الغارات الأمريكية على دير الزور.. رسائل بالنار.. بقلم: إيهاب زكي

الغارات الأمريكية على دير الزور.. رسائل بالنار.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ سبتمبر ٢٠١٦

بيروت برس
يبدو أنّ الإلحاح الروسي على كشف الإتفاق المبرم حول سوريا، كان محرجًا للولايات المتحدة، خصوصًا بعد إلغاء جلسة مجلس الأمن للتصويت على قرار يتبنى الاتفاق، حيث أنه ليس من المنطق تصويت الأعضاء على ما لا يعرفون كما قال المندوب الروسي، كذلك التكرار الروسي المستمر لتصريحات تقوم بتحميل الولايات المتحدة مسؤولية عدم انجاز ما اتُفق عليه، بالإضافة إلى ما تعتبره أمريكا تعنتًا-إصرارًا-سوريًا روسيًا على عرقلة-تفتيش- شاحنات الإغاثة. ولو أخذنا بعين الاعتبار إمكانية تسرب بنود الاتفاق التي تحرص واشنطن على إخفائها لبعض حلفائها، وبغض النظر عن مصدر التسريب داخليًا عن طريق بعض اللوبيات أو روسيًا، فالأرجح أن الغارة الأمريكية على مواقع الجيش السوري في دير الزور جاءت في هذا السياق، فالولايات المتحدة ترسل الرسائل في عدة اتجاهات من خلال هذه الغارة، رسائل لحلفائها وأخرى لخصومها وأعدائها.
يعتقد الجميع بأنّ الولايات المتحدة في هذه الفترة الإنتخابية غير قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية بحجم قرار حرب، وبناءً على هذه القاعدة يتم تفسير التراجع الذي يشوب سلوكياتها في المنطقة، أو كما يحلو للبعض النفطي تسميته بالتخبط، باعتبار أنّ النفط متزنٌ رصين. وعليه، فالرسالة الأمريكية الأولى هي لأعدائها من خلال هذه الغارة، والتي حتمًا ستضعها الولايات المتحدة في سياق الأخطاء، وبالمناسبة فالأخطاء هذه استراتيجية أمريكية، وغالبًا لا تكون عبثية، وفحوى الرسالة هو عكس السائد عن المرحلة الانتخابية الأمريكية، وأنها ليست مقيدة بل قادرة ومستعدة للذهاب في التصعيد إلى أقصاه، وهو تهديد بالنار ليكف الروس عن إطلاق التصريحات التي توحي بانتصارهم التفاوضي أولًا وتخلي أمريكا عن حلفائها ثانيًا، كما يحمل مضمونها رسالة تهديد للدولة السورية والجيش السوري بعد نشوة الانتصارات، خصوصًا ما صرح به الرئيس السوري في داريا بعد توقيع الاتفاق عن تطهير كل الأرض السورية من الإرهاب، وبعد تصدي الدفاعات الأرضية السورية للطائرات "الإسرائيلية" والإعلان عن إسقاط طائرتين.
أما على مستوى الحلفاء، فالولايات المتحدة ومن خلال إصرارها على إبقاء بنود الاتفاق سرية، وبما يوحي بأن تلك البنود تتعارض كليًا مع أهداف حلفائها دوليًا وإقليميًا، أرادت من خلال هذه الرسالة النارية تقديم جائزة ترضية تدفعهم للاستمرار بسياساتهم الحالية، فليس لهم إلا تنفيذ السياسات وتحقيق المصالح الأمريكية عن جهلٍ أو علم، أما المكتسبات واقتسام الكعكات فلها وحدها، فالسعوديون والأتراك سيعتبرون هذا خرقًا جديًا في سياسات أوباما "التراجعية" يمكن البناء عليها وإعادة إحياء الأوهام القديمة، بإسقاط "النظام والمناطق الآمنة. كما أن اختبار الشرق ليس بالأمر العبثي، حيث يشكل تهديدًا مزدوجًا بداعش لسوريا والعراق معًا، كما أنها رسالة للتنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها وما يسمى بـ"المعارضة السورية" بأن الأمل بالتدخل الأمريكي المباشر لهدم الدولة السورية ما زال معقودًا، وهو الأمل الذي ينتج إصرارًا على مواصلة الإرهاب واستمرار الحرب لحين وصول إدارة أمريكية جديدة للبيت الأبيض، وهذا ما عبر عنه بالأمس رياض نعسان آغا حين قال "لا حل في سوريا إلا برحيل أوباما"، كما أن هذا من شأنه أيضًا عرقلة المصالحات التي تقوم بها الحكومة السورية.
اللافت في هذه الغارة أنه تبعها بشكل مباشر يوحي بالتنسيق هجوم لداعش على المواقع المستهدفة، وهي بكل الأحوال سيطرة مؤقتة ولكنها دالَّة وكاشفة على حجم قدرة الولايات المتحدة على تسخير كل الإرهاب-معتدله ومتطرفه- لخدمة مصالحها، فهذه الداعش وكل أخواتها من نصرة وأحرار وغيرها لولا الدعم الأمريكي المباشر وغير المباشر أضعف من الصمود فضلًا عن البقاء. واللافت أيضًا بيان وزارة الدفاع الروسية، حيث أعاد الغارة إلى خطأ في الإحداثيات وعناد الولايات المتحدة على عدم التنسيق معها، وهذا يدخل في باب التلقين أولًا ومحاولة تسوية الأمر بعيدًا عن مفاعيل اتفاق الهدنة. فالتلقين يعني أن تعترف أمريكا بأنها غارة على الهدف الخطأ، وأن المستهدف هو تنظيم داعش، وهنا ينتهي الأمر وتكون الرسائل جميعها قد وضحت واستلم كل طرفٍ رسالته الخاصة، قد يكون حلفاء أمريكا معتادين على تجرع اهاناتها لهم وبالتالي الاكتفاء بالتهليل وتمنية النفس، ولكن بالنسبة لأعدائها يجب أن تكون رد رسائل النار بالنار ولو بعد حين.
عادة سرية الاتفاقات لا تعني التنصل منها أو عدم الالتزام بها، فهناك اتفاقيات أصبح عمرها نصف قرن وما زالت بعض بنودها سرية، ويلتزم أطرافها بها التزامًا حديديًا، خصوصًا طرفها الضعيف أو المستسلم، فإذا كان لدى الولايات المتحدة نية الالتزام او التنصل لن يعيقها سرية أو علنية الاتفاق، ويبدو أن أوباما أراد تسجيل ضربة وداع للرئيس الأسد، حيث سيسجل في تاريخه أنه قام بقصف الجيش السوري. وعليه، فإنّ تراجعه عن خطوطه الحمراء عام 2013 كانت حكمة وليس ضعفًا، كما يحلو للنفط أن يعتبره أضعف رئيس أمريكي، في حين أنه ليس كذلك. وفي النهاية، فإنّ هذه الغارة تحتاج رسالة بمثلها، وليس مهمًا أن تكون من الجيش السوري بشكل مباشر، فالفدائيون أكثر من أن يعدوا.