قراءة في كتاب لوبون غوستاف..روح الثورات والثورة الفرنسية (1).. بقلم: كميل العيد

قراءة في كتاب لوبون غوستاف..روح الثورات والثورة الفرنسية (1).. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣ أغسطس ٢٠١٦

يهمل الكثير من المثقفين والكتّاب العرب على مختلف مشاربهم قراءة الكتب الثقافية والسياسية والتاريخية بحجة أنها تعبِّر عن ماضٍ ولَّى، ويعتمد هؤلاء الكتّاب في قراءتهم للأحداث وفي تحليلها على الصحف والمواقع الإلكترونية والمقالات المختلفة التي تنتشر على الشبكة العنكبوتية لكونها تُعبِّر عن الحاضر وترصد تسارع الأحداث. ويتجاهل هؤلاء المثقفون بأنه ورغم أن الكتب تعبر عن أحداث قديمة سرداً وتحليلاً وربما تشويهاً ولكنها في الوقت نفسه تهيئ للمستقبل بعكس الصحف والمواقع الإخبارية التي تتناول الحاضر بمعزل عن الماضي وبعيداً عن السيكولوجيا وتأثير التغيير الحاصل في طبائع البشر عند حصول الأحداث الكبيرة.
ومن الكتب التي أرى أنه واجب على كل مثقف عربي أن يقرأها كتاب "" روح الثورات والثورة الفرنسية "" للفيلسوف الفرنسي لوبون غوستاف وهذا الكتاب عبارة عن مادة فكرية وتاريخية وفلسفية دسمة لا بد أن تؤثر في نفسية قارئه خاصة عندما يكشف الكاتب عن أوهام رجال الثورة الفرنسية المتعلقة بإمكانية فصل الأمم عن ماضيها، وإمكانية إجراء تحويلات ضمن المجتمع من خلال القوانين بغض النظر عن التربية السائدة حيث دفع الفرنسيون أثماناً باهظة لهذه الأغاليط التي تشربتها الثورة.
 في كتابه روح الثورات يردُّ الكاتب على اعتقاد الكثير من رجال السياسة أنه لولا الثورة الفرنسية لكانوا ما زالوا إجراء عند الأمراء الإقطاعيين، ويقول: إن الثمرة التي حصلنا عليها بعد القيام بالكثير من أعمال التخريب كان من الممكن نيلها مع سير الحضارة بلا عناء. ورغم أن أوليفيه خالفه الرأي عندما قال "" هل يأسف على وقوع الثورة الفرنسية من لا يريد أن يكون مسخَّراً لصيد الضفادع في الغُدران لكيلا تقلق الأمير الإقطاعي في نومه؟ وهل يحزن على نشوبها من لا يريد أن يسجن في الباستيل لوَلع رجل من بطانة الملك بزوجته أو لانتقاده أحدُ الوجوه؟ ثم يقول: أشكر، وأنا من الطبقة الوسطى، أولئك الذين أنقذوني، بعد عناء شديد، من هذه القيود التي لولاهم لظلت تقيدني، وأهنئهم على الرغم من زلاتهم."" ومنطق أوليفيه الخطابي هذا انتحاري وبعيد عن حسابات الربح والخسارة، ولوبون غوستاف أثبت ومن خلال الدراسة العميقة بأن الثورات باستثناء الثورات العلمية ستؤدي للخراب والدمار وأن المكاسب الممكن تحقيقها من خلال الاضطرابات والثورات وأعمال التخريب وفقدان البوصلة يمكن تحقيقها بتكاليف أقل وبعيداً عن أعمال التخريب والتدمير والتهييج التي تتسبب بها الثورات، ولا سيما أن منطق الجماعات، لا المنطق العقلي هو الذي يسود داخل المجالس الثورية.
 إن القراءة المتأنية لهذا الكتاب وبغض النظر إن كنَّا راضين أم لا على النتيجة التي توصل إليها الكاتب ستساهم في تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة المعششة في رؤوسنا والتي لا بد لنا من التخلص منها بأقل الخسائر الممكنة. لذلك سأتناول في هذا المقال وفي المقالات القادمة كافة فصول هذا الكتاب وانطباعاتي بعد إسقاطها على الواقع الذي نعيشه.
ففي الفصل الأول من الباب الأول يتحدث الكاتب عن الثورات العلمية والتي سأختم فيها هذه المقالة كما ويتحدث في نفس الفصل عن الثورات السياسية والتي ستكون موضوع المقالة القادمة. فالثورات العلمية والتي برأي الكاتب يجدر أن تدعى بالتطور لبطء وقوعها، ثم يتدرك ليعترف ويقول: إنه يوجد من نوعها ثورات تقع بسرعة وتستحقُّ أن تدعى بالثورات، مثال ذلك آراءُ داروين التي قلبت علم الحياة في بضع سنين رأساً على عقب، واكتشافات پاستور التي حولت علم الطب في أيام صاحبها، والرأي في انحلال المادة الذي أثبت أن الذرة لا تشذ عن السنن القاضية على جميع عناصر الكون بالزوال والفناء خلافًا لما كان يُظنُّ, وأضيف لذلك ثورة الاتصالات والمعلومات والتي حولت الكرة الأرضية لقرية لجهة سرعة نقل المعلومات والأخبار والعلوم، وبما أن مجال هذه الثورات هو عالَم الأفكار، فإنه ليس للمشاعر والمعتقدات سلطانٌ عليها، لذلك أرى أن كل محاولة لربط الثورات العلمية بمعتقد معين أو محاولة إيقافها لعلة فتوى أو وجهة نظر غير علمية هو من قبيل وضع العربة أمام الحصان لا وراءه، وهي من قبيل المحافظة على المجتمع متخلفاً ومتراجعاً عن المجتمعات البشرية الأخرى. (يتبع )

هامش 1: إن الثمرة التي حصلنا عليها بعد القيام بالكثير من أعمال التخريب سنحصل عليها مع سير الحضارة من دون عناء.

هامش 2: المكاسب الممكن تحقيقها من خلال الاضطرابات.. يمكن تحقيقها بتكاليف أقل وبعيداً عن أعمال التخريب والتدمير والتهييج التي تتسبب بها الثورات.