هدنة أيلول؟ أم حروب الخريف الفاترة؟.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

هدنة أيلول؟ أم حروب الخريف الفاترة؟.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٩ سبتمبر ٢٠١٦

ترسم التوافقات الروسية- الأميركية (أو ما وصلنا منها على الأقل) المعلن عنها في 9/9/2016 حدود المفاوضات الماراتونية التي خاضها الطرفان على مدى الشهور الأربعة الماضية، كما تحدد الموقع الذي كان يقف عليه – وينطلق منه- كل منهما أيضاً، وفي محاولة استقراء تلك الحدود (وتلك المواقع) يمكن لنا أن نلحظ أن الروس كانوا في موقف دفاعي صرف لا ينفك يحاول احتواء الهجوم الأميركي بكل ما أوتي من قوة ولربما هذا وحده هو ما يفسر مجيء اتفاق الهدنة بعيداً عن تطورات الميدان التي كان الحليف السوري فيها قد استطاع تحقيق العديد من المكاسب وكأني بالمفاوض الروسي -كما يتبدى للوهلة الأولى- لم يستطع تحويل مكاسب الميدان إلى نظائر سياسية على طاولة المفاوضات.
قبل أن نحاول أن نجري مقاربة تفضي إلى محاولة فهم الدوافع الروسية التي تكمن وراء ذهاب موسكو نحو توقيع هدنة أيلول لا بد من القول إن الروس وهم في ذروة عاصفة السوخوي كانوا منادين بالحل السلمي ولربما بدرجة أكبر من ذي قبل بل إن الرؤيا الروسية كانت في عمقها تميل إلى الاعتقاد بأن من شأن تلك العاصفة أن تدفع بالمتعنتين إلى طاولة المفاوضات قبل أن تدرك موسكو خطأ حساباتها عندما تأكد لها أن «الغمزة» الأميركية الخضراء التي حصلت عليها للقيام بالتدخل العسكري في سورية لم تكن أكثر من إغراء للولوج إلى المستنقع فتقارير الاستخبارات الروسية تقول إن الدعم العسكري الأميركي (والغربي) للفصائل المسلحة السورية قد تضاعف عدة مرات بعد عاصفة السوخوي عما كان الأمر عليه قبلها وبالتأكيد ليس هذا هو حال من يريد لتلك العملية النجاح.
اندفاع موسكو باتجاه توقيع اتفاق 9/9/2016 تحكمه ظروف عديدة لعل في الذروة منها أن موسكو باتت ترى أن الأزمة السورية مقبلة على تعقيدات أخطر مما هي عليه الآن وخصوصاً بعد التدخل العسكري التركي في الشمال السوري 24/8/2016 والتصعيد الكبير الذي قابل به الأكراد تلك العملية والذي وصل إلى حدود التهديد بالإعلان عن دستور الدولة الكردية في تشرين الأول المقبل ناهيك عن أن موسكو ترجح أن الورقة الكردية قد خرجت من القبضة السورية والأكراد ذاهبون ولو إلى قبض الرياح بعدما قاموا برمي السلة الكردية (بعد أن انتهى البيض كله) في السلة الأميركية ولربما لا يزال الكثير من الكرد يرون أن قاعدتين جويتين أميركيتين (الأولى في الرميلان والثانية في عين العرب والعين الأميركية على الثالثة التي تقول تقارير إنها قد تكون في مطار الجراح غرب الفرات الواقع حالياً تحت سيطرة داعش) وثالثة فرنسية تقع أيضاً في محيط عين العرب أما الرابعة فألمانية وفي المحيط نفسه أيضاً كل ذلك (كما هو الرهان) من شأنه خلق كيان سياسي في الشمال السوري مختلف ومغاير للكيان السوري الأم وهو أمر بحد ذاته يشكل كما يرى هؤلاء نقلة نوعية الأمر الذي يفسر إعلان الـ(PYD) أنهم يريدون فيدرالية ولا يريدون انفصالاً. كانت الحسابات الأميركية تنطلق من أن الروس لن يكون بمقدورهم الإعلان عن فشل المفاوضات مع الشريك الأميركي وخصوصاً أن الوقت قد ضاق ولم يعد هناك أكثر من 119 يوماً لباراك أوباما في البيت الأبيض الأمر الذي يفرض تسارع الخطوات الروسية حتى ولو كانت على حساب التنازل عن مكاسب يمكن الحصول عليها شريطة أن تأخذ وقتها الذي تحتاجه للنضوج، وعلى الرغم من ذلك فإن الروس يرون في الاتفاق مكسباً إستراتيجياً (لهم كما للسوريين) عبر النجاح في جر الأميركان إلى إعلان الحرب على جبهة النصرة (وداعش) وفروخهما حيث تؤكد خرائط السيطرة الميدانية التي يعرضها الروس أن 95% من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة المسلحة هي بيد جبهة النصرة وداعش الأمر الذي يعني أن إعلان الحرب على الفصيلين المذكورين يعني كسر ظهر تلك الفصائل التي لن تستطيع الاستمرار في حمل السلاح بعد غياب الفصائل الجهادية عن الساحة ولهذا الأمر تحديداً (وقد يكون هناك أمور أخرى أيضاً) رفضت واشنطن نشر الاتفاق وأصرت على سريته ضماناً لنجاحه كما تقول، على الرغم من أن هناك شكوكاً هائلة في إمكان فصل الفصائل المسلحة «المعتدلة» عن تلك الجهادية بل في إمكان أن تذهب واشنطن إلى سحق جبهة النصرة لأنها ببساطة تمثل الذراع العسكري الأمضى الذي تمارس أميركا من خلاله نفوذاً ميدانياً على الأرض السورية وإذا ما استثنينا (الجبهة) فإن ذلك النفوذ يصبح هامشياً ودون فاعلية تذكر.
