"تنظير الفيسبوكيين".. بقلم:  سامر يحيى

"تنظير الفيسبوكيين".. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢٠ أغسطس ٢٠١٦

التغيير هو سنّة الحياة، وتداول الشمس والقمر الأدوار بشكلٍ متناسقٍ ومتكامل يتم وفق قانون الطبيعة المرسوم لهما، والهواء يستمر بالتجدد لكي يهبنا هواءً نظيفاً نستنشقه رغم عدم اهتمامنا وتلويثنا له بشكلٍ مقصودٍ أو غير مقصود، وغيرها من روتين الحياة المتجدد، ليس سوى دروس يومية لنا على أن التغيير هو عمل روتيني وليس معجزة تحصل بين ليلة وضحاها.
إذاً التغيير هو عملية تعديل للآليات، وتطوير الإيجابيات وتنقية الأخطاء والسلبيات، ضمن آلية عملٍ مدروسة منتظمةٍ لا همجية، ودائماً نتحدث عن فترة المئة يوم، ليس بهدف البقاء بلا عمل، وليس بهدف تبديل أثاث المكاتب والعاملين بها وإعادة توزيع الإدارات، بل القيام بعملية التغيير المنطقية، فالمدير الكفء هو القادر على الاستفادة من جهود جميع العاملين من دون استثناء، كل حسب قدرته وإمكانياته وظرفه ووضعه ....، لاستكمال سير مؤسسته والإقلاع بشكلٍ أقوى، فلا أحد منا يبدأ من الصفر، مهما كان المكان الموجود به، إنما لديه تراكم خبرات، وكان ينتقد غيره، ويدّعي قدرته على إبداع الحلول، وبالتالي دوره إسقاط ذلك على الواقع ضمن الإمكانيات المتاحة والمعطيات المتوافرة لديه، لتقييم الإيجابيات وتطويرها، ومعالجة السلبيات وتفادي تكرارها للوصول للنتائج التي يطمح إليها كل منّا من دون استثناء.
وهذا ليس غريباً على الشعب السوري، فكل منا مذ يبلغ الثانية عشرة من عمره يتكلّم وكأنه خبرة مئة سنة بالمنصب، وكذلك ترى المسؤول في المؤسسة يتكلّم عن النزاهة والشرف والأخلاق وضرورة محاربة الفساد ولو كان من أقرب المقربين له، لأن الوطن برأيه هو الأهم، ويحمّل الآخرين مسؤولية الفساد والأخطاء، وعندما يعود للدائرة الضيقة حوله، يعتبر أن تخصيصه بسيارة أو حصوله على فائدة من عمله لن يؤثر بالموازنة، بل على العكس إن لم يصرفها سيتم تخفيضها من موازنة العام القادم، ويعتبر أنّه لو كان في غير هذا المكان لكان راتبه عدة أضعاف، متجاهلاً أنّ مهمته هي تطوير العمل لكي يلمس نتائجه أبناء المجتمع من دون استثناء.
فالتغيير هو تطوير الأداء، ودمج وتعديل الوزارات واللجان والمؤسسات، جزء من عملية التغيير، وليس نسفاً للواقع، بل الانطلاق من دور كل مؤسسة باستثمار كل الوسائل لتطوير أدائها ومن ثم تلقائياً يتم تطوير القوانين والقرارات والتسميات والدمج، وباعتبار أننا في القرن الحادي والعشرين، لم يعد مقبولاً الحديث عن تجربة فشلت أو نجحت، لأنّه باتت لدينا مئات إن لم نقل آلاف التجارب، المفترض أن ندرسها ونستفيد منها جميعاً ونجعل الافتراضيات التي تساهم بالوصول للحل الأنسب القابل للتطبيق على أرض الواقع بكل جديّة ومنطقية وموضوعية. 
أهم أداوت التغيير قيام كل مسؤول بالتواصل مع أبناء مؤسسته محاوراً ومشاركاً لا محاضراً يملي الأوامر ويتلقّى الأسئلة، وهذه ستزيده قوّة وقدرة على صناعة القرار القابل للتطبيق على أرض الواقع.   
