حرب أهلية في أميركا..بقلم : وائل عبد الفتاح

حرب أهلية في أميركا..بقلم : وائل عبد الفتاح

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ أغسطس ٢٠١٦

 ١ ـ
«...نريد أن نرى الحادثة»
هذا هو منطق الميديا في الرد على سؤال حملة هيلاري كلينتون: «لماذا تهتمون بكل ما يقوله دونالد ترامب..»
ترامب يصعد في المنافسة كما لم يتوقع أهل المنطق، هو «كائن ولد في الميديا» وبعد أن ضجر الناس من نخبة السياسة الأميركية بتنوعاتها، جاء من يدخل السياسة من بوابة «الترفية / التسلية».
صنعت الميديا ترامب من فتافيت الخطابات الديماغوجية، التي عاشت بعد الستينيات في مكامنها المهجورة داخل المجتمع الأميركي، وتخرج الان بعد تهاوي الخطابات المتنافسة، الى قمة الجدل السياسي في أعنف انتخابات لا يختار فيها الناخب الأميركي رئيساً، بل بين النظام ونقيضه الخارج منه.
ترامب هو «الحادثة» التي ستقع بعد قليل، ويسعى الجميع الى سبق الفرجة عليها.
ترامب هو «لاوعي» النظام الذي يحكم أميركا، بعد أن تحوّل إلى «وحش» قادم ليفضح «فساد» النخبة التي تمثلها هيلاري كما لم يكن أوباما تماماً... وهذا امر اكثر تراجيدية من الحبكة التقليدية حيث يقود الملل من حكم الديموقراطيين الى مرشح جمهوري من اجل التغيير.
هي معركة بدأت بين هيلاري ابنة «المجال السياسي career politician» وترامب القادم من خارجه...لتصل الى حدود «الحرب الاهلية» بين «قومية بيضاء» تريد اميركا نقية للاقوياء / الاغنياء / البيض... واميركا الخائفة على وجودها.
ـ 2 ـ
هيلاري لم تقد سيارة منذ العام 1996. هي ساكنة مكاتب كبيرة، لا تعرف الحياة، وبدت في لحظة اقتراب ترامب، انها «مرشح الضرورة» لكنها لم تكن نجمة «المؤتمر العاطفي» في فيلادلفيا.
مؤتمر الحزب الديموقراطي صنع «حالة عاطفية وسياسية» قائمة كلها على الخوف من ترامب، ولولا ذلك لبدت هيلاري التي لم تلمس الحياة منذ ان دخلت البيت الابيض مع زوجها، مجرد مرشحة باهتة، تدافع عن مؤسسات تضمن البقاء في المجال والمكتب الكبير.
بيرني ساندرز هو «بطل» تلك اللحظات التي حاول فيها الديموقراطيون ان يواجهوا شبح دونالد ترامب، الذي بدا ان الجميع في انتظاره ككارثة محققة.
بيرني هو الفرصة التي يعتبرها كثيرون «ضائعة»، ويبكي على فشله الاف الشباب (يرونه إلها كسر كهنوت الدائرة المغلقة في معابد السياسية الاميركية)، اختار ان يكون «نبيلا» من دعاة «الاصطفاف» في مواجهة «الوحش الفضائي» القادم ليدمر اميركا «الطيبة..».
تغيرت هيلاري كثيرا في المعركة، ليس بتحولها الى ذلك العنف العاطفي المحبب لجماهير يبحثون فيها عن «روح مقاتلة»، ولكن لأن صعود بيرني في مراحل الترشح الاولى دفعها الى التخلي عن موقعها التقليدي في الدفاع عن «مصالح المؤسسات»... وتسرب الى خطابها المحافظ كلاما «ثوريا» عن حقوق العمال والطلاب والاقليات... وزينت به خطابها المعتمد الذي استدعت فيه الجيش والشرطة على رأس مؤسسات النظام الاميركي الذي كان جمهور بيرني يريد «تغييره» تحت شعارات «كفاية يعني كفاية»enough is enough».
فشل بيرني في صعود تيار «التغيير» هو العتبة التي تقف عليها هيلاري الان لمقاومة اعصار التغيير / التدمير على طريقة ترامب.
ـ 3 ـ
هل سيهاجر كل هؤلاء اذا دخل ترامب البيت الأبيض؟
سؤال كان طاغيا عندما اغرقت فيلادلفيا العواطف في اخطر مؤتمر للحزب الديموقراطي والذي كان مصحوبا بقطرات الدموع محشورة تلمع في اعين نجوم الحزب وقادته في لحظة الخطر، وبدت الديموقراطية للخائفين من وحوش الفضاء في الالعاب الإستراتيجية.
وبين البكاء والسخرية يطل البهلوان الجمهوري من خلف كل كلمة وهتاف..، وبدت الكلمات حول الديموقراطية والدستور و»انها اميركا...» تعاويذ في مواجهة الشرير الذي يتحدى منظومة تداري تهتكها وليس لديها سوى هيلاري التي بدت في اول السباق كأنها مصير بائس للمجال السياسي... حيث اللعب باللاعبين الذين يشبهون السمك المقدد.
ورهان هيلاري هو اجتذاب الغاضبين من «شباب بيرني» ...لأن مقاطعتهم للتصويت تعني «غياب» كتلة حاسمة تجعل انتصارها خافتا او هزيمتها ممكنة، وفي الحالتين نوع من تجلي الكارثة.
ترامب اتى بكتل تصويتية جديدة، للمذعورين البيض، من جماهير الميديا المنتمين لكل الطبقات التي لا يمثل ترامب بالنسبة لهم مجرد مهرج تلفزيوني يلعب بالاموال، لكنه نتيجة انفلات هذا النظام، او ابن ولد في حديقته الخلفية، وكبر وترعرع حتى اصبح مرشحا للخروج من «اللا وعي» الى «الوعي، ليحكم العالم ..او يفجره.
ترامب منقذ المذعورين من «داعش» منتج آخر للاوعي وتفجر العالم باعتبارها ابنة منطقة تعيش كمتحف اممي حي لكل الاشكال الاجتماعية والسياسية المنقرضة، الدول القومية فيها مجرد نسخ هبطت من اعلى، على اشكال بدائية من التنظيم البشري.
ترامب ليس جمهوريا بالمعني الخالص... فقد تشكلت ضده حركة من الجمهوريين المؤيدين لهيلاري او للدائرة السياسية / المدافعة عن اميركا «قديمة..» التي قامت على انها جنة «العيش المشترك».
هي انتخابات لن تعود اميركا منها كما كانت... ليس لان الديماغوجي يمكن ان يكسر تحالف الاقليات (اوباما نجح بتحالف السود واللاتينوس ..وهو تحالف هش) او بتحفيز صور «العيش المشترك..» لأنها امكانية تواجه مخاوف وثقافات كراهية نائمة في الاعماق...
وماذا ستفعل «روح» بيرني في هذه الحرب؟