اليوم وبعد مرور أسبوع على البدء بمفاعيل اتفاق الهدنة تبدو الخروقات النارية ليست بالحد الخطر الذي يهدد هذا الأخير وإن كان قد ترنح في اليوم الرابع منه عندما تقدمت 400 شاحنة قادمة من مرفأ مرسين لتخترق الحدود السورية يوم 15/9/2016 ولتنتظر في «منطقة عازلة» لينبري ستيفان دي ميستورا مهاجماً إصرار الحكومة السورية على تفتيش تلك الشاحنات قائلاً إن صلاحيات هذه الأخيرة تقتصر على إعطاء التصاريح وهو موقف تلبسه المبعوث الأممي بدفع خارجي لا يقوم على دراية إذ لطالما كان الروس أو الأميركان هما الوحيدان المخولان لإعطاء تصاريح كهذه انطلاقاً من أنهما هما اللذان قرؤوا الاتفاق بكامل بنوده وملحقاته ولا يفترض أن دي ميستورا قد اطلع عليها بأكثر مما تم تسريبه وبات في أيدي الكثيرين.
أبدى الروس الكثير من علائم التفاؤل قبل الإعلان عن الاتفاق وبعده ولربما في الأمر ما يدعو إليه فهذا الأخير يشوبه حتى اللحظة غموض كبير بينما التسريبات تقول إن الأميركان كانوا قد وعدوا الروس بأنهم لن يتمسكوا بالائتلاف المعارض ولا بوفده إذا ما توصلوا إلى اتفاق معهم وفي كل الأحوال فإن تلك لم تكن فكرة جديدة فقد فكرت واشنطن ومنذ تأسيس قوات سورية الديمقراطية (تشرين الأول 2015) أن تكون هذه الأخيرة بديل الائتلاف بعد توسعتها كما فعلت في 11/11/2012 عندما عملت في الدوحة على توسعة المجلس الوطني السوري ليصبح اسمه الجديد الائتلاف السوري المعارض، من حق الروس إبداء التفاؤل ففي جعبتهم هم معطيات ومن حقهم- كقوة عظمى- التعاطي مع الأميركان والاستمرار فيه مهما أخلف هؤلاء وعودهم أو مهما تمادوا في كذبهم فهم في النهاية يملكون أوراقاً أخرى في جبهات أخرى يستطيعون عبرها تدفيع «مخلفي الوعود والكاذبين» فواتير سلوكهم إلا أن الغريب والذي يثير الدهشة هو في استمرار جوقة المراهنين تردد «لازمة» الاستناد إلى ظهير أميركي قادر على حماية حلفائه على الرغم من أن أيدي ذلك الظهير ما انفكت تسدد الطعنة تلو الأخرى لهؤلاء والمثال القريب (والفاقع) هو في قرار أميركي قد صدر بالتأكيد ومفاده أن البقرة السعودية قد دخلت سن اليأس ولم تعد قادرة على الإنجاب ولا بديل من ذبحها وها هي السكاكين الأميركية تشحذ وإلا فماذا يعني قرار الكونغرس الأميركي (10/9/2016) الذي يقضي بالسماح لأهالي ضحايا أحداث سبتمبر 2001 بمقاضاة السعوديين للحصول على تعويضات تقول بعض التقديرات إنها قد تصل إلى أرقام خيالية (قد تصل إلى 3.3 تريليون دولار) فهي لن تقتصر على تعويضات أسر الضحايا بل ستشمل خسائر شركات الطيران وخسائر مادية ومعنوية ونفسية ولربما تصل إلى دفع تكاليف حربي أفغانستان والعراق لأنهما كانتا من نتاج تلك الأحداث.
يدرك السعوديون أن استخدام أوباما للفيتو ليس أكثر من «بمبونة» في الحلق السعودي الذي بات يعاني الكثير من المرار وهم يدركون أن القرار بعد الفيتو الرئاسي سيرجع إلى الكونغرس وليقر (على الأرجح) بأغلبية ثلثي الأعضاء وفي مطلق الأحوال فإن كلاً من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب مؤيد لقرار الكونغرس فأين المفر؟