محاولة اغتيال مادورو: الإمبريالية الأمريكية مستمرة في عدوانها.. بقلم: السيد شبل

محاولة اغتيال مادورو: الإمبريالية الأمريكية مستمرة في عدوانها.. بقلم: السيد شبل

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ أغسطس ٢٠١٨

لا تنقطع المساعي الغربية لاغتيال أي قيادي وطني يسعى لتحرير بلاده من منظومة الهيمنة الغربية، وتوجيه الثروات لخدمة شعبه. من هذا الباب كانت محاولات اغتيال جمال عبد الناصر وفيديل كاسترو وأحمد سوكارنو ومعمر القذافي.. إلخ. في 5 أغسطس الجاري حاولت واشنطن اغتيال رئيس فنزويلا المقاوم: نيكولاس مادورو، ونفذت العملية أدوات في الداخل تدعمها "كولومبيا"، وهي الدولة التي وصفها هوجو شافيز يوماً بـ"إسرائيل أمريكا اللاتينية"، أي أنها تشبه الكيان الصهيوني في دوره كقاعدة عسكرية لخدمة المصالح الغربية. وقد تمت المحاولة عبر طائرات مفخخة بدون طيار هاجمت الرئيس الفنزويلي أثناء خطابه، وقد واجه مادورو المحاولة بثبات ورباطة جأش. والمؤكد أن محاولة الاغتيال إن لم تكن تستهدف تصفية حياة رئيس مقاوم، فإنها تستهدف تعميق الأزمة التي تمر بها فنزويلا، وإعطاء شعور عام بالاضطراب وعدم الأمان، وهذا الأمر بالضرورة يؤثر سلبًا على المسار الاقتصادي. المؤامرة: اقتصادية سياسية إعلامية مادورو رئيس مناهض لقوى النهب والهيمنة الأوروبية والأمريكية الشمالية، وهو وريث نهج "هوجو شافيز" في رفض الصهيونية وقطع العلاقات مع الكيان ودعم فلسطين، وقد كان حاضرًا باعتباره الرجل الثاني في النظام عندما كانت العاصمة الفنزويلية "كراكاس" تعلن رفضها للمؤامرة على ليبيا وسورية، وتدين بأشد العبارات الهجمة الغربية على وطننا العربي. ولهذه الأسباب السابقة، ولأن فنزويلا ترفض السياسات الاقتصادية النيوليبرالية مثل (الخصخصة، وخفض الدعم، ورفع القيود كلية عن السوق..) تتعرض لمؤامرة حقيقية لها شق اقتصادي يتمثل في: أ- تخفيض أسعار النفط، وللسعودية دور مركزي هنا، ب - إضعاف اقتصاد فنزويلا عامة عبر العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتكررة، ج - الاتصال مع العناصر المتآمرة والفاسدة بالداخل سواء في القطاع الخاص التابع أو في جهاز الدولة ذاته، والتي تأخرت الثورة البوليفارية -مع الأسف- عن إقصائها وتحجيم سلطاتها، وهذه العناصر وصل تآمرها إلى حد السعي لاختلاق أزمة جادة عبر اكتناز البضائع والسلع الغذائية أو تهريبها إلى جارة فنزويلا: كولومبيا، د - قيام الشركات الغربية الكبرى متعدية الحدود مثل "بيج فارما، وكولجيت، وجونسون آند جونسون، وبروكتر آند جاميل" بالتوقف عن تزويد البلاد بما تحتاجه من سلع, وتعتمد فنزويلا بدرجة ما على هذه الشركات، وهذا من نقاط ضعفها، هـ- تحريض وكالات التصنيف الدولية مثل "موديز" البريطانية لخفض تصنيف فنزويلا، وكتابة تقارير تسيء إليها، مما يصعب من فرص الاستثمار أو الاقتراض، و- المضاربة والعمل على تدمير سعر العملة وإشاعة الفوضى بالبلاد مما يدفع المواطنين والتجار للاستهانة بعملتهم الوطنية والسعي لاكتناز العملات الأجنبية. أما شق المؤامرة الثاني المتكامل مع ما سبق، فيتمثل في البعد السياسي/الإعلامي، حيث تلوح الإدارة الأمريكية من وقت لآخر بغزو البلاد عسكريًا، ولك أن تتخيل وضع بلد مهدد بين لحظة وأخرى بالقصف والغزو والتحطيم!، كما تقوم واشنطن بدعم وتمويل معارضة يمينية في الداخل، وهو أمر مستمر منذ سنوات، وكان انقلاب 2002 المدبر للإطاحة بشافيز أحد الشواهد عليه، وفي السنوات الأخيرة يتم دعم عصابات تخريبية طبقية وعنصرية مسلحة أو شبه، وهذه العصابات تقوم بإشعال النار في المباني الحكومية والمشافي وإلقاء القنابل على المحاكم وقطع الطرق والاعتداء على المواطنين حتى وصل الأمر إلى حد إحراق أحد الشباب من ذوي البشرة الداكنة!