيم القاعدة الذي أنشأه السعودي أسامة بن لادن . واذ تعتبر المملكة من أكثر الدول ثراء , وقد تتحول الى أمبراطورية للبرابرة , يفترض قطع الطريق عليها بالفصل بين نجد والحجاز لتغدو الكعبة في مكان وأرامكو في مكان آخر .
لا نتصور أن الاميركيين تخلوا عن هذه النظرة . الآن يستنزفون السعودية على نحو منهجي ومدمر , وان كان هناك بين المعلّقين العرب الذين يمشون حفاة في سوق النخاسة , يهللون لخطوات الأمير محمد بن سلمان نحو التماهي السيزيفي مع المصالح الأميركية . بالتالي التحريض على سوريا باعتبارها البوابة الكبرى الى الصفقة الكبرى .
ولي العهد محكوم بالخيار الأميركي . وكالة الاستخبارات المركزية ليست موجودة في جدران قصر اليمامة فحسب . انها موجودة في رؤوس الكثيرين من الأمراء , والجنرالات, وشيوخ القبائل .
أميركا هنا , وكما أشرنا سابقاً , هي النسخة البشرية عن القضاء والقدر . الطريق الى أورشليم أكثر جدوى بكثير من الطريق الى دمشق . من يتجرأ ؟!
(الديــار)