اللهم أمتني على دين الإخوان.. بقلم: عباس زكي

اللهم أمتني على دين الإخوان.. بقلم: عباس زكي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ يوليو ٢٠١٦

بيروت برس -
في إحدى نشرات الموجز العربي السرية -أصبحت متاحة الآن- وكان يرأس تحريرها الضابط الإنجليزي المعروف بـ"لورانس العرب"، التي كان يصدرها المكتب العربي بالقاهرة، والذي أنشأته بريطانيا لصناعة ما عُرف تاريخيًا باسم الثورة العربية الكبرى والإشراف عليها، جاءت الخلاصة التالية "سيكون من الصعب ابقاؤهم -قبائل الثورة العربية -سويةً لأي فترة من الزمن ما لم تكن الدفعات والجرايات مغرية"، وما زالت هذه الخلاصة صالحة للتطبيق حتى اليوم على قبائل ما يسمى بـ"الثورة" السورية حين نتصدى لتحليل الاقتتال الدموي بين تلك القبائل، فهو صراع على الدفعات والجرايات تحت مسمى الغنائم أو صراع على النفوذ لاستحصال أكبر قدرٍ ممكن منها، طبعًا إلى جانب دوافع أخرى كالصراع بين أجهزة المخابرات الدولية والاقليمية. وبما أن لكل قاعدة استثناء، فإنّ هذه القاعدة أيضًا تمتلك بعض استثناء، ففي عصر لورانس لم تكن عشيرة حسن البنا قد رأت النور بعد، وإلا لرأى فيها لورانس ومن خلفه بريطانيا قدرة هائلة على التوحد والاتحاد بغض النظر عن القضية، أحقًا واضحًا كانت أم باطلًا محض، المهم أن يكون الفاعل من العشيرة الإخوانية حتى يصبح بطلًا مغوارًا أو المفعول به منهم حتى يصبح بمظلومية أهل البيت بل أشد.
مصطلح العشيرة ليس ابتداعًا للافتئات عليهم، إنما هو المصطلح الأثير على قلب الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي الذي كان دائم الترديد له مع صيغة الملكية "عشيرتي"، وقد تابعت الإعلام الإخواني في ردة فعله على فشل الإنقلاب في تركيا، وخرجت باستنتاج واحد، وهو أن كل من تفاعل مع الانقلاب ولو بطرف عين دون حتى أن ينبس ببنت شفة فهو محارب لله ودينه ورسله، وكل المحللين السياسيين للإخوان تحولوا إلى رجال دين وحفظة لكتاب الله وخصوصًا لكل آيات المنافقين والمرتدين وقاموا بإسقاطها على أولئك الكفرة الفجرة، فيقول مثلًا الشيخ القرضاوي "إنّ الانقلاب حرام شرعًا ومن الكبائر". وأجمع التيار الإخواني كابرًا عن كابر بأنّ أردوغان هو الإسلام والإسلام هو أردوغان، وأن الإنقلاب كان يستهدف الإسلام وكسر شأفته، فيقول الشيخ وجدي غنيم مثلًا "أن من نزل الشارع تلبيةً لأمر الرئيس أردوغان لمواجهة الدبابات قد نزل لحماية الإسلام أولًا"، وحين استمعت لنفس الشيخ وهو يتحدث عن دلائله على الربط بين استهداف أردوغان واستهداف الإسلام، كانت أنه يصلي وامرأته محجبة، وتخيلت لو كانت زوجة الرئيس الأسد محجبة هل كان سيشفع إليه لدى قلوبهم وألسنتهم، قطعًا لا، فهو ليس إخوانيًا، ولو كانت امرأته بنت ابن تيمية ذاته، وحتى لو ساندهم في أي محنة سيظل كافرًا، كما قال وجدي غنيم "حتى العلمانيين الكفار رفضوا الانقلاب".
وكذلك قال الكاتب مصطفى الصواف حين سؤاله عن أسباب وقوف بعض العرب مع الانقلاب، قال "إن الأمر ليس معقدًا، فمن كان مع الإسلام كان مع أردوغان ومن كان ضده كان ضد أردوغان"، وحين سؤاله عن تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" قال "هذه العقلانية بعينها والحكمة ذاتها، حيث كانت هناك إرهاصات تململ داخلي أراد أردوغان إزاحة ثقل الملفات الخارجية للتفرغ للملف الداخلي"، ولو كان أردوغان ليس إخوانيًا لما شفع لخطوته التطبيعية مع "إسرائيل" من شافع، ولما كفاه ماء البحر للتطهر من الرجس في نظرهم. ولو نجح الانقلاب وقام الانقلابيون كما أعلنوا في بيانهم اليتيم بالحفاظ على الاتفاقيات والتزامات تركيا الدولية، كنا سنسمع عن خيانة الانقلابيين وتطبيعهم مع العدو وأن "إسرائيل" هي من تقف خلفهم، ولا يوجد لديهم أي عقلانية أو حكمة. ولنا أن نتخيل أن تقوم إيران بهذه الخطوة التطبيعية أو سوريا أو حزب الله، فهل سنسمع عن التعقل والحكمة والملفات الداخلية أم سنسمع عن التكفير والتخوين واللعن واجترار تاريخ أبله منذ ابن العلقمي. ولكن أردوغان ليس شخصًا أبلهًا فهو خبير بلغة القطيع، فقال في خطابه بالأمس "صليت اليوم في مسجد السلطان أحمد وكان هناك زوايا فارغة في المسجد وأطلب منكم ملأها"، فاشتعلت الجماهير تكبيرًا وتهليلًا، دون أن يهمها أين سيقضى سهرته حتى لو في مهاتفة نتن ياهو، وحتى لو اهتموا وعلموا فسيعيدون عليك سيرة صلح الحديبية.
وهو على أسرة إحدى المستشفيات، قال القيادي الإخواني صبحي صالح "اللهم أمتني على دين الإخوان"، وهذه ليس زلة لسان ولا هجر ما قبل الموت، إنما هي قناعة راسخة بقدسية العقيدة، وأنت سُتسأل عن الرجل الذي بُعث فيكم حسن البنا لا عن محمد بن عبدالله، وعن الميثاق الإخواني لا عن القرآن، وقد يكون هذا تفسير تجرئهم على إسقاط آيات الكفر والنفاق والردة على من خالفهم، فهو كتاب قابل للتأويل حسبما تقتضيه المصلحة السياسية، وذلك بعكس الالتزام الحديدي باللوائح الاخوانية الداخلية، فهم كمن يضع العربة أمام الحصان، يقدّرون المصلحة الإخوانية ثم يبحثون لها عن نص تأويلي، ولا يبحثون عن مصلحة النص، فالقاعدة الشرعية "أينما تكون مصلحة المسلم فثمة شرع الله"، وهل من مسلمين سواهم، وهذا فكر داعشي بحت، الفرق الوحيد أن الإخوان يستترون بالوسطية وربطات العنق. فدين الإخوان أهداف حسن البنا بالدعوة والتمكين ثم أستاذية العالم، وكل اصطفافاتهم من محاربة أو سلم تدور خلف هذه الغاية، دون الأخذ بعين الاعتبار نبل الوسائل أو وضاعتها، حتى فلسطين بكل رمزيتها ومركزيتها سخرتها حماس لخدمة المشروع الإخواني، وعلى حماس أن تفكر في البدائل في حين قررت أمريكا التخلي عن إخوان الناتو في تركيا، رغم أنّ هذا مستبعد لأنّ الأهم هو الموت على دين الإخوان.