وأيضاً إدراك "الفيسبوكيين" ومن يدّعون أنفسهم منظّرين وجريئين، بأن الجرأة ليست بالتهجم على المسؤول ووصفه بالفاسد، ولا أن يكون من يعمل في الحقل الإعلامي محققّاً مع هذا المسؤول أو ذاك بحجة التطوّر وعدم الخوف والحرية الإعلامية، بل يجب أن يكون واعياً متنبهاً، وعدم تجاهل العاطفة الجياشة لدى أبناء الشعب السوري، وأن الإعلام هو السلطة الرابعة؛ أي صلة الوصل والتنسيق بين المواطن والسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ودوره تسليط الضوء على الإيجابيات لتطويرها، وعند طرح مشكلة سلبية أو تقصير عليه وضع الاقتراحات والحلول المتاحة من أجل مساعدة تلك السلطات للوصول للحل المناسب، لا سيما أن الكثير من المشاكل التي يتم المتاجرة بها من قبل من يدّعي محبته للشعب السوري بينما هو يتاجر بها، ويعمل من ورائها للحصول على المال، فالسلطة الرابعة ليست سلطة تهجمية وتسلطية ووصولية، إنما المساهمة بعملية التطوير والبناء والإعمار، وليست وسيلة لإحباط المواطن، بل للعمل يداً بيد على إيجاد الحلول لكافة المشاكل التي تمرّ بها سوريتنا في هذه الأيام بالذات التي تتطلّب منا العمل الجدي، فالكثير من الفيسبوكيين مدّعي الوطنية، تراه متخلّفاً عن القيام بدوره الوطني ضمن مؤسسته الحكومية لأنه مشغول بمتابعة الفيسبوك، ومتهرّباً من أدنى مسؤولياته في بناء الوطن.
إن سوريتنا أحوج ما تكون منا أن ندرك مسؤولية كل منا أمام وطننا، فالموظف الحكومي من دوره إتقان واجبه وعدم تحميل مسؤولية التقصير لمديره، والمواطن دوره الالتزام بالدور والقانون ولا يحمل المسؤولية للحكومة ولا لشخصٍ تجاوز الدور والقانون بأي حجة كانت، وبالتالي يصبح المتسلق والانتهازي نكرة بالمجتمع وليس أمراً عادياً لو بدأ كل منا بنفسه، وأن نحول النقاش لمحور جدي، لا اتهام يؤدي للإحباط وتجاهل كل الانتصارات التي تحصل بكل النواحي، وتركيز الصورة على السلبيات بما ينعكس سلباً على الوطن ككل.
ويتم الآن استغلال الكثير من الموضوعات تحت شعارات شتّى لجميع المال والتجارة باسم الوطن، وتشويه سمعة الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تبذل شتى الجهود من أجل علاجها، بل المتاجرة بها على حساب أبناء الوطن وسمعته وكرامته، وإضاعة كل جهد تقوم ببذله لمصلحة الوطن، ولولا جهود الشرفاء في الوطن في كل مؤسسات الحكومة من دون استثناء بما فيها مؤسسات الوطن والقيادة السياسية والجيش العربي السوري، لما صمدت سورية خلال السنوات الست من عمر الحرب عليها، فلنعتبر من ذلك ونساهم جميعاً بأن نكون في خندقٍ واحدٍ مع الحكومة ومؤسساتها كافة لاستكمال بناء الوطن، وتطهيره من الفساد والإرهاب بآنٍ معاً، الذي لا يفرّق بين أحدٍ منا على الإطلاق.
لا يصلح الوطن إلا بجهود كافّة أبنائه، وتعاونهم وتقديمهم الاقتراحات، بعيداً عن التمسّك بالرأي، فنحن بحاجة للوصول إلى قرار قابل للتطبيق على أرض الواقع من قبل المسؤول وليس استجواباً تحت شعارات تدس السم بالدسم، أو تسليط ضوءٍ بشكلٍ سلبي على قضية لتشويه الوطن والسماح للآخرين باستغلالها ضد الوطن وكرامته وكرامة أبنائه.