جائحة الابتكار ...؟!!.. بقلم: سامر يحيى

جائحة الابتكار ...؟!!.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٩ سبتمبر ٢٠١٦

الابتكار ليس مجرّد اختراع جديد، إنّما إعادة تطوير الموجود، وتحديث هيكليته وفق الموارد المتاحة، والإمكانيات المتوفّرة، والإيجابيات والسلبيات التي تكوّنت لدينا، بما يتناسب مع البيئة المحيطة للوصول للهدف المنشود.
 إذاً الهدف الأساس من الابتكار هو تحقيق الإيرادات الأفضل وزيادة الإنتاج الكفؤ، مما يعني أنّه مفتاح أي عملية تطوير وتحديث وتصحيح نحتاجها، وهي عملية متكاملة متجدّدة، في تخفيف الهدر وخفض النفقات الحقيقية، إضافةً لعصف أفكارٍ مستمر، وإشراك أكبر عدد ممكن من أصحاب الاختصاص الواحد أو المتشابه، للوصول لأسهل وأقصر طريق لتطبيق الفكرة المرجوة على أرض الواقع، مما يساهم بدعم عملية التنمية على مستوى الوطن ككل لا سيّما في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إليه لتطوير قدراتنا ومواردنا وتخفيف الهدر وزيادة الإنتاج وتحقيق الإيرادات لصالح الخزينة العامة للدولة التي ستصب بالنهاية لمصلحة المواطن، واثقين من أن كل مؤسسة هي تلقائياً جزء أساس  ــ مهما كان حجم مشاركتها ضئيلاً ــ في بناء مقومات صمود الوطن وتحقيق ازدهاره وزيادة دخله القومي.
ودائماً نتّهم القطاع العام بأنّه البقرة الحلوب للمصالح الشخصانية، والقطاع الخاص هو الأقدر على الإدارة والإنتاج والابتكار والتطوير، مع أن العكس هو الصواب، فالقطاع الحكومي هو الأقدر على توفير البيئة المناسبة للتطوير والابتكار، وهو المفترض أن يكون الملهم والداعم للقطاع الخاص بل والموجّه له، وليس العكس، لأن عائد القطاع العام للمجتمع ككل، بينما عائد القطاع الخاص لرب العمل، وهنا مسؤولية كل موظّف بالقطاع العام إدراك هذه النتيجة، أن عمله مهما كان بسيطاً له دور في رفع أو خفض الدخل القومي، وواجبه الإبداع وابتكار السبل لتطوير عمله سواءً كان خدمياً أو إنتاجياً، مكتبياً أو ميدانياً، وراء آلة أو وراء طاولة، كي يكون عوناً لبلده لا عبئاً عليها. وكل مؤسساتنا دون استثناء، تستند إلى قواعد وقوانين ونظام داخلي، ومبادئ أساسية تقوم عليها، وبالتالي دورنا ليس  تغيير هذه القوانين، ولا تبديلها، لكن تطويرها وابتكار السبل الأنسب لتطبيقها، لتساهم بتطوير العمل المؤسساتي، لا البدء من الصفر، أو الانتظار السلبي. وباعتبارنا كبشر وننتمي للإنسانية دورنا وواجبنا الالتزام بالقوانين والأخلاق، وعدم الانتظار لكي تفرض علينا فرضاً، أو نجد من يراقبنا لنلتزم بدءاً من إشارة المرور وصولاً للدور على طابور الخبز أو المحروقات وغيرها، أو تحميل المسؤولية للآخر أو الاستهتار بالدور المنوط بنا، كما أنّه من الأهمية بمكان الاستماع لرؤية ودور وفكرة كل موظّف مهما كانت مرتبته في بناء المؤسسة، كونه على احتكاك مباشر مع المواطن، وبالتالي يولد فكرة أكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع، ومن هنا تنبع ضرورة تفعيل دور إدارة العلاقات العامة، والتي هي الحجر الأساس للابتكار وتطوير عمل المؤسسة. 
الابتكار لا يتناقض مع القانون، بل هو الاستثمار الأفضل للقانون، ويساهم بسد ثغرات التهرب من المسؤولية، وتدعيم الأسس والمبادئ التي تنهض عليها كل مؤسسة، والجهة التي تتحمّل المسؤولية الأكبر في توفير البنية التحتية وتشجيع الابتكار، هي المكتب المركزي للإحصاء، باعتباره القادر على توفير المعطيات والبيانات الحقيقية، لا سيما عندما يحصل تواصل وتفاعل حقيقي بين المكتب المركزي للإحصاء والجهات الأخرى للقطاع العام، ولا سيما أنّه من المستحيل أن تجد مؤسسة حكومية لا توجد بها حواسب أو سجلات تدوّن فيها ما يدور فيها، وبالتأكيد المعطيات والبيانات الحقيقية والأساسية لا تتعارض مع السرية والأمن الوطني إن استخدمناها بالشكل الصحيح والصائب والمدروس، فتساهم في دعم صانع القرار، وكذلك تزويد المحللين السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين وغيرهم كل ضمن اختصاصه بالمعلومات الكافية ليستطيع أن يدرك ما هي مصلحة الوطن، وما هو الجانب الذي يجب أن يتناوله، والطريقة التي يجب أن يدلوا بها وابتكار السبل الأفضل في الوصول للمواطن وجسر الهوة بين الحكومة والمواطن، وتلقائياً ابتكار الفكرة الأفضل والأكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع. 
إننا بحاجة ماسّة وجدية لتشجيع الابتكار، والذي لن يكون إن لم تتوفر له قاعدة معطيات وبيانات حقيقية، وأفكار مدروسة منطلقة من أرض الواقع، تربط بين الأكاديمية والخبرة العملية، لا مجرّد أفكار في خيال هذا الشخص أو ذاك بعيداً عن الدراسة الجدية وإن كانت إيجابية الشكل، فكم من السم بالدسم.
الابتكار لا يعني البدء من الصفر، ولا يعني نسف كل الموجود، الابتكار هو تطوير الموجود، وابتكار الطرق والأساليب للتخلص من الثغرات والفجوات، وإزالة السلبيات وتطوير الإيجابيات.. مستفيداً من الماضي ضمن إمكانيات الحاضر للوصول للمستقبل. وأحوج ما نكون لابتكار حلقات نقاش وحوار بين المسؤول وموظفيه، وأخذ العبر، لا إلقاء محاضرات ودروس تنتهي بانتهاء الجلسة.