صناعة الثيران العرجاء .. بقلم: نبيه البرجي

صناعة الثيران العرجاء .. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦

الرئيس الاميركي ليس المايسترو، ولا تقتصر مهمته على ضبط الايقاع الاوركسترالي داخل الاستبلشمنت وحيث لا مناص من ان تكون هناك آراء، ومصالح، متباينة بل ومتضاربة...
انه الامبراطور، الامبراطور الروماني، وحين اختير رجل اسود للبيت الابيض لم يكن ذلك من اجل عيني( او لون) مارتن لوثر كينغ، او ايللا فيتزجرالد، او محمد علي كلاي، او توني موريسون، وانما لان الادمغة الكبرى رأت فيه الرجل الذي يمتلك كل مواصفات من يفترض فيه انقاذ الولايات المتحدة من ثقافة الكاوبوي..
جورج دبليوبوش، الآتي من تكساس والذي قال فيه توماس فريدمان انه ترعرع بين سراويل الجينز، لم يكن مؤهلا ليدرك ان العالم بات اكثر تعقيدا مما يظن، وان الشرق الاوسط بات اشد هزلا بعدما راهنت واشنطن طويلا على الايديولوجيات الهرمة، ولطالما لعبت او تلاعبت تكتيكيا او استراتيجيا بها..
الاهم من كل هذا انه لم يدرك ماذا تعني اللحظة الفيتنامية  في اللاوعي الاميركي. كل اولئك الجنرالات الذين من الفولاذ بدوا في لحظة ما جنرالات من الزجاج، حتى ان القاذفات العملاقة «ب -52» التي هي احد تجليات الصعود التكنولوجي الصاعق للامبراطورية، كانت تتهاوى كما طائرات الورق على ضفاف الميكونغ...
رائع اندريه فونتين حين قال ان اميركا تقاتل اميركا في افغانستان. هي من اخترعت اسامة بن لادن من اجل ان يطرد السوفييت من هناك ولو من خلال تلك الحمولة الايديولوجية المريعة.
هي من «فبرك» حركة «طالبان» باللباس الابيض لحماية انابيب الغاز الممتدة من تركمانستان الى شمال افغانستان باتجاه المحيط الهندي.
ادارة بوش الابن رأت في تدمير برجي نيويورك اشد وقعا من الليلة اليابانية في بيرل هربور( ومن اجل تلك الليلة عوقبت هيروشيما بالقنبلة الذرية وعوقبت ناغازاكي لانها مسقط هيروهيتو). هكذا دفع الرجل ببلاده الى المستنقع اياه، اي المستنقع الافغاني، الذي لا يستطيع الخروج منه بأي حال...
حتما لم يقرأ ديك تشيني ما قاله امبراطور الصين للرحالة القرشي عقب ثورة الزنج «ان الملوك خمسة اوسعهم ملكا الذي يملك العراق لانه في وسط الدنيا، والملوك محدقة به»، لكنه هو من اوعز الى بوش بأن من يطبق على العراق الذي يتاخم السعودية وتركيا وايران وسوريا والكويت والاردن انما يطبق على الشرق الاوسط، الشرق الاوسط الكبير...
ثمة بين العرب من تواطأ معه وعلى اساس ازالة صدام حسين من العراق، وازالة بشار الاسد من سوريا (وربما لازالة الدولتين معهما). ادارة عمياء. هكذا وصفها جوزف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، هو من تنبأ بالازمة المالية الكبرى عام 2008 بعدما انفقت الولايات المتحدة 3 تريليونات دولار في حربي افغانستان والعراق. كتب «امبراطورية تحفر قبرها بيديها».
باراك اوباما لا يكنّ اي ود لبشار الاسد، لكنه كان يدرك ماذا تعني سوريا بالنسبة الى الاستراتيجية الروسية. قرأ بدقة كلام فلاديمير بوتين، في بدايات الازمة، من ان قواعد النظام العالمي الجديد تنبثق من سوريا...
في جلسة لمجلس الامن القومي سأل اوباما عن البديل في سوريا، ابو بكر البغدادي ام ابو محمد الجولاني، وكان يعلم ان اسقاط النظام يعني اندلاع حرب المائة عام بين تلك الاحصنة المجنونة التي لم تكن اكثر من دمى دموية في ايدي قوى اقليمية يمكن ان تتفق على ازاحة الاسد، لكنها كانت ستخوض الحرب في ما بينها حول من يضع يده على التركة.
 هل يتصور حلفاء واشنطن في الداخل السوري او في الاقليم ان باستطاعة جون كيري ان يعقد صفقة مختلفة مع سيرغي لافروف؟ تسليم بأن موسكو اللاعب الاول في سوريا، وستبقى كذلك، وبعدما انفقت المليارات الهائلة على تلك المعارضات الاصطناعية، حتى ان روبرت فورد لم يتورع عن القول وان مواربة «لا ندري ما اذا كنا نتعامل مع اللصوص ام مع الثوار»...
هذا لا يعني ان اميركا ستتوقف عن اللعب. من يصدق انها اقفلت كل قنواتها مع تنظيم «داعش» (لمن تابع ما حدث في دير الزور) وانها تريد لسوريا ان تعود الدولة القوية والمركزية في الشرق الاوسط؟
الواقع على الارض يظهر اين هي المعارضة واين هو النظام. ريتشارد هاس قال ساخرا من «اولئك الذين راهنوا على الثيران العرجاء». اميركا لا تصنع سوى الثيران العرجاء