بانتظار الرصاصة الأخيرة في حلب: هل حقاً أننا نواجه مجرد عصاباتٍ إرهابية؟

بانتظار الرصاصة الأخيرة في حلب: هل حقاً أننا نواجه مجرد عصاباتٍ إرهابية؟

تحليل وآراء

الأحد، ٧ أغسطس ٢٠١٦

 في الأسبوع الماضي، قُلنا إن الأميركي لن يسكتَ على صفعةِ «الكاستيلو» وحصار الإرهابيين في الأحياء الشرقية لمدينة حلب. أسبوع شهدت فيهِ حلب أعنفَ المعارك على امتدادِ الجغرافية السورية، القصة ليست محاولةَ فكِّ الحصار عن الأحياء الشرقية كما يدّعون، القصة هي حلب «نكون أو لا نكون»، لن ينفع معها تفاهمات أميركية روسية ولا غير ذلك، فما الجديد؟
منذ إخفاق الانقلاب في تركيا دأب بعض التحليلات على القول إن الروس هم من أفشلوا الانقلاب، بعضهم ذهب أبعدَ من ذلك بالحديث أن إيران وروسيا يفضِّلان بقاء «أردوغان» على وصول الانقلابيين، هم صدقوا بالتوصيف وهذا بدا واضحاً في سياق التصريحات الإيرانية الروسية المتعلقة بالانقلاب، لكن معظم التحليلات راوغت -إن جاز التعبير- في طرحِ الأسباب تحديداً بما يتعلق بالشأن الإيراني. القصة لا علاقة لها أبداً بأن «أردوغان» أفضل من الانقلابيين لأن الانقلابيين بالنهاية هم ألعوبة بيد الناتو، فهل يريدنا هؤلاء أن نصدق أن «أردوغان» هو رمز للاستقلالية! القصة مرتبطة برغبةٍ إيرانيةٍ باستمرار حكومة ذات مرجعية مذهبية في تركيا، يسحب مستقبلاً البساط من تحت «آل سعود»، ليشكلا معاً جناحين قادرين على أن يسحبا الحطب من موقد السعار الطائفي في المنطقة. بغض النظر إن اتفقنا أو اختلفنا مع هذا التوجه، لكن هذا لا علاقة له أبداً بالوصول بالإيرانيين والروس لنقطة «إفشال انقلاب»، وهذا الكلام إن صدقَ فهو بواقعيةٍ تامة يمكننا اعتباره «خطأً إستراتيجياً»، لا يمكنني على الأقل على المستوى الشخصي أن أسوِّغ له، لكن ماذا لو نجحت محاولة استمالة «أردوغان» فعلياً؟
يرى البعض أن لقاء بوتين أردوغان سيحدد كثيراً مستقبل المعارك في حلب، وخرائط السيطرة، لكنه لم يشرحوا لنا حتى الآن هل هذا المستقبل سيكون انطلاقاً من «تكويعةٍ أردوغانيةٍ»؟ لأننا عندها سنسألهم إذاً: ولماذا بدأت المعارك أساساً في حلب إذا كان «أردوغان» كما يتوهمون سينقل البارودة من كتفٍ إلى كتف؟ أما إذا كان هذا المستقبل سيرسمه الرجلان من خلال الاعتراف بوجود «العدالة والتنمية» وما يمثله من حركات إرهابية متأسلمة على الأرض السورية كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه، عندها سنسأل هؤلاء إذاً: ما الفائدة من إنقاذ «أردوغان» من الانقلاب كما تروجون؟ هذان التناقضان يقودان نحو احتمالٍ وحيدٍ أن هذا اللقاء لا يعدو كونه لقاءَ مجاملةٍ لا أكثر، ولن يخرج بأي نتائجَ ملموسة أكثر من امتناع «أردوغان» عن ارتشاف الفودكا الروسية؛ ليست لأنها حرام و«العياذ بالله»، بل لأنه باتَ مشبعاً بالدماء السورية، واللقاء سيثبت بأن المعركة ليست مع الأتراك، الأتراك وسيلةٌ لا أكثر، وليس خير دليل على ذلك إلا التكتيكات المتبعة في معارك ريف حلب الجنوبي، فكيف ذلك؟
لم يكن غريباً أن يشترك أكثر من عشرين فصيلاً في معركة اقتحام حلب، هذا الاتحاد بين هذه الفصائل يعطينا صورةً أكثر وضوحاً بأن هناك «اتحاداً» بين الدول والمشيخات الداعمة لكل هذه الفصائل الإرهابية لتوحيد الجهود رغم اختلاف التوجهات بشكلٍ جذري نظراً لأهمية المعركة.
كذلك الأمر لم يكن غريباً إطلاق اسم المجرم «إبراهيم اليوسف» على هذه الحملة؛ هذا الأمر لا علاقة له فقط برمزية مذبحة المدفعية التي ارتكبها الإخوان المجرمون، لكن له علاقة أيضاً بالشحن الطائفي الذي بدأه الإعلام المساند للمجاميع الإرهابية، فمِن عرضِ الحوريات الذي قدمه المجرم «المحيسني» إلى باقي الشعارات الطائفية التي لم تعد خافيةً على أحد، أما الحرب الإعلامية فكانت لا تقل تكتيكاً عن المسار العسكري المرسوم بعنايةٍ من وصول الانتحاريين إلى استخدام الصواريخ المضادة للدروع. هذه الدقة في العملية تقودنا لنقطةٍ أساسية:
أننا لا نواجه في حلب فصائل إرهابية، إنه الناتو بعدِّه وعديدِه زحفَ حيث يعلم أن ساعات الحسم في الحرب على سورية اقتربت.
