أميركا.. هل خدعت روسيا أم باعت حلفاءها؟.. بقلم: سناء أسعد

أميركا.. هل خدعت روسيا أم باعت حلفاءها؟.. بقلم: سناء أسعد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢١ سبتمبر ٢٠١٦

مازالت الحرب بدمويتها وشراستها مشتعلة على الجبهات السورية كافة. مثقلة بقيود الهدنات المتتالية وأوزار المساعدات الإنسانية الكاذبة وحملات القلق والخوف على مستقبل شعب خطط لتدميره بطرق ممنهجة بالخبث والمراوغة.
الخداع هو أكثر ما تعوده الشعب السوري كملحق تكتيكي للهدنة أو أحد بنودها الخفية الذي سيطبق لاحقاً وبشكل حتمي دون غيره. وما شهدته هدنة شباط المشؤومة بإكسسواراتها كافة، خير مثال على ذلك.. ولاسيما أنها سمحت للمسلحين بالتقاط أنفاسهم وتجميع قواهم إضافة لاستعادتهم لتلال العيس وخان طومان.
صار الجميع على يقين مطلق بأن الهدنة ليست إلا شبح الموت المفاجئ الذي سيخيم بظلاله على جسور الإنجازات الميدانية والتقدمات المبهرة التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه. ولاسيما في جبهة حلب التي شغلت العالم كله. بجغرافيتها المعقدة وبصمود شعبها الأسطوري رغم المظلوميات التي ضرجت حقوقهم بالدماء والمآسي…
فلماذا الثقة اليوم بالهدنة الناتجة عن اللقاء الماراتوني بين كيري ولافروف الرجلين اللذين باتا على مقربة كبيرة من دخول موسوعة غينس للأرقام القياسية لكثرة اجتماعاتهما وتشاورهما بخصوص القضية السورية…..
وما الضمانات التي حصلت عليها روسيا بخصوص جدية أميركا ومصداقيتها بتنفيذ بنود الاتفاق والالتزام به وفصول الغدر لا تعد ولا تحصى… حتى حلفاؤها وأتباعها صاروا يوجهون لها اتهامات الغدر والخيانة…
فلماذا إصرار الولايات المتحدة على عدم كشف تفاصيل التفاهم مع الروس وإبقائه سريا على حين يؤكد لافروف ضرورة الكشف عن تلك التفاصيل خشية تحريفه أو بما قد يساعد على استعادة تنظيم جبهة النصرة الإرهابي من ذلك التحريف ودرء خطر الغارات الروسية والأميركية.
بعض وسائل الإعلام الغربية قالت إن هناك في الولايات المتحدة الأميركية من اعتبروا أن الاتفاق الروسي الأميركي هو دليل إحراز روسيا انتصاراً سياسياً ونذير تغيرات سياسية تقلل من دور الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
ومما لاشك فيه وما لا يمكن تجاهله أن الفضل الأكبر في ذلك كله يعود إلى صمود سورية شعباً وجيشاً وقائداً، فلولا ذلك لما كان هناك أساساً مفاوضات ولا اتفاقات أو هدنات.
واشنطن بوست وفي تقرير لها قالت إن التنازلات التي قدمها وزير الخارجية الأميركية جون كيري جعلت الولايات المتحدة شريكا تابعا لروسيا في الشرق الأوسط…
وهنا يمكن الترجيح أن هذا هو سبب إصرار واشنطن على بقاء بنود الاتفاق سرياً.
إما لأنها قدمت تنازلات لا تريد لحلفائها الاطلاع عليها فتظهر وكأنها باعتهم أو لأن هذه التنازلات هي مجرد خديعة لتمرير الوقت وسيتم تحريفها و«مغمغتها» والتنصل منها في حال لم يوصلها الاتفاق إلى مبتغاها الأساسي، البحث عن الحقيقة في مكان ما لا يمكن أن يكون استنادا إلى النيات أو الوعود التي أطلقت شفهيا ويمكن أن تبقى رهينة السطور لأن تطابق الفعل مع القول هو المعيار الوحيد الذي تبنى عليه المصداقية من عدمها……
وإذا ما ألقينا نظرة عامة للمشهد الميداني السوري الذي أعقب توقيع الاتفاق الروسي الأميركي لا نجد أي التزام أميركي على أرض الواقع…. سواء أكان من حيث عدد الخروقات التي وصلت إلى 199 خرقا منذ بداية الهدنة، أم رفض الإدارة الأميركية مطلب دمشق وموسكو بضرورة تفتيش القوافل ما يوحي بأنها قد تكون محملة بالأسلحة وليس بالمواد الغذائية وعلى ضوء تلك الخروقات فإن جميع الفصائل الإرهابية المعتدلة حسب التوصيف الأميركي لا تريد الالتزام بالاتفاق وهذا يعني أن أميركا ليست جادة في تعهداتها التي قطعتها بإلزام فصائلها المعتدلة بالتقيد ببنود الاتفاق….
