من حلب إلى جرابلس .. انتهت اللعبة

من حلب إلى جرابلس .. انتهت اللعبة

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ أغسطس ٢٠١٦

ماهر خليل
يصح القول أن ما يجري في سورية اليوم "خلط الحابل بالنابل"، فالشمال السوري بات كتلة نار مع "العدوان" الذي بدأه أمس نظام أردوغان في مدينة جرابلس بحجة محاربة "داعش"، وهو الذي يخفي بين غبار دباباته ومجنزراته التي تخطّت الحدود باتجاه سورية فجر الأربعاء، مخططاً عثمانياً قديماً يهدف للقضاء على "الجنس الكردي" أينما وصلت رصاصاته، إذ لم يكن عبثياً اختيار تاريخ بدء هذا العدوان الذي يتزامن مع "ذكرى انتصار العثمانيين في معركة مرج دابق قبل خمسة قرون" من الآن، ولم يكن عبثياً أيضاً "انقلاب" تحالف واشنطن على حلفاء الأمس من الأكراد "والقوة الضاربة" باسمهم في وجه "داعش"، هذا التنظيم الذي بات اليوم "قُبلة" أي تحالف أو دولة أو حتى تنظيم ناشئ لتجريب مهاراته القتالية في سورية على وجه التحديد، بينما تقتصر التجارب على واشنطن في العراق الذي مازال تنظيم "داعش" يسيطر على مساحات استراتيجية ليست بالقليلة فيه، إلا أن "داعش" سورية على مايبدو يحمل بين راياته السود "الأجنبية منها والعربية" ما هو أدسم من "داعش العراق".
قد يجادل البعض في أن الأحداث الأخيرة التي ضربت مدينة الحسكة السورية والتي كان "الأسايش" كبش فداها الدسم، الذي أثار شهية "الذئب العثماني" للدخول في معركة قد تكون ارتداداتها عليه "غير محسوبة"، هذه الأحداث التي انتهت بــ"هدنة" وصفها غالبية المتابعين بـ"إبرة البنج" السورية ريثما يحين وقت الحساب لاحقاً، بينما اعتبرها آخرون "أزمة وبتعدّي"، إلا أن الثابت فيما تلاها، أنها كانت الطعم الذي أوقع "الأزعر التركي" في مكيدته، وشدّه من رقبته للدخول في حرب كان له مع "معاركها" سابقاً ولسنوات أمام حزب العمال الكردستاني، حيث كانت كارثية عليه وعلى أمن بلاده حتى يومنا هذا.
وكردٍّ بسيط على من يجادل في ما ورد آنفاً، نستطيع القول له بأن ينظر جيّداً إلى ماجرى في "جرابلس" كعيّنة بسيطة من سلسلة عينات لم تكن مدينة "منبج" آخرها، فهل يعقل مثلاً أن تدخل القوات التركية إلى أبرز معاقل "داعش" في سورية دونما مقاومة، حتى أنه وبحسب مصادر إعلامية مرافقة لـ"الأهزوجة" التركية لم تطلق رصاصة  واحدة وأن جنود المشاة دخلوا المدينة بما يُشبه "السيران"، وأن ضربات المدفعية والجوية التركية، كانت جزءاً من "ديكور" المعركة.
إنسى ما سبق"، هل رأت عيناك "جثة" واحدة لداعشي قتل بنيران حليف الأمس وأبيه الروحي، حتى أن "وكالة أعماق" التابعة للتنظيم الإرهابي اكتفت بـ"مانشيت" "سريع" تحدثت فيه عن "اعتداء" تركي على أحد معاقل "الدولة"، هذا المانشيت الذي يشبه كثيراً ما تتداوله وسائل إعلام "المعارضة" عندما تخسر نقطة استراتيجية أمام وحدات الجيش العربي السوري، وتكون استهلكت قبلها عشرات المقالات والتحليلات عن أهمية وصمود هذه النقطة في وجه "جنود النظام"، لكن سرعان ما يختلف الحديث عند سقوطها.
