النار السورية والثلاجة الأميركية.. بقلم: منير الخطيب

النار السورية والثلاجة الأميركية.. بقلم: منير الخطيب

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ أغسطس ٢٠١٦

الولايات المتحدة تنكفئ في مناطق نفوذها الشرق أوسطية. عندما يرسم محور الممانعة خط طيران عسكرياً فوق الخليج العربي، في همدان عمق الدولة السلامية في إيران، ولو لمهمة محددة الزمان، ومحصورة بالميدان السوري، يصبح من السذاجة القول إن واشنطن لا تزال متمسكة بخطوطها الحمر في المنطقة. وسذاجة أكبر التفكير بحل دائم للحرب على سوريا باستبعاد دمشق عن طاولة المفاوضات.
سوريا باتت العنوان العريض لنظام عالمي يتحوّل. في عصر «السلام الأميركي» (باكس اميركانا)، حيث تنعم القارة البعيدة عنا بهدوء واستقرار، تستطيع الولايات المتحدة أن تراقب النزاعات حول العالم وأن تتدخل، حيث يناسبها التدخل، وأن تنكفئ متى ترى مصلحة في الانكفاء.
«السلام الأميركي» الذي أرسيت خطوطه الحمر عبر عقود من تبعية بعض الانظمة العربية لواشنطن، وعبر تمكين إسرائيل عسكرياً واقتصادياً، بدأ يضيّع اتجاهه. أصيب بدوار «الحرب السورية». والدوار سببه ببساطة عدم وضوح الاولويات بالنسبة للإدارة الأميركية، معطوف على حكم رئيس متردد لم يأخذ موقفاً حاسماً في السياسة الخارجية، وهو الآن في أيام ولايته الأخيرة، يقل عدد مستمعيه، ويتحول بأحسن الاحوال الى نجم علاقات عامة يروّج لمرشحة حزبه الرئاسية.
الحرب على «داعش» تسلك منعطفات مصيرية، في وقت يتكشف المسرح على مصير مأساوي ينتظر الفصائل الكردية مع رفض إقليمي بالإجماع لمشروع الكيان الكردي المقتطع من الجسد السوري - العراقي المنهَك. رفض يشترك به العربي والتركي والإيراني.
ومع التداخل الصارخ لمصالح اللاعبين الإقليميين، لا يجد الرئيس الاميركي باراك أوباما ما يفعله غير ما هو بارع فيه: التردّد واللا قرار، وترك الامور للإدارة الآتية. برودة لا تتلاءم وحرارة المنطقة التي يؤججها البركان السوري٬ وتفتح الطريق واسعاً أمام إعادة رسم خطوط حمر سيكون من الصعب على واشنطن، بغض النظر عن الادارة المتشكّلة فيها العام المقبل، أن تعيد عقارب ساعتها الى الوراء.
النظام الإقليمي الذي يخرج من طور التشكل في المنطقة إلى ترسيخ قواعده، يرتكز إلى مصالح عميقة مشتركة بين أركانه، أي سوريا وإيران وروسيا وتركيا، وإن كان لكل دولة أجندتها الخاصة وتموضعها السياسي في أحلاف متنازعة، كتركيا «الاطلسية» أو إيران رأس الحربة ضد «الشيطان الأكبر» و «ربيبته» إسرائيل.
والأهم أن النظام الجديد الذي لا يتفق أركانه على شيء، يوافق بالكامل على منع تغيير الواقع القائم في المنطقة الذي أرسته اتفاقية «سايكس بيكو» قبل مئة عام، أي إبقاء دول الإقليم على حدودها الحالية، وعدم المساس بخرائطها وبسيادتها، وحماية حكوماتها المركزية، والمحافظة على مؤسساتها العسكرية، بعد اختبار البدائل الكارثية.
ورسخ هذا التوافق أن أطرافه شركاء في المسؤولية وتقرير المصير من دون تبعية، فالقدرات العسكرية الروسية لم تكن لتكفي لولا الصمود السوري في الميدان، ونجاح إيران والمقاومة في إشغال الأميركيين والسعودية، وفي زيادة الضغط على إسرائيل.
الثلاجة الأميركية لن تطفئ النار السورية، لكنها ستبرد بالتأكيد الطموحات المجنونة في المنطقة، سواء كانت دويلات عرقية أو طائفية، أو وعوداً بالحوريات.