كما تصرح روسيا وبعناوين عريضة أنه لا يمكن إنجاح أي اتفاق من دون الفصل بين التنظيمات الإرهابية وتلك المصنفة معتدلة أميركيا وهذا جوهر الخلاف مهما ادعت واشنطن أنها تبذل جهوداً مكثفة ترمي لتحقيق ذلك. فالمراوغة الأميركية باتت مكشوفة للجميع وهذا ما يفسره عدد الخروقات وإعلان الفصائل الإرهابية حالة عدم الرضا عن الاتفاق.
فأميركا لم تضعف قوتها وتفقد هيبتها لدرجة أنها صارت عاجزة عن إلزام الفصائل المرتبطة بها بتنفيذ تعليماتها والانصياع لتحقيق رغباتها التي حولتهم إلى وحوش ضارية لا تشبع إلا إذا فتكت ونهشت بجسد الوطن ولا ترتوي إلا إذا سفكت دماء الأبرياء وتناثرت الأشلاء فوق أكوام الحضارة المدمرة….
كما أن الغارات الأميركية التي شنت مؤخراً على مواقع تابعة للجيش السوري في جبل الثردة تحت عنوان الخطأ غير المقصود. تهدف إلى تجويف الاتفاق من مضمونه ولإبقاء سورية ساحة استنزاف لروسيا ومحور المقاومة ولمنعهم من الاستفادة من هدنة أيلول كما هدنة شباط التي ساهمت في القضاء على داعش في تدمر.. ولتمهيد الطريق لداعش للاستيلاء على دير الزور بعد عجزه وحيداً عن إحداث أي خلخلة في صفوف الجيش السوري.. وبهدف إضعاف دور الحكومة السورية في أي مسار للتسوية.. وعدم قدرتها على النهوض اقتصادياً. القول إننا نعود إلى الحالة التي كنا عليها في هدنة شباط من مراوحة في مكان وتعطيل في آخر والاكتفاء في إحصاء عدد الخروقات هو أمر غاية في الخطورة… لأننا نكون قد وقعنا في الفخ الأميركي ثانية.. فإعلان الهدنة كان نتاج حفل من المجاملات وتقديم التسهيلات من كل طرف للوصول لتوقيع الاتفاق الميمون ومن ثم الترقب وانتظار الفرص التي يمكن انتهازها لنيل مكاسب أكثر وهذا الأسلوب يصح اتباعه في السياسة الأميركية كأحد ألاعيبها الماكرة، لكن التسهيلات الروسية لأميركا لم تكن من أجل التراجع عن تنفيذ الالتزامات لاحقا.. ولاسيما بعد المفاوضات الشاقة وحلقات التشاور الطويلة مع إيران والحكومة السورية بأدق التفاصيل وأصغرها حتى لا تكون هدنة أيلول نسخة عن هدنة شباط.
وهذا أكثر ما أغضب حلفاء أميركا وأتباعها، لا يمكن التكهن بنجاح الاتفاق لمجرد التزام روسيا والجيش السوري به وجهودهما المكثفة لتقديم كل ما يساهم في نجاحه..
فالاتفاق لا ينجح إلا إذا كان الالتزام به متبادلاً من الطرفين لكن يمكن التكهن أن الغدر الأميركي هذه المرة الذي بلغ ذروته بأسوأ الطرق وأكثرها ابتذالا في دير الزور سيكون نقطة تحول في مسار الحرب على سورية التي لن تتنازل عن انتصاراتها بهذه البساطة وسيكون الرد الروسي والسوري قاسياً، بحيث يبدو واضحاً تماماً أن الحرب السورية غيرت قوانين اللعبة وساهمت بشكل أساسي في خلق عالم متعدد الأقطاب وتشكيل قوة ردع لا يستهان بها.