الإرهاب... واللاجئون..بقلم: سمير العيطة

الإرهاب... واللاجئون..بقلم: سمير العيطة

تحليل وآراء

السبت، ١٦ يوليو ٢٠١٦

ضرب الإرهاب المشؤوم فرنسا من جديد، واستهدفها يوم عيدها الوطني وذكرى ثورة حريّاتها وإعلان حقوق الإنسان والمواطنة.

لماذا فرنسا بالتحديد؟
هذا الاستهداف بعيد عن موجة اللاجئين. ففرنسا هي من أقلّ الدول الأوروبيّة استقبالاً للاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم كمّاً وقياساً بدول أوروبية أخرى. الرابط المنطقي الوحيد هو أنّ فرنسا كانت أكبر مصدّر للمقاتلين من أوروبا نحو سوريا والعراق، بالتوازي مع أعداد أولئك الذين ذهبوا من تونس والمغرب. المنخرطون في مساعدة اللاجئين السوريين إلى فرنسا يعرفون، وتعرف أجهزة الأمن الفرنسيّة، عن محاولات قام بها فرنسيون غالبيتهم من أبناء الضواحي المهمَلة ومن أصولٍ مغاربيّة، لتجنيد بعض هؤلاء اللاجئين بحجّة دعم الثورة السوريّة. الأمر مجرّد حجّة، فتلك الدعوة لا تمتّ بصلة لا للحريّة ولا للمساواة في المواطنة.
الحاضنة الاجتماعيّة للإرهاب العابر للدول هي دوماً محليّة، ويمكن التغوّل كثيراً في نقاش خلفيّاتها الخاصّة بفرنسا الاجتماعيّة والسياسيّة، كما في ما يخصّ تونس والمغرب.

لكن لماذا فرنسا الآن؟
الإرهاب بطبيعته جريمة سياسيّة تستهدف رأياً عاماً وموازين قوى من خلال رمزيّة الاعتداء. وملحوظٌ أنّ الفوضى الإرهابيّة التي تتّخذ من سوريا والعراق قاعدة لها تضرب اليوم أكثر من السابق تركيا ولبنان والأردن. المطار الدوليّ في اسطنبول وبالتالي شريان التواصل الدولي والسياحة للبلد... وأجهزة الأمن في الأردن. الرسالتان الرمزيتّان واضحتان.
أمّا في لبنان، فقد تبدو الرسائل الرمزيّة للإرهاب أقلّ وضوحاً، لأنّه لم يستهدف لا مؤسسات حكوميّة ولا الجيش اللبنانيّ ولا مناطق شيعيّة ولا معلم له علاقة بالسياحة وبزيارة المغتربين الصيفيّة.
ربّما تجب قراءة رسالة الإرهابيين من ردود الأفعال التي جرت عليها. منع تجوّلٍ تفرضها بلديّات محليّة على اللاجئين السوريين، وإيقافٌ مهين لهم من قبل عناصر شرطة محليّة أبرزت الصحف المحليّة توصيفه. ومن ثمّ ارتفاع أبواقٍ لإعادة اللاجئين إلى سوريا، أو لوضعهم في مخيّمات مغلقة. وهبّة لدى مسيحيي لبنان تخوّفاً من توطين لاجئين أغلبيّتهم مسلمون سنّة.
هكذا أخرج الاعتداء الإرهابيّ لبنان من أفضل ما عرفه في السنوات الأخيرة. لقد هزّ ذلك الاعتداء المناخ الشعبيّ الذي واجه أمراء الطوائف والزعامات التقليديّة خلال معركة الانتخابات البلديّة للنهوض من خلال نضالات المجتمع المدنيّ ومن أجل دولة المواطنة. مناخ غير مسبوق برغم خسارة هذه المعركة الانتخابيّة إجمالاً. وشوّش الاعتداء من ناحية أخرى صورة الاستقبال، الاستثنائيّ بكلّ المعايير الإنسانيّة والدوليّة، الذي قام به المجتمع اللبنانيّ برغم تنوّع ولاءاته، ومن ضمنه البلديات المحليّة، لأعدادٍ كبيرة من اللاجئين السوريين مع غيابٍ شبه كامل لدور الدولة.
في المقابل، عاد أمراء الطوائف وعادت الزعامات المحليّة إلى الواجهة من خلال خطاب التخويف والتجييش الطائفيّ وإلقاء اللوم على اللاجئين والانتقام من الوجود العسكريّ السوريّ السابق في لبنان. وتنطّح العائدون للواجهة لحفظ الأمن باسم «مصلحة اللبنانيين» ولتهميش، إن لم يكن إبعاد، الجيش اللبنانيّ وقوى الأمن، أي بالضبط رمز ما بقي يوحّد اللبنانيين.
ربّما استهدف الإرهاب بالتحديد ضرب التواصل بين اللبنانيين واللاجئين، وبين اللبنانيين أنفسهم، على الصعيد المحلّي، وخلقَ مسلسلٍ من انتهاك الكرامة والتشنّج قد يفجّر الأوضاع في هذا البلد، ويُبعد الأطراف الاجتماعيّة والسياسيّة عن معالجة التحديات المعيشيّة الملحّة للاجئين كما للمجتمعات المضيفة.
وبالمثل، ربّما استهدف الاعتداء الأخير في مدينة نيس الوحدة الوطنية وضرب إسفينٍ بين الفرنسيين ذوي الأصول المغاربيّة والآخرين، خالقاً مزيداً من التشنّج عبر وصف المسؤولين الفرنسيين للإرهاب بأنّه «إسلاميّ»، ومزيداً من الاحتقان قد يجرّ البلاد نحو «حربٍ أهليّة».
في كل الحالات، يشكّل الإرهاب بصيغه الحاليّة اختباراً حقيقيّاً لعمق الترابط الاجتماعيّ ولثقة المجتمع بالدولة، وفي المقابل لقدرة الدولة على أن تكون ناظماً لجميع السكّان، مواطنين وغير مواطنين.