أردوغان في ضيافة الأسد: هل هذا ممكن؟

أردوغان في ضيافة الأسد: هل هذا ممكن؟

تحليل وآراء

الأحد، ٤ سبتمبر ٢٠١٦

 فرنسا – فراس عزيز ديب
الأسد صافحَ «أردوغان» بحضورٍ روسي.. الأسد سيلتقي «أردوغان» برعاية بوتين.. صفقات.. تفاهمات وغيرها من العناوين الكثيرة في السياق ذاته تصدّرت المشهد الإعلامي في الأيام الماضية، بعضهم وضعَ –كالعادة- تاريخاً محدداً لانتهاء «الأزمة» في سورية (نذكِّرهم هنا أن شهر آب انتهى منذ أيام!!)، وبعضهم الآخر وضعَ تواريخَ محددة للقاء «أردوغان» بالأسد.
دائماً ما نقول إننا لا نمتلك المعلومات، لكننا في الوقت ذاته نمتلك القدرة على قراءة المشهد المركَّب، وتحليل الوقائع وفهم ما يفكر به المعنيون قبل أن نُطلقَ العنان لأنفسنا بإطلاق الوعود من جهة، والضرب عبر العناوين الرنانة من جهةٍ ثانية.
قبلَ أيام، قال «بن علي يلدريم»: إن تركيا ستتجه لتطبيع علاقاتها مع كل من مصر وسورية، كلام جيد، لكن من قالَ إن تطبيع العلاقات في السياسة الدولية هو قرار يتخذه طرفٌ وتنتهي القطيعة؟ إن فرضية تطبيع العلاقات تحتاج إلى إرادة ورغبة متبادلة من الطرفين المعنييَّن وليس من طرفٍ واحد، فهل السوريون -شعبياً ورسمياً- جاهزون لمثل هذا الأمر؟
عُرف عن القيادة السورية منذ عهد الراحل حافظ الأسد أنها لا توفر جهداً لخلق فضاءٍ من السلام في المنطقة، جميعنا يتذكر رسالة الراحل إلى «صدام حسين» عندما اجتاح مشيخةَ الكويت، رغم أن العلاقات يومها كانت مقطوعة رسمياً. أما خلال ولاية الرئيس بشار الأسد الأولى، فالجميع يتذكر مقتل «رفيق الحريري» وما تبِعَه من «قلِّة أدبٍ» ميزت كلامَ وتصريحات العديد من مراهقي السياسة في لبنان، مع ذلك تجاوزت القيادة السورية كل هذا الأمر لأنها اعتبرته «خلافاً سياسياً»، يمكن أن ينتهي عندما يَعي هؤلاء أحجامَهم مع بدايةِ حجِّهم صاغرين إلى دمشق، لكن الموضوع التركي لا يمكن النظر إليه في السياق ذاته، فما وجه الخلاف؟
ندرك تماماً أن في لعبة السياسة تتبدل العلاقات والتحالفات، وقد تتبدل الميول، لكننا ندرك أيضاً ومن التجارب العملية أنه لو كانت اللقاءات والمصافحات تحلّ المشكلات العالقة، لربما كان العالم من حولَنا أكثر أمناً، فما الذي جناه مثلاً «ياسر عرفات» من مصافحاته الحارة للمسؤولين «الإسرائيليين»؟ كذلك الأمر فإن المصافحة واللقاءات على المستوى الأعلى تأتي تراتبياً بعد إنجاز اتفاقات وتفاهمات ما على المستوى الأدنى، التي تحدِّد نقاط الخلاف والمتورطين بالإساءة للعلاقة بين الجانبين، وآليات الحلول والتخلص من العوائق، فيأتي لقاء الرئيسين كتتويج لهذا المسار الذي ينتهي بالتطبيع. فهل يمكننا أن نصدِّق مثلاً أنه وخلال أسبوعيين سيتم حل جميع المشكلات العالقة بين السوريين والأتراك؟ مع العلم أن جلّ الاتصالات التي تتم حالياً بين الجانبين هي نوعٌ من الاجتماعات المرتبطة بالتنسيق الأمني، بمعزلٍ عن الصفة الاعتبارية للشخصيات التي تقود هذه العملية، وهذا الأمر لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال البناءَ عليه لمزيدٍ من التفاؤل بقرب التطبيع، تحديداً أن السوريين الآن يمتلكون علاقات تنسيقٍ واتصالٍ مع العديد من الأجهزة الأمنية تحديداً الأوروبية منها؛ فهل نقول إن لقاء قريباً سيجمع الأسد بـ«ميركل»؟