، وعندما يتصدى لها الأمن يتم تلطيخ سمعة النظام على الصعيد الإعلامي باعتباره "ديكتاتور" و"مستبد"، كما يتم ضخ تمويلات لعدد من المنظمات "الحقوقية" والتي تقوم بدور الجاسوسية وتجميل وجه المخربين، وعندما يعطل الأمن عملها لمصالح وطنية، يتم ملاحقة النظام بذات الاتهامات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفاتيكان وعدد من رجال الدين الكاثوليك يلعبون في هذا السياق دور سلبي داعم للمجهودات الغربية في شيطنة النظام وفي تقديم الغطاء للعصابات التخريبية بالداخل. أما الشق الثالث، وليس الأخير، للمؤامرة فهو الحصار والإزعاج من عدد من دول أمريكا الجنوبية وبحر الكاريبي التي شكلت مع كندا وبإدارة من الولايات المتحدة "تحالف ليما"، وهو تحالف يحمل اسم عاصمة بيرو، وتديره المخابرات الأمريكية، وهو يشبه تحالف عواصم الخليج مع أنقرة ضد سورية العربية، وهذا التحالف المكون من 14 دولة ويمارس الضغط باستمرار على فنزويلا ويحاصرها سياسيا ويفاقم من مشاكلها الاقتصادية، ويتشارك هذا التحالف مع مجموعة الدول السبع الصناعية (كندا والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا) رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية والتي فاز فيها نيكولاس مادورو، في خطوة تعكس حجم الاستبداد والعنجهية التي وصلت إلى حد رفض اختيار الشعب الفنزويلي، وكانت كندا قد منعت الفنزويلين على أرضها من التصويت في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية بمايو/آيار الماضي، في خطوة استبدادية صريحة تتعارض يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، وهو أمر يذكّر بما فعلته فرنسا وألمانيا حين منعتا سفارتي سورية من تنظيم مراكز الاقتراع في سياق الانتخابات الرئاسية السورية في يونيو/حزيران 2014. * ليوبولد لوبيز: نموذج للمعارضة اليمينية الملوّثة بالعمالة والتمويل وكانت المحاولات الأمريكية لإنتاج حدث ملون وتخريبي في فنزويلا تعتمد في وقت سابق على أشخاص معارضين مثل "ليوبولد لوبيز" الذي، بحسب ما يشير الكاتب "إبراهيم علوش" في مقاله بعنوان فنزويلا: “الربيع اللاتيني” في مواجهة المشروع البوليفاري، ((كان قد تلقى تمويلات من عدد من المنظمات الأمريكية على رأسها الوقف الأمريكي للديمقراطية "نيد"، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يوإس آيد"، ومن خلال أموال فساد تم تحويلها عن طريق والدته من شركة النفط الفنزويلية قبل أن يستعيد تشافيز السيطرة على تلك الشركة في العامين 2002-2003 بعد الإضراب العام الذي شاركت فيه كجزء من محاولة محاصرة تجربة تشافيز اقتصادياً، والذي انتهى بانقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة في “ربيع” العام 2002، هذا الانقلاب الذي اعترفت به الولايات المتحدة قبل أن يعيد الشعب والجيش تشافيز إلى سدة الحكم، لتعود بعدها وتدين الانقلاب الذي دعمته بعد فشله)). و"ليوبولد لوبيز" شخص فاسد ثبتت عليه اتهامات اختلاس المال العام ومحاباة الأقرباء عندما كان منتخبًا كرئيس لبلدية ضاحية “تشاكاو” التي يقطنها الأثرياء، إلا أن أنصاره ومعهم وسائل الإعلام الغربية ينكرون ذلك، ويعتبرونه "مانديلا فنزويلا"، كما تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل!!. وفي 2014 بدأت محاكمة "لوبيز" أمام المحاكم الفنزويلية في تهم تتعلق بدعم العصابات