دستور من خاطر «جنيف» و«سوتشي».. بقلم: سامر علي ضاحي

دستور من خاطر «جنيف» و«سوتشي».. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ مايو ٢٠١٨

يخطئ من يعتقد أن النظام السياسي الحاكم لمقاليد السلطة في أي دولة يسلم بسهولة مفاتيح إدارته لكل من شاء أو يسمح لأي كان التدخل في شؤونه، بما في ذلك القوى المؤثرة داخل الدول والأحزاب المؤتلفة معه في السلطة، ففي عرف الأنظمة السياسية سواء كانت في الدول الغربية أم الشرقية أو حتى الدول التي يسمونها «النامية»، يسعى كل نظام سياسي ممسك بزمام السلطة إلى الانغلاق على ذاته ورفض الانفتاح على الآخرين، وهو ما نشهده بوضوح في المعتركات الانتخابية البرلمانية سواء في الأنظمة الرئاسية أو الجمهورية أم البرلمانية أو حتى الملكية الديمقراطية.
ويقوم كل متشبث بالسلطة، وهذا حق ديمقراطي مباح انتخابياً، على استثمار القواعد الناظمة لإدارة هذه السلطة التي تحددها الدساتير المعنية في كل بلد على اختلاف طبيعتها، وإلا ما كنا شهدنا كل هذه المعارك الانتخابية في ألمانيا وأميركا وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وكل الدول العالمية، طبعاً مع اختلاف درجات النزاهة التي تتمتع بها هذه الانتخابات أو تلك، لكن الأعم أن أي حزب سياسي هدفه الرئيس هو الوصول إلى السلطة ومن ثم الحكم وبعد ذلك التشبث بها حتى يأتي حزب آخر ويطيح به في معركة انتخابية أو انقلاب عسكري كما يحصل في بعض دول الجنوب.
من هنا، يمكن إسقاط الجانب النظري على الحالة السورية، مع الحديث المتصاعد عن اللجنة الدستورية، واختلاف الرؤى بين دمشق التي تؤكد أنها «لجنة تعديل الدستور الحالي» وبين الآخرين الذين يفضلون تسمية «اللجنة الدستورية» وما وراء ذلك من هدف وضع دستور جديد للبلاد.
في جوهر الموضوع لا يهم التعديل أو التجديد بقدر ما يهم التطبيق، وهو خلاف بين الدستور الحالي والسابق للجمهورية العربية السورية، حين شاب بعض الانحراف جوانب التطبيق، وحتى الدستور الحالي لم يطبق بشكل كامل من بعض مؤسسات الدولة، ولكن ما درجة استعداد دمشق للقبول بطروحات خارجية وهي التي تحقق انتصارات عسكرية متتالية وإن كانت بدعم الحلفاء والأصدقاء؟
في دستورنا الحالي تؤكد المادة الخمسون بعد المئة أن لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور، على أن يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.
وأناطت المادة بمجلس الشعب مهمة تشكيل لجنة خاصة لبحث المقترح فور ورود اقتراح التعديل إلى المجلس، وأوضحت أن على المجلس مناقشة المقترح الذي يتطلب قراره أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء المجلس ليصبح التعديل نهائياً كما اشترطت اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية.
ومن هذا المنطلق كيف سيتم تعديل الدستور الحالي وما مهام لجنة تعديل الدستور التي ستعمل في إطار مسار «جنيف»؟ وما شرعية وقوة قراراتها؟
أي اقتراح سيصدر من أروقة اللجنة في جنيف لا بد أن يرفع إلى الحكومة السورية وتحديداً إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب بموجب الدستور الحالي، ولا طريقة أخرى لطرح التعديلات، التي ستعود وتخضع لتشذيب وتعديل من اللجان المختصة في مجلس الشعب قبل عرضها على الجلسة العامة ومن ثم سيقوم المجلس ورئاسة الجمهورية بوضع رؤيتهما وتصورهما الخاص في المقترحات الجديدة، هذا إن اتفقوا في جنيف.
أما أي تعديل خارج هذه المنظومة فهو يتطلب تفعيل رئاسة الجمهورية للمادة 111 من الدستور الحالي التي أجازت لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب «بقرار معلل يصدر عنه» على أن تجري انتخابات مجلس جديد خلال 60 يوماً، وهذا المجلس الجديد سيكون بمنزلة هيئة تأسيسية ستضع في حسبانها المقترحات الواردة من جنيف لكنها مضطرة لسلوك الطريق السابق نفسه.
يضاف إلى ما سبق شرعية الأعضاء في لجنة تعديل الدستور، فإذا كانت الأسماء التي سلمتها دمشق لسفارتي روسيا وإيران تحظى بشرعية لكونها صادرة عن سلطة منتخبة، فما مصدر شرعية الأسماء المحسوبة على المعارضة؟ وما آلية اختيارها؟ أم ستكرر أزمة «الممثل الشرعي الوحيد» عندما اختار قرابة 500 شخص ما سموه المجلس الوطني في بداية الأزمة ومنح الغرب هذا المجلس شرف «ممثل وحيد»؟
كل التعقيدات السابقة تقود لفكرة جوهرية أن من غير المرجح أن تسمح دمشق بأي تدخل من شأنه أن يصيب بنيان الدستور الحالي، وهي المدعومة بانتصارات عسكرية على الأرض وعدم شرعية الطرف المقابل، ويمكن قراءة انخراطها في اللجنة وموافقتها عليها لدرء التهم عنها بالتعطيل.