تحوّل أميركي «هامّ» في السياسة الخارجية.. بقلم: روزانا رمال

تحوّل أميركي «هامّ» في السياسة الخارجية.. بقلم: روزانا رمال

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أكتوبر ٢٠١٦

 ثمة شيء ما يلوح في الأفق المحلي الأميركي يكشف صورة المرحلة المقبلة والهوية الجديدة بل الخصوصية التي يُراد كشفها امام العالم، فهناك امور لم تعد كما كانت في ما يُعنى بالسياسة الأميركية الخارجية بالشرق الأوسط والعالم. واذا أخذت بقعة الشرق الاوسط تحديداً للمراقبة فإنّ التغيّرات الجذرية بين علاقة واشنطن وحلفائها بدأت منذ لحظة نشوء فكرة «الربيع العربي» وتخليها عن رؤساء وحكام تحالفت معهم لأكثر من ثلاثة عقود بدون ان تتقدّم لإنقاذهم فاسحة المجال للشعوب لتقرير مصيرها مع تدخلها السافر في حرف المسار السياسي للثورات جميعها…

تخلت واشنطن عن حلفائها العرب في تونس ومصر بشكل خاص، وربما هذا الأمر كان مفترضاً ان يكون «نقطة الارتكاز والملاحظة» الأساسية لدى باقي الحكومات الحليفة لها في المنطقة من «إسرائيل» حتى تركيا وصولاً الى السعودية وباقي دول الخليج.

التفتت تركيا الى هذا الأمر متأخرة، بعدما استفاقت على واقع خطير كادت تخسر معه هويتها، فالسلطات الاميركية وفرت غطاء أمنيا ولوجستياً وعسكرياً لبناء دولة كردية في شمال سورية، وامنت ما يلزم لاكراد العراق من سبل القوة بعدما اعتبرت تركيا انّ هذا لن يحصل، فواشنطن حليف اساسي لها في المنطقة.

استفاقت تركيا بعد محاولة انقلاب فاشلة وأدارت وجهتها نحو روسيا مجدداً لضمان المحافظة على الحدّ الادنى مما تتمسك به القومية التركية.

لم تبال واشنطن في مرحلة سابقة – منذ حوالي السنة والسبعة اشهر تقريباً – بما سيترتب على توقيع الاتفاق النووي الغربي مع ايران وما يعنيه الانفتاح الاوروبي عليها، والزيارات البروتوكولية لرؤساء فرنسا وايطاليا وغيرها من دول العالم كبداية تحوّل في الوجهة السياسية الغربية نحو ايران. لم تبال كثيرا للخطر الذي ستشعر به حليفتها الاولى «اسرائيل» فتخطت مسألة التهديدات التي تعاني منها تل ابيب او التي رسمت معظمها بخيالها الحربي التوسعي الشامل من افكار كنيات ايرانية باستخدام السلاح النووي ضد اسرائيل، وهو الابتزاز التي استخدمته اسرائيل لعقود في ادارة علاقتها بواشنطن.

الرأي العام الأميركي رحب بالتفاهم ولم يصوت او يجعل القضية الاساسية هي نقض القرار الأميركي الرسمي من الاتفاق النووي الايراني.. فمر الامر مروراً عادياً في واشنطن كما مر قرار مصالحة كوبا بعد خمسين عاماً من القطيعة.

واشنطن لم تبال كثيراً لموقع السعودية في الخليج بعد توقيع الاتفاق. وهي تدرك تماما انّ الرياض تعيش تقلصاً بالنفوذ منذ الحرب السورية بالمنطقة، فكيف بلحظة صعود ايراني علمي وتكنولوجي مع شرعية دولية؟

كل ما كان «خطاً احمر» لم يعد كذلك بالنسبة لواشنطن، كل ما كان يقلق الشارع الأميركي لم يعد كذلك ايضاً، لم يعد هم المواطن الأميركي حماية اسرائيل ومصالحها بل باتت تل ابيب عبئاً على الخزينة الأميركية، لم يعد هاجس الشعب الأميركي منطقة الشرق الاوسط، فهناك امور عديدة بات يتعاطى معها بمنظار آخر. الواقع المعيشي والاقتصادي بدأ يأخذ حيّزاً أكبر من هموم الناس وقد أثبتت هذا استطلاعات الرأي في الحملات الانتخابية لكلا المرشحين دونالد ترمب وهيلاري كلينتون. فالناس يتطلعون لمن سيوفر لهم غطاء معيشياً وفرص عمل جيدة ومَن سيقلل من نسبة البطالة الهائلة ويتطلعون ايضاً لمن يحميهم من «الارهاب».

بات الأميركيون يطمحون الى «الأمن والأمان» وقد سئموا الحروب وداعميها، هذا أهم ما بدأ يتغيّر في واشنطن وهذا أهم ما اخذ الشعب الأميركي نحو تقبل فكرة السلام مع كوبا وتسوية الأوضاع مع إيران غربياً..

تحوّلات لا يفهمها المنطق العربي الخليجي الذي اصطدم اليوم بقرار لجنة «جاستا» التي نقضت قرار الرئيس باراك اوباما. وهو الفيتو الذي كان من المفترض ان يحمي المملكة العربية السعودية من المقاضاة اثر احداث 11 ايلول.

ليست المرة الاولى التي لا تقف فيها واشنطن عند حدود مصالح حلفائها بالمنطقة اذاً وليست المرة الاولى التي تكشف فيها البنية الأميركية عن متغيرات شديدة الدقة وعن رؤية جديدة تجاه حلفائها.

الخارجية السعودية أدانت إقرار القانون الأميركي الذي اتاح لأسر ضحايا هجمات 11 أيلول مقاضاتها للمطالبة بتعويضات، واصفة الأمر بأنه «مصدر قلق كبير».

بعد يوم على التزام المملكة الصمت التامّ، حسبما قال بيانها وهو الصمت الذي يعبر كثيراً عن الصدمة التي تعيشها السعودية بكل ما للكلمة من معنى، تقول الخارجية انّ هذا القرار من شأنه إضعاف الحصانة السيادية والتأثير سلباً على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة. معربة عن أملها في أن يتخذ الكونغرس الأميركي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سنّ ذلك القانون.

قانون جاستا، فريد من نوعه ويقرّ لأول مرة منذ عام 1983، إنه سابقة في عمر السياسة الأميركية الحديثة ان يتمّ رفض فيتو رئاسي من مجلس الشيوخ الأميركي، بأصوات عدد كبير من المجلس وتجاهل حق الفيتو الذي استخدمه الرئيس..

لقد تمّ فعلاً رفض فيتو أوباما..

القرار هذا لن يعني السعودية «وحدها» فهو تحوّل في السياسة الخارجية الأميركية وعلى كلّ حلفائها بدأ من اسرائيل وصولاً حتى الاردن مراجعة الامر عن كثب والسؤال عن «الغطاء الأميركي» لحلفاء المنطقة فالذي جرى يعبر عن تغيّر منهجي بالراي العام الأميركي ثقافياً ونفسياً ولا قوة لأيّ رئيس عليه.