أفضل هدية لهيلاري كلينتون.. بقلم: د.منار الشوربجي

أفضل هدية لهيلاري كلينتون.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ سبتمبر ٢٠١٦

لا أظن أن هيلاري كلينتون، في سعيها للفوز بمنصب الرئاسة، كان من الممكن أن تطلب هدية أفضل من دونالد ترامب شخصياً، ففوز الرجل بترشيح الحزب الجمهوري لينافس كلينتون على مقعد الرئاسة وفّر على حملة الأخيرة الكثير من الجهد للدفاع عن المواقف التي اتخذتها طوال تاريخها السياسي، كعضوة بمجلس الشيوخ أو كوزيرة للخارجية أو حتى كقرينة رئيس سابق.

فأداء ترامب وهوس الإعلام الأميركي بالرجل جعل هيلاري كلينتون في وضع أفضل بكثير مما كانت ستكون عليه لو أن مرشحا آخر فاز بترشيح الحزب الجمهوري بدلاً من ترامب.

القضايا المهمة المحيطة بهيلاري كلينتون ومواقفها من قضايا السياسة الخارجية كثيرة، منها مثلا دورها حين كانت عضوة بمجلس الشيوخ وتصويتها المتتالي بخصوص أفغانستان والعراق.

ومنها أيضا مواقفها حين كانت وزيرة للخارجية سواء في ليبيا أو سوريا، والتي تختلف، بالمناسبة، عن مواقفها الحالية، ومنها أيضا ما يخصها كقرينة رئيس سابق، وتصريحاتها وقتها وما يتعلق «بمؤسسة كلينتون»، والأهم من هذا وذاك هو شبكة علاقاتها بأصحاب المصالح والمال السياسي.

ومن بين تلك القضايا لكن ليس أكثرها أهمية بالنسبة للعالم الخارجي هو حساب كلينتون الإلكتروني الذي استخدمته حين كانت وزيرة للخارجية، وتلك الأمور وغيرها هي السبب الرئيسي وراء ما يكشف عنه استطلاع للرأي بعد الآخر من أن نسبة معتبرة من الناخبين لا يثقون بها مثلما لا يثقون بدونالد ترامب.

كان «منتدى القائد الأعلى» فرصة للناخب الأميركي ليتبين من كلينتون، بشكل مباشر، مواقفها بل ويعرف الفارق الحقيقي بينها وبين منافسها بخصوص الأمن القومي والسياسة الخارجية، لكن ما حدث كان شيئا آخر تماما، فقد بدأت االتغطية الإعلامية بالهجوم على المحاور، مات لاور، الذي لم يقاطع ترامب ولا عارضه حين قال كذباً أنه كان ضد غزو العراق «منذ اللحظة الأولى».

صحيح أن ترامب عارض ما حدث في العراق في 2004 ولكنه كان مع الغزو بالمطلق «منذ اللحظة الأولى» عام 2003. المفارقة الجديرة بالملاحظة هنا هي أن الإعلام الذي انبرى مهاجماً للاور لأنه لم يقاطع ترامب حين قال معلومات مغلوطة، هو نفسه الإعلام الذي لم يقل كلمة واحدة عن مقاطعته المستمرة لكلينتون.

ذلك لأن المقاطعة المستمرة هي أحد الأساليب الذكورية المعروفة للحط من شأن المرأة والتقليل من شأن ما تقول، وهي طبعاً طريقة لم يستخدمها لاور مع المرشح الرجل، إذ لم يقاطع ترامب حتى حين قال معلومات غير صحيحة!

لكن لاور استنفد الوقت في التركيز على حساب كلينتون الإلكتروني دون قضايا الأمن القومي في حديثه مع مرشحة يقول سجلها السياسي في مجلس الشيوخ وكوزيرة أنها تعتبر الحرب هي الحل الناجع لمشاكل العالم، لا الحل الأخير بعد استنفاد الحلول الدبلوماسية.

ما إن فرغ الإعلام من قصة مات لاور، حتى تركزت التغطية بالكامل على دونالد ترامب، حتى القنوات التليفزيونية الليبرالية المناهضة لترامب، لم تتوقف عن سيل التعليقات والتحليلات لكل ما نطق به الرجل، وبالتالي صارت صورة ترامب على الشاشة بالسلب أو الإيجاب على مدار الساعة ولأيام متتالية.

وتلك في الحقيقة دعاية مجانية للرجل، أما كلينتون فقد ظهرت فقط على الشاشة فيما يتعلق بما قالته كرد فعل على ما جاء في تصريحات ترامب سواء في المنتدى أو بعده، خصوصاً فيما يتعلق بوصلة الإطراء الجديدة التي أهداها ترامب للرئيس الروسي.

وما يتعلق بإهانته لكبار القادة العسكريين مرتين خلال المنتدى مرة حين قال إنهم تحولوا في عهد أوباما إلى «أشلاء» أو حين قال إنه سيأتي بغيرهم حين يتولى الحكم. في كل ذلك، لم يطلع الناخب الأميركي ولا العالم على أية مواقف محددة من القضايا العالمية الكبرى ودور أميركا المستقبلي فيها.

الأهم أن كلينتون بدت الأكثر حكمة، طالما ترامب هو منافسها! والأخطر هو أن الإعلام الأميركي، الباحث عن التسلية والترفيه والإعلانات، تقاعس عن البحث والتقصي، فلا أحد يعلم طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط ترامب شخصياً بالقيادات الروسية والتي تجعله يشيد بروسيا في كل مناسبة، ولا أحد يعرف على وجه اليقين طبيعة شبكة العلاقات التي تتمتع بها كلينتون مع دول وشركات عملاقة قدمت أموالا هائلة لمؤسسة كلينتون.