التخريبية التي دمرت المنشآت العامة وتسببت في إراقة دماء أبرياء ضمن أحداث فبراير من ذات العام، وانتهى الأمر إلى الحكم عليه في سبتمبر 2015 بـ 13 عام وتسعة أشهر سجن، إلا أنه خرج في يوليو 2017، وهو الآن قيد الإقامة الجبرية، وكثيرا ما يطلق الرئيس لأمريكي دونالد ترمب تصريحات داعمة له، في سياق تهديده للنظام الفنزويلي بالغزو العسكري أو مزيد من العقوبات الاقتصادية. ومما يستحق لفت النظر إليه هو أن "ليوبولد لوبيز" مدعوم من قريبه "ثور هالفرسون" الذي هو مؤسس منظمة لحقوق الإنسان (إتش آر إف) والتي مقرها "إمباير ستيت" في نيويورك، وتعتبر أحد أدوات "السي آي إيه" بالعالم، ويرأسها اليوم "غاري كاسباروف" المعارض الروسي الملوّث بخدمة المصالح الأمريكية، وبطل الشطرنج السابق، أما أول رئيس لها فكان "فاتسلاف هافل" الذي تولى رئاسة تشيكوسلوفاكيا بدعم أمريكي عبر الثورات المصنعة في أوروبا الشرقية بأواخر الثمانينيات، وأشرف على فك وحدة البلدين، فصار رئيسًا لتشيك وحدها من 93 وحتى 2003، وكان أداة لتوسيع حلف الناتو وتدمير حلف وارسو، وهذه المنظمة الحقوقية التي أسسها قريب "لوبيز" يدعمها جورج سورس، وكذلك بيتر ثيل أول مستثمر مالي في الفيس بوك، وعضو مجلس إدارته لليوم. * مادورو سائق الحافلة يتعرض لحلمة اغتيال السمعة: والإخوانج والنيوليبرال بخدمة واشنطن ومن المعلوم أن مادورو ولد في أسرة يسارية من الطبقة العاملة ووالده كان قياديا نقابيا، وأصوله مختلطة من السكان الأصليين لأمريكا "الهنود الحمر" ومن شمال أفريقيا/المغرب، وعندما بلغ سن العمل صار سائقًا للحافلات، ودعم هوجو شافيز في انتخابات 1998، ثم أصبح زعيمًا نقايبًا، ولاحقًا تولى رئاسة الجمعية الوطنية في البلاد، ثم تعيّن وزيرًا للخارجية من عام 2006، ونتيجة لإخلاصه للثورة البوليفارية صار المرشح الأبرز لخلافة الزعيم شافيز، وتولى منصب نائب الرئيس في 2012، وبعد ارتقاء شافيز في مارس 2013، صار رئيسا مؤقتا للبلاد إلى أن تم إجراء انتخابات حرّة في إبريل من ذات العام صوّت فيها الشعب لصالحه، وسط منافسة شرسة. ثم أعاد الشعب انتخابه من جديد في مايو الماضي/2018 رغم التآمر والتحريض الأمريكي. مادرور وصل للحكم بالانتخابات، وهو مدني وليس عسكري طبعًا.. لكن لأن واشنطن غاضبة عليه، يبذل الإعلام الخليجي (الجزيرة والعربية وسكاي نيوز) كل الجهد لشيطنته، وتتحوّل وسائل الإعلام إلى خنازير تقتات على فضلات وسائل الإعلام الغربية، ويتابع في ذات الأمر أغلب النخب النيوليبرالية والإخونجية، وعوضًا عن أن تراه مواقع التواصل نموذج للكفاح والارتقاء والمقاومة، صار نموذجًا لـ"الديكتاتورية والاستبداد"!!. والتجربة تلو الأخرى تثبت أن القضية بالنسبة لهذه النخب التي تعمل بأجر لصالح الناهب الأمريكي، لم تكن يومًا ضمن هذه الثنائيات مدني/عسكري، تصويت انتخابي/انقلاب ثوري، وإنما كانت وستظل محكومة بالمصلحة الأمريكية، فالإخونج والنيوليبرال تاريخيًا أيّدوا الانقلاب على الوحدة السورية في سبتمبر 1961، وأيّدوا جميع الانقلابات داخل قطر، وباركوا حديثا الانقلاب على روبرت موجابي في زيمبابوي، ودعموا الانقلاب الذي أعقب ثورة ملوّنة في أوكرانيا بـ 2014، وساندوا وهللوا للجيوش الغربية وهي تتدخل في وطننا العربي لتطيح بحكّام وتضع مكانهم، والمثالين الليبي والسوري لا زالا طازجين، والتهليل للناتو وللصواريخ الأمريكية وللطائرات الصهيونية لا زال مسموعًا!!. والحقيقة أن التعامل مع ما يجري ضمن هذا السياق باعتباره وجهات نظر هو فخ.. فهذه نخب تعمل بأجر، ويتم توجيهها خارجيًا.