اتفاق كيري لافروف في صالح سورية.. نُفّذ أم لم ينفذ.. بقلم: إيهاب زكي

اتفاق كيري لافروف في صالح سورية.. نُفّذ أم لم ينفذ.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١١ سبتمبر ٢٠١٦

 - بيروت برس -
إن السواد الأعظم الذي يتحلق حول رجب أردوغان، لا يختلف كثيراً من حيث الكيف عن ذلك السواد الذي كان يلتف حول ابن سعود، الملك المؤسس للملكة السعودية، فقد كان ابن سعود يتقاضى راتبه من الحكومة البريطانية، وحين كانت تتأخر الحكومة البريطانية في إرسال المال يبدأ بالاستجداء والتذلل، وما إن تصل الأموال حتى يدعو الناس إلى ساحة عامة ويخطب فيهم "هلموا يا قوم، فقد  وصلت الجزية من الكفار"، فيكبّر  القوم ويهللون. وهذا بالضبط ما يفعله أردوغان وإن بشكلٍ عصري، فجماهيره تعتقد أن الكفار يدفعون له الجزية، وأنه قادر على خلط الأوراق وقلب المعادلات الدولية، فيما هو مجرد  تابع يملك هامش من حرية إدعاء القوة والتمرد. وكما كانت تصل فحوى تلك الخطب العصماء لابن سعود عبر التقارير للحكومة البريطانية، فيضحك أعضاؤها ملء الأشداق، كذلك ترى أمريكا وأوروبا صولات أردوغان وجولاته الفكيّة عبر الشاشات. لذلك فليس مهماً ما يقوله أردوغان فيما يتعلق بالرئيس الأسد، المهم ما تريده أمريكا، فالأكراد الذين دفعتهم أمريكا لانتزاع منبج من داعش، ودفعوا من أجل ذلك الدماء الغزيرة، كانت مكالمة من مسؤول أمريكي كافية لانسحابهم من المدينة، وخلّفوا وراءهم نصرهم ودماءهم.
وقياساً على ذلك سيفعلون مع أردوغان ذلك إن أرادوا، إلا إذا كانوا يريدون توريطه في صدامٍ مع محورٍ كامل هو يدرك ألّا طاقة له بمجابهته منفرداً، وهذا المثال كان ضرورياً حتى لا نبتعد كثيراً في البناء على ما تجنيه أيادي أتباع أمريكا، ومهما كانت صفة هؤلاء الأتباع دولاً إقليمية أو منظمات أممية أو محلية سياسية أو عسكرية. وأبرز الأحداث على  هذا المثال هو الاتفاق المبرم بين الوزيرين كيري ولافروف في جنيف، فقد سبق هذا الاتفاق اجتماع ما يسمى بـ"أصدقاء الشعب السوري" في لندن، حيث تبنى المؤتمر مقترحات ما يسمى بـ"هيئة التفاوض السورية"، والتي تقترح حلاً على ثلاث مراحل، وهي مبادرة أقل ما يقال فيها، أنها تصلح للتمرين على النسخ الإملائي في فصول محو الأمية الهجائية، لذلك فكان من الطبيعي ألّا يعيرها اتفاق كيري لافروف أي اهتمام. ولكن  أقطاب ما تسمى بـ"المعارضة السورية" الذين صاحوا في القنوات الفضائية مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق، اعتبروا أنه بمثابة  إعلان حرب أمريكية روسية على الشعب السوري، وقال رياض نعسان آغا "أن هذا الاتفاق يراعي 80% من مصالح النظام"، وأجمعوا على أنه لا يمكن للـ"المعارضة" أن تقبل بهذا الاتفاق لما فيه من غبن للشعب السوري، ولكن في صباح اليوم التالي خرجت بسمة قضماني الناطقة باسم ما يسمى"الهيئة العليا للمفاوضات" وأعلنت موافقتهم على المبادرة بشرط التزام "النظام" بها.
