عن الصمود السوري والشرق المحتضر.. هل ستحدث المواجهة؟

عن الصمود السوري والشرق المحتضر.. هل ستحدث المواجهة؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أكتوبر ٢٠١٦

 فرنسا – فراس عزيز ديب

ماتَ «حمامة السلام» «شمعون بيريز»، فاجتمعت «حمائمُ السلام» الأخرى في هذا العالم الحر أو مندوبون عنهم ليبكوه. لم يكن ينقص أسرابَ الحمام تلك حتى تكتمل الصورة إلا حمامات سلامٍ من عيار طويلي العمر في مشيخات قطر و«آل سعود» و«أحفاد شخبوط» اللذين يمعنون قتلاً في الشعبين اليمني والسوري، أو «طوني بلير» و«جورج بوش» اللذان قتلا أكثر من مليون عراقي. إياكم أن تيأسوا يوماً مهما بلغ إجرامكم، فقد تكونون يوماً صُنَّاع سلامٍ، ألم يتحول حمَلة «الرايات السود» في تنظيم «النصرة الإرهابي» إلى لابسي «قبعاتٍ بيضاء» في نظر العالم المتحرر فيسعون لإعطائهم جائزة نوبل للسلام؟ لن يكون مستغرَباً أن نالوا الجائزة، فما الفرق بين إجرامهم وإجرام «بيريز»، وبشكلٍ أوسع:
ما الفرق بينهم وبين فئة المستثقفين في هذه الأمة الساعين وراء الجائزة حتى ولو امتطوا جواد التطبيع المقنَّع؟ لا فرق كلّهم في الإجرام واحد، وإن اختلفَت الأدوات، وبالقدرِ الذي نعجز فيه عن إيجاد الدواء الشافي لِهذا العالم الذي يُمعِن في قذارتِه، فإننا حكماً عاجزون عن إيجاد الدواء لمن باع كرامته!
نخطئ إن ظننا أن الجنازة كانت جنازةً لمجرمٍ قد مات، هذهِ الجنازة في النهاية… جنازات.
هي جنازةٌ رسمية لمفهومِ العالم المتحضر والذي جلس ليبكي قاتل الأطفال في قانا وغزة، الذي لازال البعض يقع فريسةً سهلة لأكاذيبه. عالمٌ يدَّعي التحضر، فيجلس ليبكي مجرماً فيما يمنع بقوانينه مجرد التشكيك بالمجازر النازية؟!
هي جنازةٌ رسمية لأي محاولةٍ قادمة لإظهار الكيان بصورته الإجرامية. كيف يمكننا بعد اليوم إقناع الآخر بأن الكيان مجرم و«محمود عباس» جلس ليبكي على زعيمه؟! كيف يمكننا القول للمواطن العربي بعد اليوم إن فلسطين قضيتك، وهو يرى القائمين عليها يبكون على جلاَّديهم؟!
هي جنازةٌ رسمية لمصطلح «التضامن العربي» والذي يصر بعض المسؤولين اللذين نحترمهم على إيرادها في مقالاتهم أو أحاديثهم. لا أحد يريد أن يقتنع أن التضامن العربي والعمل العربي المشترك ماتَا مع دخول «صدام حسين» الكويت، التضامن العربي بدا واضحاً في تدمير سورية وليبيا والعراق واليمن حتى لو كان المولوجون بالأمر لا يمثلون «العروبة» كما يبرِّر البعض، لكن هذا الأمر لا يبدو تبريراً بقدر ما هو «سقطة فكرية»:
إما أن هؤلاء لا يمثلون العروبة وبالتالي العروبة سقطت على المستوى العملي بتكوين حالة رسمية أو شعبية، لكن لن نسمح لها بالسقوط كفكرة، أو أن هؤلاء يمثلون العروبة، وبالتالي عليكم البحث عن بدائل، وبكلا الحالتين فإننا بحاجةٍ لتبديلٍ في التعاطي قبل ضياع الوقت تحديداً أن كل ما جرى من جنازاتٍ هو مقدمة للجنازة الأهم… فما هي؟
