التاريخ إذ يخبرنا بمصير ترامب.. بقلم: عاصم عبد الخالق

التاريخ إذ يخبرنا بمصير ترامب.. بقلم: عاصم عبد الخالق

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ يونيو ٢٠١٨

من نافذة التاريخ يمكن أن نطل على المستقبل لاستقراء ملامحه. قد تبدو المحاولة شاقة لكنها تستحق المجازفة، ولذلك قرر أن يخوضها واحد من كبار علماء السياسة الأمريكيين، أقلقه واقع بلاده، وشعر بالخوف من عواقب سياسات الرئيس دونالد ترامب.
تشارلز هيرمان، أستاذ السياسة الخارجية في جامعة تكساس، هو ذلك العالم الذي خاض تلك الرحلة الفكرية المرهقة، رغم سنوات عمره التي تناهز الثمانين. الهدف كان إصدار حكم واقعي على تجربة الرئيس الأمريكي ترامب، عند وضعها على مقياس التاريخ. 
نقطة البداية كانت سؤالاً بسيطاً هو: ماذا لو فشلت المغامرات السياسة للرئيس، وتحديداً قراراته الاستثنائية على صعيد السياسة الخارجية؟ 
يفعل ترامب أحياناً ما لم يفعله غيره ممن سبقوه، مثل اللقاء مع الزعيم الكوري الشمالي، وقراره بنقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المحتلة عاصمة ل«إسرائيل». لم يجرؤ رئيس قبله على القيام بذلك. وإذا أضفنا لهذا، قرارات أخرى كإلغاء اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي، وفرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية والكندية، تصبح لدينا صورة أوضح عن سياسة خارجية جديدة يقلب فيها ترامب الثوابت رأساً على عقب. 
التمرد على الماضي في حد ذاته ليس خطأ. ويحصي البروفيسور هيرمان أمثلة عديدة لتحولات استثنائية، أثارت معارضة في وقتها وثبتت صحتها. من ذلك قرار الرئيس السابق هاري ترومان، بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لتركيا واليونان ودول أخرى لحمايتها من المدّ الشيوعي عام 1947، وقتها قوبل بمعارضة داخلية ضارية بحجة انتهاك التقاليد الأمريكية بعدم مساعدة دول غير ديمقراطية؛ إلا أن ترومان مضى في طريقه ليقر ما أصبح معروفاً «بمبدأ ترومان»، وهو مساعدة أي دولة مادام ذلك في مصلحة أمريكا، وهي سياسة متبعة حتى الآن.
نقطة تحول أخرى أقدم عليها الرئيس جيمي كارتر، بعد ثلاثة عقود، عندما قرر إعادة قناة بنما إلى الدولة التي تحمل اسمها وتمتلكها قانوناً. تعرض كارتر لما يشبه الثورة وانتصر. 
والآن ينظر الأمريكيون إلى تبعية القناة إلى بنما، باعتباره أمراً طبيعياً.
المثال الثالث سجله بوش الأب، عندما وقف وحيداً مؤيداً لإعادة توحيد ألمانيا بعد سقوط سور برلين، ومتحدياً روسيا وأوروبا المرتجفتين من أشباح الماضي، حيث أشعلت ألمانيا حربين عالميتين، وأثبت التاريخ أن بوش كان على صواب.
يتوقف هيرمان أمام سؤال مهم هو: ماذا لو فشلت مثل تلك التحولات الاستثنائية أو أسفرت عن نتائج عكسية؟ الإجابة يرصدها من التاريخ وتقول، إن رد الفعل يكون خطيراً وربما مدمراً. مثال ذلك قرار كارتر باستخدام القوة العسكرية لتحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين في سفارة بلاده في طهران عام 1979. 
كانت أمامه بدائل أخرى مثل العقوبات أو الحصار البحري، لكنه اختار العمل العسكري الذي انتهى بكارثة، وكانت نتيجته السياسية سقوطه المدوي في الانتخابات.
يصل هيرمان إلى محطته الأخيرة حيث يقف ترامب، ولكي يصدر حكمه يحدد أولاً عاملين أساسيين، يساعدان الرؤساء على تصويب قراراتهم وتجنب السياسات الخاطئة؛ الأول هو وجود مستشارين أقوياء مستقلي التفكير. المثال الأوضح هو جون كيندي، الذي أدار بنجاح أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات بفضل مستشارين أخلصوا له النصح حتى لو اختلفوا معه. 
في حالة ترامب لا وجود لمثل هؤلاء المستشارين، فهو لا يحيط نفسه إلا بمن يوافقه فقط، أو ما يطلق عليهم هيرمان اسم «مستشاري نعم». 
العامل الآخر هو قدرة الرؤساء على القراءة الواقعية للحقائق على الأرض، والمرونة في الاستجابة السريعة لها. فعل ذلك رونالد ريجان، عندما سارع بسحب قواته من لبنان بعد تعرضها لهجوم قتل فيه 200 جندي عام 1983، وتجنب بذلك مزيداً من الخسائر. 
يشك البروفيسور الأمريكي في قدرة ترامب على تصويب أخطائه بنفس السرعة. ولذلك فهو يُنهي رحلته متشائماً باستخلاص نتيجة محددة هي: أن سياسات عدة لترامب ستفشل حتماً، ومحاولة إنقاذها ستزيد الأوضاع سوءاً وربما تلقي بأمريكا في طريق مهلك.