النقطة الأهم أن هناك محاولة لاختصار المشكلة بين تركيا وسورية بالعلاقة الشخصية التي كانت تربط كلاً من الأسد و«أردوغان» وما تلاها من انقلاب «أردوغاني» على هذه العلاقة رغم ما حققته من مناخٍ اقتصادي وسياسي يمكننا وصفه بـ«الجيد». هذه الرؤية تقزيم للمشكلة، فما جرى ليس خلافاً بين رئيسي بلدين، يمكن حلَّه فقط بالمصافحة أو اللقاء، ما جرى هو قرار اتخذه «أردوغان» بتدميرِ البشرِ والحجرِ عبر المال القطري بهدف فرض مشروعه الإخواني، أي إن الأمر مرتبطٌ بشهداء وضحايا ومعامل ومدن سُرقت ونُهبت، من المسؤول عن ذلك؟ وكيف ستتعاطى قيادة «العدالة والتنمية» مع هذا الأمر؟ هل بالاعتذار، أم تقديم المسيئين للمحاكمة وتعويض الأضرار؟ علماً أنه ومن باب الواقعية فلتأت لنا قيادة «العدالة والتنمية» باسم ضحيةٍ تركيةٍ واحدة سقطت بسبب التورط السوري في الشأن التركي الداخلي لنطالبَ معهم بتقديم المسؤولين للمحاكمة.
أما الحديث عن تسويةٍ، فالتسوية يجب أن تأتي سلةً متكاملة، فما نفع ادعاءَ «أردوغان» مثلاً إغلاق الحدود وهو يستضيف وبشكلٍ دائمٍ مجموعاتٍ إرهابية إن كانت سياسية أو عسكرية تعمل على ضرب الشعب السوري. المصافحة واللقاء يجب أن يأتيا كنتيجةٍ لتبديل المواقف التركية عملياً وليس كلامياً، والتسليم بفرضيةِ أن إعادة حلم السلطنة العثمانية بات من الأوهام، وما عدا ذلك، فإن البناء على وعود «أردوغان» بإنهاء التورط بالدماء السورية، تشبه تماماً وعود «آل سعود» بأن الديمقراطية للحجازيين قادمة لا محالة.
لكن هناك وجهةَ نظرٍ تقول إن الروس يضغطونَ على السوريين لإتمامِ هذه المصالحة، لأن النجاح باستقطاب «أردوغان» في الحرب على داعش هو انتصارٌ للدبلوماسيةِ الروسية التي سعت إلى إخراج «أردوغان» من الحلف الذي هو فيه، وهي قادرة أن تستخدمَ أوراقاً ما للضغطِ على القيادةِ السورية بما فيها الامتناع عن تقديم الدعم الجوي في عددٍ من النقاطِ الساخنة التي خسرها الجيش السوري كـريفي حلب وحماة. هذا الكلام يبدو ارتجالياً لأننا عندها لا يكفي أن نتحدث فقط عن الروس، لأن الإيرانيين في الوقت ذاته يهمهم أن يكون «أردوغان» جزءاً من الحل، فهل يمكننا القول إن حليفي القيادة السورية الآن تركاها في ساحات القتال وحيدة؟ إذاً هذه نقطةٌ تسجل للقيادة السورية أنها تقاتل وحيدة. الأدق أن كل هذا الكلام لا معنى له لأن الروس ومعهم الإيرانيون يعلمون تماماً أنهم لا يمارسون سياسة كهذه مع الحليف، ولو أرادوا كذلك لَفعل الروس هذا الأمر بما يتعلق بالشأن الكردي وطرح «الفيدرالية» الذي رفضته القيادة السورية شكلاً ومضموناً، أي إن حدود الضغط أو «الموانة» للروس والإيرانيين باتت معروفة، وهي حُكماً خارج فرضية التورط التركي في سورية، وفرض المصالحة مع «أردوغان»، فإلى أين تتجه الأمور؟
في الإطار العام لا يُخفَى عن الروس اتباعهم سياسةٍ هادئةٍ لقلب الأوراق هنا وهناك، بما فيها الاستدارة التركية، الذي يبدو أنها انطلقت لكنها بحاجة للكثير من الوقت وفقاً لما يقدمه نظام «أردوغان» عملياً وليس كلامياً. لكن لننظر أيضاً لما جرى في مؤتمر «غروزني» الديني الذي أثار انزعاج «آل سعود»، فالمؤتمر ليس بعيداً عما يفكر به الروس تحديداً من خلال «رمزية» مكان انعقاده، وبرعاية من حليفهم الرئيس «المحبوب» «رمضان قاديروف».
