مهام وطنية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

مهام وطنية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ أغسطس ٢٠١٦

منذ أن صدر المرسوم التشريعي رقم 100 تاريخ 3/8/2011 الذي وضع القواعد والأسس لقانون الأحزاب في سورية تقدمت عشرات التنظيمات للحصول على تراخيص (وقد حصل أغلبها عليه)، وتلك حالة حيوية تشي بقدرة المجتمع السوري على التأقلم والنهوض من جديد، إلا أنه كان ملاحظاً على برامج تلك الأحزاب (وتلك التي كانت موجودة قبلها) ظاهرتان اثنتان على درجة عالية من الأهمية: الأولى إنها جميعها لم تعمد إلى إطلاق برنامج وطني يقوم على تبني مفاهيم مشتركة لمصطلحات مهمة مثل الحرية – الديمقراطية – المساواة – حقوق الإنسان – الشهادة..إلخ. صحيح أن الكثير من تلك الأحزاب تحوي في أدبياتها على تعاريف للكثير من تلك المصطلحات إلا أن المطلوب في الحالة الراهنة التي تمر بها البلاد هو إطلاق برنامج وطني متكامل لا تغيب فيه أي من تلك المصطلحات لأن الخلاف على أحدها كفيل بإفشال الفكرة وهي (تلك المصطلحات) يمكن أن تكون في ظل وجود توافق وطني عليها أداة للاستقرار والاستقلال، وهي نفسها أيضاً يمكن أن تكون في ظل غياب ذلك التوافق أداة لضرب الاستقرار والاستقلال. الثانية إنها جميعها لم تتصد بشكل جدي (ولو في حدود إمكاناتها) للأزمات التي أفرزتها الأزمة الكبرى مثل الهجرة والتحولات التي مرت بها ولا تزال تمر الأزمة السورية، ونكاد جزم بأن أياً من تلك الأحزاب لم تذهب نحو التصدي لظاهرة الهجرة عبر تحديد الخيارات التي يجب على السوريين اتخاذها في مواجهة المخاطر المحدقة التي ربما انحصرت اليوم في خيار وحيد هو المواجهة التي لا تعني هنا بالضرورة حمل البندقية فقط، كما نكاد نجزم بأن تلك الأحزاب لم تستطع مواكبة تطورات الأزمة والوقوف على ما وصلت إليه، فالحرب في سورية اليوم لم تعد حرباً عسكرية أو سياسية بمعنى من أجل إسقاط نظام والمجيء بآخر فقد أضحت حرباً حضارية، طرفاها السوريون في كفة وفي الأخرى كل أولئك الذين جاؤوا إلينا وهم يريدون إرجاعنا إلى دهاليز القرون الوسطى عبر مشاريع غريبة عنا ولا تناسب لون بشرتنا ولا جيناتنا الوراثية، والحروب الحضارية لا تحسم إلا بالمواجهة، لنتخيل مثلاً النتائج التي كان يمكن أن تفضي إليها حالة هروب الإنكليز أو السوفييت أو الفرنسيين من مواجهة النازية التي كانت مواجهة حضارية بالدرجة الأولى ومهما قيل عن دوافعها السياسية أو الاقتصادية.
نحن هنا لا نمارس دور إعطاء التوصيات أو التوجيهات وإنما نطرح ملاحظات نراها ضرورية في مواجهة الحالة الراهنة إذ لطالما كان الأساس الذي تنشأ عليه الأحزاب هو استقراء الواقع والوقوف على متطلباته ومن ثم الخروج بحلول للأزمات التي تعترض مسار المجتمعات التي خرجت منها تلك الأحزاب، وإذا كانت أزمات مثل الهجرة أو عدم التوافق على مفاهيم مشتركة لم ترق (بنظر تلك الأحزاب) لأن تشكل الهموم الأولى الوطنية فما تلك الأزمات التي تفوقها أهمية؟!
في التجارب الناجحة في أزمات من هذا النوع يمكن العودة إلى تجربتين ناجحتين هما اليابانية والألمانية ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، فكلا البلدين كان قد نال قسطاً وافراً من الدمار وفي الآن ذاته خسر الملايين من أبنائه (اليابان فقدت في لحظتين فقط يومي 6 و8 آب 1945 نحو /210/ آلاف قتيل)، وفي هذا السياق كان هناك آلاف المقالات ومئات الكتب التي تحلل وتشرح الأسباب التي أدت إلى نهوض البلدين بسرعة صاروخية، وما يهمنا هنا في الفكرة التي نتناولها هو أن كلاً من الأحزاب اليابانية والألمانية كانت قد أخذت على عاتقها استنهاض عزائم المجتمع للوقوف بوجه الأزمات.
كانت تلك الأحزاب قد ضربت مثالاً رائعاً في الوطنية (ونحن هنا لا نتهم أحزابنا بأنها ليست وطنية لكننا نطمح لأن نراها ترقى إلى تلك الدرجة) بعيداً عن حسابات المنافع الشخصية أو محاولات الوصول إلى تمثيل نيابي أو حتى لأن تكون جزءاً من السلطة (في كل الأحوال جميع ما سبق حق مشروع لتلك الأحزاب) فجميعها تحصيل حاصل عندما تذهب تلك الأحزاب إلى الدفع بشرائحها المؤمنة بها نحو الانصهار في النسيج الوطني الذي يعني ترابطه إنشاء أرضية صلبة تشكل ضمانة كبرى للنهوض من جديد.