العتق من التفاهمات.. بقلم: سامر علي ضاحي

العتق من التفاهمات.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ مايو ٢٠١٨

رغم التركيز اليوم حول عقد جولة جديدة من المحادثات السورية، وعبر مسار سوتشي تحديداً، على اعتبار أن مسار «جنيف»، غير محبب سورياً وروسياً، إلا أن الاتجاه لدى دمشق نحو الحسم العسكري يبدو أنه مرشح للتواصل وبقوة، ولن يكون توجه القوة الضاربة في الجيش العربي السوري والقوات الرديفة أو الحليفة إلى الجنوب، مفاجئاً لأحد، بعدما شهدت المراحل الماضية تمهيدات إعلامية وعسكرية وإجراءات واجتماعات تخللها كلها دعوات للمصالحة، لم تبد فصائل الجنوب ميلاً للقبول بها وهي التي ترى نفسها في موقف جيد مدعومة باتفاق «منطقة خفض التصعيد» وما وراءه من تفاهم أميركي روسي أردني وحتى مع الكيان الصهيوني.
وعلى حين أكدت اجتماعات «أستانا 9» ضرورة الحفاظ على الاتفاقات المنبثقة عن «مذكرة خفض التصعيد» في أيار 2017، إلا أنها لم تتطرق إلى مصير جنوبي غربي سورية، فالترويكا الثلاثية الضامنة لـ«أستانا» ليست ضامنة لاتفاق الجنوب، من جهة، ومن جهة أخرى، لا تريد هذه الترويكا الدخول بمواجهة دبلوماسية مع الأميركيين أو الإسرائيليين ولاسيما أن العدو الأول للكيان الصهيوني هو إيران، والأخيرة شريكة في الترويكا ومن ثم لا يقبل الكيان بأي شكل من الأشكال أن يرى الإيرانيين ضامنين لاتفاقات على حدوده.
في المقابل أعطى عدم التطرق إلى اتفاق منطقة الجنوب في «أستانا 9» حرية أكبر للدولة السورية كي تتنصل من هذا الاتفاق ولاسيما أنها ليست طرفاً فيه، ومن ثم إطلاق يدها روسياً وإيرانياً وأردنياً في عملية عسكرية واسعة تستهدف جبهة النصرة وفصائل الجنوب تكون أهدافها البعيدة عودة الدولة السورية إلى خط وقف إطلاق النار وإعادة الأمور إلى نصابها الذي سارت عليه عام 2010، ولا مشكلة لدى الكيان الصهيوني بالتخلي عن حلفائه من الفصائل أو «النصرة» مقابل ترتيبات تعزز استقرار خط وقف إطلاق النار وعودة قوية لقوات الأمم المتحدة «يونيفل».
يعزز عدم إمكانية عرقلة عملية الجيش جنوباً من الكيان الصهيوني، التصريح الغامض الصادر من الكرملين أولاً ومن بعده المبعوث الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف حول ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية من سورية، وهو ما تقرؤه حكومة الاحتلال إشارة ليست كافية إلى المستشارين العسكريين الإيرانيين المنتشرين مع الجيش.
أما موقف الولايات المتحدة فلن يدور في فلك بعيد عن المدار الإسرائيلي في ظل تماهي الإدارة الأميركية مع المصالح الصهيونية، ولن تقف واشنطن في وجه عملية عسكرية في الجنوب إذا لم يشارك فيها هؤلاء المستشارون أو في حال لم تشارك وحدات من حزب اللـه اللبناني فيها، وهو أمر مرجح أن يحصل ولاسيما أن اتفاقات المصالحة الأخيرة رفدت الجيش بالقوة العسكرية البشرية المطلوبة ويكفي مشاركة الاستشارين الروس جنوباً.
وعن الموقف الأردني تبدو تفضيلات عمان ترجح كفة العمل العسكري للإسراع بفتح معبر نصيب الحدودي في ظل تأثر واضح للاقتصاد الأردني بإغلاق المعبر.
دولياً، مع الإشارة السورية إلى القبول بتشكيل لجنة دستورية تحدد دمشق ثلثي أعضائها يصار إلى وضعها تحت تصرف ماكينة «جنيف» فإن ذلك يبدو تجسيداً للإستراتيجية السورية المتبعة خلال كل سنوات الأزمة بالسير في منصات الحوار على وقع الإنجازات الميدانية، وتدرك دمشق أن هامش المناورة السياسية بات أكبر، فبعد حسم ملف «جيوب الداخل» باتت اليوم تحمل أوراقاً تفاوضية أقوى وستزيد قوة في حال استعادة جنوبي غربي سورية قبل الانطلاق بجولة جديدة في «جنيف»، كما أنها تتيح التفاوض لاحقاً أو التهديد باستخدام القوة لإنجاز ملفات المناطق الحدودية سواء شرق البلاد أو شمالها أو حتى ملف إدلب نفسه.
أما عن تكتيك عملية الجنوب فمن المتوقع ألا يكون بعيداً عن سيناريو ريف حمص الشمالي دون أن يشهد حرارة المعارك في غوطة دمشق الشرقية أو جنوب العاصمة، لأن الفصائل مبعثرة جنوباً ولا مفر أمامها من المصالحة في حال لم تفتح لها حدود مجاورة.