قلنا يوم الأحد الماضي أن التصعيد سيرتفع وسيكون على أشدُّه لأننا فعلياً دخلنا في مرحلة مفصلية؛ ليس صحيحاً ما يقوله البعض إن هناك نذُر حرب عالمية قادمة، لأن الحرب العالمية تجري أساساً منذ الفيتو المزدوج الأول للروس والصينيين في مجلس الأمن. بمعزلٍ عن كون السوريين أصحاب «الأرض والجمهور»، فإن ارتفاع حدة التصريحات بين الروس والأميركيين لدرجاتٍ غير مسبوقة له تفسيرٌ واحد هو أن الصدام الآن بين الأُصلاء؛ هذه العبارة قد تزعج البعض لكنه الواقع الذي تفسره الوقائع، فكيف ذلك؟
لا نحتاج للكثير من الذكاء لنفهم أن الروس حزموا أمرهم بعدم التراجع، هذا الكلام لا يعكسهُ فقط التصريحات التي يطلقونها وكان آخرها بالأمس كلام الخارجية الروسية والتحذير من أن استهداف المقرات الرسمية السورية ينذر بتغيراتٍ مزلزلةٍ في الشرق الأوسط، لكن هناك مستجدٌ لابد لنا من فهمه، وهي طريقة التعاطي الروسي مع تسريباتٍ هنا وتسريباتٍ هناك، أو ما يمكننا تسميته «حرباً استخباراتية» تدور رحاها بمعزلٍ عن أصوات المدافع. كمثالٍ على ذلك، الشريط المسرَّب لحديث وزير الخارجية الأميركي الذي يفضح حقيقة ما يريده الساسة الأميركيون، والذي ربما يتجاوز أمنيات «البنتاغون» في شن حربٍ على سورية، لكنه التكامل الذي تحدَّثنا عنه وقلنا إنه ليس خلافاً، فالسياسي يتمنى، لكن العسكري لديهِ المعطيات وهنا الفرق، علماً أن الجميع قرأ الصورة بعد سقوط اتفاق الهدنة بأن البنتاغون أسقطها لأنه يعارض نهج (أوباما- كيري)، ولعل حديث كيري المسرب يثبت عدم مصداقية هذا التحليل، فهل ما جرى هو استكمالٌ لتعرية حقيقة ادعاء الولايات المتحدة بسعيها لإيجاد حلٍ أو كذبها بـ«الحرب على الإرهاب». من جهةٍ ثانيةٍ كيف يمكن لنا أن نفهم التصريحات الروسية عن معرفتهم الكاملة بأماكن عمل المستشارين الأميركيين في حلب «وربما غيرها»؟ هل الكلام الروسي هو اتهامٌ مبطَّن للأميركيين بأن سبب الاستماتة على وقف تقدم الجيش العربي السوري في حلب لا علاقة له بالحالات الإنسانية كما يدّعون، لكنه مرتبطٌ بما تريد الولايات المتحدة إخراجه من هذه الأحياء؟ وبصورةٍ ثانية:
هل حقاً يستحق هذا التقدم السوري في حلب كل هذا الجنون الأميركي أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟
في المقلب الآخر لا يبدو أن الأميركيين اكتفوا فقط بالتصريحات، بل انتقلوا لمرحلة التهديد المباشر، ليس للسوريين فحسب ولكن للروس أيضاً. يعرف الأميركيون تماماً أنهم يمتلكون أهم سلاحٍ في الحروب الناعمة وهو القدرة على التحكم بالجماعات الإرهابية وجعلها تضرب في المناطق التي يريدونها، بناءً عليه كان التهديد للروس في هذا النطاق، لكن هل ينفع تهديد كهذا مع دولةٍ ذاقت أساساً مرَّ الإرهاب مراراً وخبِرَت الوقوف بوجهه؟!
كذلك الأمر فإن الكلام عن أن الخيارات كلها باتت مفتوحة في سورية يعني تماماً ما كنا نكرره دائماً بأن هذه الحرب لا يمكن لها أن تنتهي من مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، هذه الحرب يجب أن تنتهي بوجود منهزمٍ ومنتصر، وإلا فإن كل ما سيبقى سيكون ارتداداً لهذه الحرب، وسيكون أخطر منها، لكن هل حقاً أن الأميركي قادرٌ على الدخول في «كل الخيارات»؟.