نعم .. لقد غيّرت مدينة الحسكة السورية وجه المعركة في سورية لكن ليس للأفضل كما يحاول البعض قوله، لقد زادت "الطينة بُلّة" رغم أن التورط التركي سيريّح الجيش السوري على عشرات الجبهات التي كانت تعتمد سابقاً على "إغاثات أردوغان" من الرصاصة وحتى "غاز السارين"، لكنها اليوم ستقف وحيدة أمام الجيش العربي السوري، لأن ممولها العثماني اختار اللعب على حبل الحياة، فبعد تمثيلية الانقلاب "المدروسة" وصولاً إلى "الحركشة الانفصالية" في الحسكة، سقط القناع، وظهر كل ما هو بشع خلفه، فقد بان للجميع أن "داعش" عبارة عن "روبوت" مبرمج أمريكياً ويسير وفق مصالح "الحلفاء"، وأنه أداة لاستعراض العضلات للدول التي طالما أثبتت فشلها عسكرياً في أي حرب خاضتها أمام الجيوش الوطنية، من تركيا لواشنطن واللائحة طويلة.. لكن لماذا سيعقّد التدخل التركي أو "العدوان" المشهد السوري؟.. ببساطة لأن المعركة في الشمال السوري لن تنتهي بين ليلة وضحاها، بل ستطول لليالٍ وربما أشهر وسنين، فالثأر التركي - الكردي مدمي ولن ينتهي بمعركة هنا أو اشتباك هناك، خاصة وإن نجح "العمال الكردستاني" في نقل معركته إلى عمق تركيا، حيث ستكون المُصيبة أعظم هنا.
نحن على ثقة بأن اليوم أو غداً، سيخرج "أبطال البوكيمون" من المعارضة السورية في فنادق الخارج الفاخرة، ليزاودوا على أنقرة ويتهموها بالخيانة، ونثق أيضاً أن التحالفات الجاهزة التي كان هؤلاء "المعارضين" كبشها الدسم الجاهز للذبح حين تدنو ساعته، انتهت قبل العام الجاري، وأن التحضير لتوسيع رقعة الاحتلال في سورية بدأت مع انهيار مشروع أردوغان في خلق مناطق آمنة على الحدود مع سلطنته، كما نثق أيضاً بأن تنظيم "داعش" بدأت مراحل نقله الأخيرة تقترب من سورية والعراق إلى دول أخرى أشار إليها باراك أوباما في عدة لقاءات بصورة غير مباشرة ومنها "أمريكا اللاتينية"، التي بدأت عناوينها العريضة تظهر في فنزويلا والأرجنتين "سياسياً" وهي الطريقة التي تشبه كثيراً ما يسمّى بـ"الربيع العربي" الذي كانت نهايته أكثر من كارثية خاصة في ليبيا وسورية، والعراق أيضاً حتى لو كانت كارثته قد بدأت منذ الاحتلال عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين حينها واقتسام الدولة إلى طوائف وأعراق لكل منها دولته وكيانه.
العلاقات الأمريكية مع حلفائها وخاصة "السعودية"، الملاحقة اليوم من قبل المنظمات الدولية التي تضغط على الدول الكبرى لوقف بيعها الأسلحة التي تستخدمها في قتل الشعب اليمني، أثبتت صدق الحلف الذي يجمع "روسيا وسورية وإيران والصين وحزب الله"، فهو الثابت الوحيد منذ بداية الأزمة السورية، وهو الشيء الوحيد الذي لم تستطيع الولايات المتحدة وحلفائها الكبار من تحقيق أي خرق فيه على الأقل حتى اللحظة، وهو ما يدفعنا اليوم للتفكير بماهية "الحراك التركي - الدولي" شمال سورية. هل هو موجّه ضد داعش .. أم ضد الأكراد، أم ضد سورية وحلفائها؟، وهل ستستجيب أنقرة للمطالب السورية بالانسحاب من أراضيها في حال "أتمّت" المهمة التي اعتدت على أراضينا بحجتها؟، وما هو موقف النظام السعودي الذي يرى بأم عينه كيف تنهار مرتزقته التي جندها لقتال الجيش السوري بسبب "الخيانة" الأمريكية له، وتوجه واشنطن إلى البوابة التركية لتلحق ركب الحلف الجديد الذي يقال أن تركيا انضمت له بوساطة روسية - إيرانية، حيث سورية أحد أطرافه الحيوية والأساسية. الأيام القادمة ستوضح كل ذلك ..
لحينها.. الجيش العربي السوري مع حلفائه مستمر في حسم الجبهات الاستراتيجية، وإنهاك ماتبقى من مرتزقة نظام آل سعود خاصة في حلب، هذا الجيش الذي يعقد عليه كل الشعب السوري ما تبقى له من آمال بعد حرب أكلت الأخضر واليابس في بلاد كانت دُرّة العالم وحجر زاويته، قبل أن يدخل مغول العصر الحديث برايات مختلقة إليها، ويقودوها إلى "حرية" لا شبيه لها سوى مملكة الرمال _التي هي أيضاً_ على موعد مع عاصفة تُعيدها إلى ما كانت عليه.. والأيام بيننا.
عاجل