وهذا يعني أن "المعارضة" وافقت على إعلان الحرب الأمريكية الروسية على الشعب السوري، كما أنها وافقت على مراعاة 80% من مصالح "النظام"، كما أن كل الدول المشاركة في اجتماع لندن وتبنت مبادرة "المعارضة"، أبدت ترحيبها بالاتفاق الأمريكي الروسي. كذلك أعلنت الحكومة التركية ترحيبها بالاتفاق واعتبرت أن نتائجه إيجابية، حتى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي كان الأكثر تشجُعاً لمبادرة "المعارضة"، والذي أيضاً يُجمع الجميع على حاجته الماسّة لدروس في محو الأمية السياسية، أشاد بالاتفاق وحثّ جميع الأطراف على عمل ما بوسعها لضمان تطبيقه، وهذا أيضاً يصلح كمثال على القاطرة الأمريكية التي لا تستمع لصخب العربات الذي يدور في الخلف، فهي تسير وما للجميع من خيار سوى الانصياع.
وأما بخصوص متن الاتفاق، فهو اتفاق إجرائي ميداني، لا يصلح على الإطلاق لاعتباره قاعدة سياسية صالحة للبناء عليها سوى في مخيلة ديمستورا التفاؤلية، حيث أنّ تفاؤله الدائم هو من أهم عوامل صيرورة تقاضي راتبه، ففي اليوم الذي يعلن عن تشاؤمه وبالتالي عجزه، ستكون النتيجة استقالته، وبالتالي توقف راتب مهمته، فالاتفاق اعتبر أنّ الهدنة اختيارية بين الدولة السورية وما تسمى بـ"فصائل المعارضة المسلحة"، مع استثناء داعش وجبهة النصرة، حيث ستعمل الولايات المتحدة عن  فصل"المعتدلين" عنهما، ويتبع ذلك عمليات روسية أمريكية مشتركة لاستهدافهما. ولنفترض هنا أنّ الولايات المتحدة  تريد فصل ما يسمى بـ"المعتدلين" عن داعش والنصرة -وهو أمرٌ مستبعد-، فلا يمكن لمن ينفصل عنهما أن يقاتل، فهو لا يمتلك القوة التي تخوله ذلك، وستعمل أمريكا على تمركزهم في مناطق محددة، ثم تحاول أن توفر لهم حماية سياسية من خلال اتفاق مع روسيا، وثم  إدماجهم في العملية السياسية، وهذا أخطر  ما يمكن أن يحدث، حيث محاولة انتزاع مكتسبات سياسية عجزت عن انتزاعها ميدانياً، ومع الأخذ بعين الاعتبار عقلية الدولة السورية، نستطيع الجزم بأنّ هذا السيناريو غير قابل للتطبيق، فالدولة التي لم تقدم تنازلات جغرافية إدارية تحت النار، لا يمكن أن تقدم تلك التنازلات وقت السلم.
ولا أريد أن أدخل في لعبة ضرب المندل، والقطع بأنّ الاتفاق قابل للحياة أم لا، ولكن الأفضل هو تقييم نتائج كلا الحالتين، فإذا تم تطبيقه والتزمت الولايات المتحدة بفصل "المعتدلين" ثم قامت باستهداف داعش والنصرة بالاشتراك  مع روسيا حد السحق، فهذا يشكل بالفعل مصلحة سورية، ومع ملاحظة أن كل الأجانب هم إرهابيون، بغض النظر عن مسميات فصائلهم، فلن يبقى أمام السوريين سوى تطبيق منطق الدولة بالمصالحات. وأما في حالة عدم تطبيق الاتفاق، فلن يتغير شيء على الأرض باستثناء توقف مدحلة الجيش السوري وحلفائه على سبيل استراحة مقاتل لأسبوعٍ أو بعض أسبوع، مع اكتساب مسوغ قانوني سياسي ودولي جديد لاستهداف الجميع دون استثناء. والخلاصة أنّ هذا الاتفاق أينما رست به السبل فهو سيصب في النهاية في صالح سوريا، والثغرة الوحيدة هو أن تتبخر جبهة النصرة وداعش نحو ما يسمى بـ"الجيش الحر"، وفي تلك الحالة سيكون  على كيري ولافروف وطواقمهما أن يصبحوا خبراء أنساب، لأنّ التفاوض سيصبح على كل إسم بدلاً عن كل فصيل.