إن التهديدات الأميركية للسوريين بما أسموها «الخيارات الأصعب»، تبدو كنوعٍ من رفع السقف لا أكثر، فمنطقياً لا يرى الأميركي نفسه مضطراً للدخول مباشرةً في المواجهة وإن ترك الخيار مفتوحاً، فلجأ لفرضية تسليح ما يسميها «المعارضة المعتدلة» بأسلحة نوعية بما فيها مضاد طيران أو بطاريات دفاعٍ جوي قادرةٌ على الوقوف بوجه الطيران الروسي، وعندما يقول الأميركي هذا الكلام علناً فهذا معناه أن السلاح بات بحوزة الإرهابيين وانتهى الأمر، على الأقل هكذا عودتنا الوقائع فجميعنا يتذكر ما حدث في العام 2013 عند سقوط «خان العسل»، وكيف أوصل الفرنسيون للمجموعات الإرهابية صواريخ «الميلان» المضادة للدروع والتي ظهرت بتسجيلات الفيديو. هذا يعني أن الأميركي سيكون قراره محسوماً؛ لا حرب مباشرة، لكن سيكون هناك ضخ سلاحٍ للمجموعات الإرهابية يضمن التفوق ويضن اشتعال سورية بالحد الأقصى طالما أن الممول والموزع جاهز وهم مشيخات النفط، فما علاقة قانون محاسبة «آل سعود» «جاستا» بذلك؟
منذ وضع تحالف «آل سعود» في الحرب على لائحة مجلس الأمن السوداء، مروراً بمسرحية الانقلاب في تركيا، قلنا إن الحدثين مترابطان لمنع النظامين التركي والسعودي من التراجع في الملف السوري. ليس صحيحاً أن الولايات المتحدة تريد تصفية «آل سعود»، هذه أحلام، المشكلة لدى كل من يبشرنا بذلك أنه لا يعطينا دليلاً واحداً على هذا الكلام، في المقابل هناك عشرات الأدلة على أن مصلحة الأميركيين ببقاء «آل سعود». الأدق أن هذا القانون لا يهدف فقط لشد اللجام على السلطة الحاكمة في هذه المشيخة لكن له أهمية على المدى الطويل، فماذا لو صدر لاحقاً قانون محاسبة «روسيا» وقانون محاسبة «الصومال». إن ما يريده الكونغرس من هذا القانون أمر خطير يتعدى سيادات الدول.
لكن ماذا عن الجانب التركي؟!
لنعترف أن النظام التركي يعيش الآن أفضل أيامه، ففي الداخل حملة تصفيةٍ لا يشبهها إلا حملة الاعتقالات التي تشنها هيئة الأمر بالمعروف في مملكة «آل سعود». أما في الخارج فهو لا يزال قادراً على المناورة و«الكذب»، ولازال هناك من يصدقه، وبمعنى آخر: من الذي ساهم بإعطاء «أردوغان» جرعةً منشطةً بعد أن كان أشبه بالمجذوم المعزول؟
هو لم يكتفِ فقط بالكلام جدياً عن السعي لوصول قوات الاحتلال التركي مصحوبةً بالمجموعات الإرهابية حتى منطقة «الباب»، لكنه تحدث علناً عن انتهاء مفاعيل اتفاقية «لوزان»، أي إن الأمر لم يعد مجرد طموح، الأمر تعداه لما هو أخطر، فماذا ينتظرنا؟
لا تنتظروا كثيراً ما سيتم تداوله في مجلس الأمن حول حلب، ومشروع القرار الفرنسي لن يمر إذا كان هناك ما لا توافق عليه الحكومة السورية، أما التهديدات الأميركية فلن تتعدى فرضية التسليح المباشر للجماعات الإرهابية؛ لأنها إستراتيجيةٌ تحقق لها المطلوب وهو تدمير سورية واستنزاف روسيا. لكن لابد وخلال إكمالنا لمعارك الميدان أن نصغي جيداً لما قاله «أردوغان»، وإلا فستكون الجنازة القادمة الأخطر هي لـ«سايكس بيكو»… ولكن… موته حكماً لن يكون بالطريقة التي يشتهيها شرفاء هذه الأمة…