في المعلومات؛ أن اتحاد الفصائل الإرهابية تخلخلَ بعد ظهر يوم الجمعة بعد تبادل الاتهامات عن أسباب إخفاق الإرهابيين بالهجوم الذي تم يوم الجمعة، هذا إضافة للتململ من الخسائر البشرية الكبيرة التي تلقتها العصابات المهاجمة، لكن تدخل الرعاة عاد ووحد الجهود لجماعاتها الإرهابية فعاودوا الكرة صباح السبت، وحتى ساعة كتابة هذه السطور كانت المعارك كراً وفراً، تحديداً أننا كأشخاص أدينا يوماً شرف الخدمة الإلزامية نعلم أن المنشآت التعليمية العسكرية ذات مساحاتٍ شاسعة، وخريطة السيطرة على نقاطٍ ما هنا أو هناك على محاور الكليات العسكرية تتبدل بين الساعة والثانية، حيث نجح الإرهابيون بالسيطرة على بعض النقاط، لكن الجيش العربي السوري لا يبدو أنه بوارد السماح لهم بالتثبيت أياً كانت العواقب، فالمعركة أطول مما يتصور البعض لأنها المعركة الأخيرة، وهي ليست كما يروج البعض بأنها أتت في إطار التفاهمات الروسية الأميركية وإرسال المجاميع الإرهابية لتنتحر على أسوار حلب، إنها معركة الناتو البرية الأخيرة قبل الدخول الجدي في المفاوضات. إذاً لا تفاهمات ولا حتى اتفاقات، الجميع سيزج في المعركة بكل الإمكانات، أما من الناحية العسكرية فليس هناك من يدفع العصابات الإرهابية للانتحار على أسوار حلب، الأدق أن هناك من يبني أحلامه على كسر أسوار حلب، حتى الجيش العربي السوري إذا ما تمكن من الصمود أطول فترة ممكنة -وهو سيصمد- فإنه سيتمكن من سحب الإرهابيين من حديقة أمانهم في إدلب باتجاهِ حلب، وهو بهذه الحالة سيكسب أمرين: الأول هو تفريغ جبهة إدلب واستنزافها تمهيداً لمعركة حصار إدلب وليس تحريرها، على طريقة الأحياء الشرقية في حلب، مع التأكيد أن هذه المعركة ستنطلق من ريف اللاذقية الشمالي، أما النقطة الثانية فهي إجبار المسلحين في الأحياء الشرقية لحلب على تسليم السلاح بعد أن يصلوا إلى مرحلة اليأس من إمكانية إنقاذهم، هذان التكتيكان سيطبعان مسار العمليات العسكرية في حلب وستكون العين عليها في الأسابيع القليلة القادمة.
أما تهديدات الأميركيين بفتح جبهة الجنوب فهي لا تبدو ذات أهمية، لأنها لن تغير في مسار العمليات شيئاً، بمعنى آخر: إن الجيش لا يمكن استنزافه في درعا لأن القوات في الجبهة الجنوبية جاهزةٌ وفتح المعركة لا يعني قيام الجيش بنقل عناصره للجبهة الجنوبية للمؤازرة، هذا الأمر ليس منطقياً. أما النقطة الأهم فهي أن فتح معركة الجنوب بطريقةٍ تُظهر فيها وكأنه زحفٌ أطلسي جديد من جهةٍ جديدة سيكون له عواقب كثيرة ليس إسرائيل فقط من لا يتحملها، لكن الولايات المتحدة أيضاً بوجود إدارة شبه منتهية الصلاحية، وعليه هل سيكون الحل السياسي أقرب مما نتصور؟
باختصارٍ، يمكننا القول إن المعارك في حلب وإدلب ستفرضان الحل السياسي، وليس الحل السياسي من سيوقف المعارك في هاتين المدينتين، أما النتائج فهي لن تحتاج إلى تفكير، فهل يصدق أحد أننا دفعنا كل هؤلاء الشهداء ليصبح «المحيسني» رئيساً لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟ إنها حركة التاريخ دققوا فيها جيداً، ففي ثمانينيات القرن الماضي عندما جمع المجرم «إبراهيم اليوسف» من يريد قتلهم في ندوة كلية المدفعية، هناك زملاء لهم رفضوا الخروج، بل استشهدوا معهم واتحدت دماؤهم في الوقت الذي ظن المجرم بأن إجرامه سيفصل بينهم. اليوم وبعد كل هذا التحريض دققوا بأسماء الشهداء لتجدوا أن ابن أريحا وجبل الزاوية والرقة وحلب والساحل استشهدوا معاً وهم يدافعون عن حلب. هذه الجزئية يجب ألا تمر مرور الكرام ويجب علينا ألا نخجل من إيرادها والحديث عنها علناً؛ ليس في الأمر ما يُخجل عندما نقوم بالرد على دعوات التحريض المذهبية بثوابت وشواهد عملية أن السوري الحقيقي آخر ما يعنيه أن يكون رقماً في معركةٍ مذهبية، وآخر ما يعنيه أن يكون جزءاً من قطيع طائفي يقودهم «وهابي» أو «تركستاني» يبثون سموم الفتنة وهم يختبئون كالجرذان في المخابئ تاركين قطيعهم يلاقون مصيرهم. وطنٌ كهذا يمرض لكنه لا يسقط…. فالنصر في حلب قرارٌ وليس خياراً… ثقوا بذلك.