ضربة؟! لا ضربة؟!.. بقلم: د.خلود أديب

ضربة؟! لا ضربة؟!.. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الخميس، ١٢ أبريل ٢٠١٨

في سباقها المحموم نحو استعادة مجدها الغابر في احتكارها للسلطة الدولية ودورها الأحادي القطب في فترة المخاض الروسي، ورداً على استعادة روسيا الاتحادية دورها والمسك بزمام المبادرة وخيوط النفوذ في "الشرق الأوسط"، لا تنفك الإدارة الأمريكية بارتكاب العديد من الحماقات السياسية التي نقف موقف الحائر منها. أهي جنون السياسة الذي لا مناص من أن يقع في فخها من يوصفون بالقوى العظمى حين تعمى بصريتهم ضروبَ من الغرور والتبجح والقوة وجنون العظمة؟ أم هي السياسة الأمريكية المجنونة التي بات البيت الأبيض يوصم بها منذ عقودٍ عديدةٍ، حتى فاقت في العقدين الأخيرين حد المنطق والمعقول، بدءاً من غزوها العراق بناء على ادعاءات ٍكاذبةٍ ومفبركةٍ بامتلاكه لأسلحة دمار شامل، مروراً بليبيا وبلدان أخرى أصابتها حمى الربيع العربي الهرم، وأخيراً وليس آخراً، تدخلها المجنون في سوريةعلى يد ترامب في أعلى مراحل الجنون الأمريكي.
فضربت بعرض الحائط الشرعية الدولية ومبادىء الأخلاق والنزاهة التي طالما تغنت بها وسعت إلى نشرها على أنها خلاصة "الحضارة الفاضلة" وإن بالقوة والإجبار والغزو (وكلها صور لانتهاك حرية الاختيار والتوجه السياسي السليم والحر)، منتهكة بذلك تلك المبادىء،بدايةً، بتدخلها بشؤون الآخرين وفرضها لسياساتٍ ونظمِ حكمٍ تزعم أنها أمثل أشكال الديمقراطية، وهي لا تعدو كونها مبادىء حقٍ أريد بها باطل لبسط المزيد من الهيمنة الأمريكية عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في مناطق تتقاطع مصالحها مع مصالح الكيان الصهيوني.
لايفتاً البيت الأبيض يستخدم سلطة القوة التي يخالها أحادية الجانب، لفرض اتخاذ قرار سياسي وفرض تيار ايديولوجي سياسي معين يخدم مآربه، ليتحول إلى قرار عسكري أرعن وأهوج، أقل ما يقال عنه أنه غير مدروس ويخالف المنطق السليم، بغض النظر عن أبعاده اللاشرعية والمخالفة لأبسط قواعد مبادىء القانون الدولي والشرعة الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة.
لقد تجاوز سعي واشنطن لنشر الفوضى الخلاقة حده الجيوسياسي في المنطقة ليغدو نشراً لفوضى سياسية عالمية عارمة تسير بالعالم المتمدن نحو الهاوية في تباشير طبول حرب عالمية رابعة مسرحها سورية (لم تخرج من حربها في العالمية الثالثة في وعلى سورية،بمساندةحلفائها، بشروط المنتصر).
على الرغم من إقرارنا بالسياسة الأمريكية المجنونة، فالأرجح أنها لن تكون ضربةً عسكريةً قويةً لدرجة قد تغير من موازين القوى على الأرض، أو تعيد خلط الأوراق في سورية، على الرغم من تلويح دانيا سيروير، الخبير الأمريكي بمعهد الشرق الأوسط، إلى جانب تسريبات أخرى أمريكية تويترية داعمة ومغرضة، بأنها قد تطال مراكز حيوية ومؤسسات عسكرية وقصور رئاسية....إلخ.
قد تكون الضربة الأمريكية مرجحة ووشيكة، ولكن لم ينقشع الضباب بعد عن من سيشارك بها إلى جانب الولايات المتحدة الأرمريكية على الرغم من التلويحات من جانب بريطانية وفرنسا وتحرك الغواصة البريطانية باتجاه الساحل السوري تحضيراً للضربة. التسريبات تقول أن بريطانيا أبلغت ترامب تردد لندن بالقيام بمثل هكذا مغامرة عسكرية لا يمكن ضبط نتائجها العسكرية بوجود حلفاء سورية واستعدادهم التام للرد، ناهيك عن النتائج السياسية الكارثية التي تجاوز الحدود الاقليمية إلى العالمية، ما لم تقوم على "أدلة دامغة "على حد زعمها، الأمر الذي تخشاه الإدارة الأمريكية في عمق وعيها. أما فرنسا فاكتفت حتى الآن بالتلميح والغمز من قناة المشاركة بالضربة، لتقوم السعودية وأدواتها بالتحريض والتهليل لضربة قد دفع ولي عهدها، سلفاً، ثمنها منذ أيام قليلة.
الرأي الغالب أنها ستكون ضربةً محدودةًعلى غرار الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي، ولأسبابٍ مشابهةٍ لا تخرج عن كونها تصب في خانة إرضاء الرأي العام الأمريكي وتهدئةً لمموليها وذرَ للماء في عيون الخصوم الذين يستمرون في اتهام ترامب بمحاباة روسيا وفي تدخل الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب وحفظ َلماء الوجه بالنظر إلى الفشل الأمريكي الذريع في المشهد السوري. وقد تكون أيضاً لتهدئة عاصفة "ستورمي دانييل" التي ثارت على نحو غير مسبوق مؤخراً يهدد رئاسة ترامب!
سورية، قيادة وشعباً، ومن ورائها حلفائها على جاهزيةٍ تامةٍ لمواجهة الضربة، إن تمت، والرد بالقوة العسكرية المناسبة الكفيلة باجهاضها وإن قاد جنون السياسة (وجنون سيد بيتها الأبيض) واشنطن إلى التمادى في الضربة العسكرية وتوسيع أهدافها. وقد يكون للأقنية الدبلوماسية القول الفص الذي يمنع حدوثها. ويبقى لأوراق اللعب وماهيتها وقوتها على مائدة التفاوض بين أطراف النزاع حديث آخر.