المؤتمر لم ينجح فقط بتعرية الوهابية، بل نجح باستقطاب «مشيخة الأزهر»، ويبدو أن أبعاده ستكون قريباً لافتة للنظر، تحديداً بما يتعلق بسحب الشحن الطائفي من المنطقة والتبرؤ من المنظِّرين له بمن فيهم السلفية والوهابية وهو أمرٌ جيد. لكن حضور مشيخة الأزهر قد لا يعني فقط أن مصر الرسمية بدأت بالابتعاد تدريجياً عن بحر الدماء الذي يضرب المنطقة، بل وهو تبرؤ للأزهر ذات نفسه الذي تعرض للكثير من الانتقادات بمناهجه وكتبه ورفضه حتى «تكفير» الإرهابيين. هذا الأمر يبدو مترافقاً مع معلوماتٍ أمنية في العاصمة الفرنسية باريس تشير إلى توجه يتم في الخفاء وبإشراف الأجهزة الأمنية الفرنسية لمنع وصول أي من «الدعاة» أو «أئمة» الجوامع ذوي الخلفية الوهابية أو السلفية للعمل في فرنسا، قضيةٌ وصلت بعميد مسجد باريس ليعلن علناً تحميل الوهابية مسؤولية تفشي التطرف وتشويه صورة الإسلام في الغرب.
واضحٌ من كل ما يجري أن هناك عملية «إعداد للحل»، لكننا لم نصل بعد إلى الحلول النهائية بما فيهم العلاقة بين السوريين والأتراك. ليس صحيحاً أن الجميع بات بانتظار التفاهم الروسي الأميركي وما يعنيه من فرز المعارضة المعتدلة عن الإرهابية، الفكرة باتت واضحة، أن ضغط الحل لا ينطبق فقط على القيادة الأميركية فالجميع مضغوط. الألمان بأغلبيتهم لا يؤيدون عودة ميركل للسلطة، وحظوظ هولاند بالرئاسة تبدو شبه معدومة، حتى مجلس التعاون الخليجي بعدِّه وعديده مهددٌ بالتفكك بعد الاتهامات الموجهة لـ«عُمان» بدعم «أنصار لله»، إذاً ماذا ينتظرنا؟
بالأمس قال بوتين: إن موسكو مستعدةٌ لإطلاق تعاون كامل النطاق مع واشنطن في أي لحظة، لكن هذا التقارب مرهون بموقف القيادة الجديدة للولايات المتحدة من مستقبل العلاقات. هذا يعني ضمناً أن كل ما يُحكى عن تفاهمات بين (كيري لافروف) لم تعد ذات قيمة، كل ما يجري الآن هو تجهيزٌ للهروب من الفوضى مع الإدارة الأميركية القادمة؛ بالطبع لا فرق بين «ترامب» و«كلينتون»، لكن إن كان الجميع يبني على فرضية أن «كلينتون» هي الرئيس القادم، فماذا لو حدثت المفاجأة؟ عندها سيبدو أن كل ما تم التحضير له الآن.. أبعدَ ما يكون عن المفاجآت.