حديث التعاون والحرب بين موسكو وواشنطن.. بقلم: هاني شادي

حديث التعاون والحرب بين موسكو وواشنطن.. بقلم: هاني شادي

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ أكتوبر ٢٠١٦

لقد راهنت روسيا على التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة في سوريا لأسباب عدة، منها تثبيت شرعية عملياتها العسكرية في الأراضي السورية، على اعتبار أنها عمليات ضد الإرهاب. لكن واشنطن، كما يبدو، لا ترغب في منح موسكو هذه «الشرعية»، حيث ترى أن الهدف الرئيس من تلك العمليات هو تثبيت النظام السوري وتقويته في مواجهة معارضيه. الرهان الروسي على التعاون مع واشنطن في سوريا يتصل أيضاً برغبة روسيا في إثبات أنها لا تعيش في عزلة كما تردد الإدارة الأميركية يومياً منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. فالكرملين يُشدد دائماً على عدم إمكانية فرض مثل هذه العزلة أصلاً على روسيا عبر التأكيد على حاجة واشنطن لمثل هذا التعاون في سوريا وغيرها.
من الرهانات الروسية الأساسية الأخرى في هذا المجال، ما يتعلّق باعتبار سوريا بوابة أساسية لإعادة صياغة النظام العالمي لصالح استعادة روسيا قوتها وعافيتها، وبروزها كأحد الأقطاب أو المراكز الرأسمالية العالمية الجديدة. ويمكن ربط هذا الرهان بالخطاب الشهير لفلاديمير بوتين في مؤتمر الأمن بميونخ في العام 2007. ففي هذا الخطاب هاجم بوتين بشدة الهيمنة الأميركية وعالمها أحادي القطبية، داعياً إلى عالم «متعدد الأقطاب». بعد ذلك جاءت الحرب الروسية - الجورجية في العام 2008. وتواكب مع ذلك تعزيز الوجود العسكري الروسي في القوقاز وبلدان آسيا الوسطى السوفياتية السابقة، واليوم في سوريا. لقد لعب اختلاف مواقف موسكو وواشنطن من الأزمتين الأوكرانية والسورية دوراً مهماً في تزايد رهان الكرملين على الدور الروسي العالمي الجديد، في ظل خطر اقتراب القوات الأميركية و «الأطلسية» من الحدود الروسية. ولأن روسيا تُدرك جيداً أن الولايات المتحدة الأميركية ستظل، برغم وزنها النوعي المُتراجع تدريجياً، المركز العالمي الأبرز لسنوات مقبلة، فإنها تُفضل التنسيق والتعاون معها. فالخبراء الروس يؤكدون أن الولايات المتحدة ستبقى «الرقم واحد» اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في أي نظام عالمي جديد. فحصتها في الناتج الإجمالي العالمي مثلاً تبلغ حالياً نحو 20 في المئة، مقابل حصة للصين تصل إلى 13 في المئة، وحصة متواضعة لروسيا تُقدّر بأقل من 3 في المئة.
إن إعلان واشنطن مؤخراً وقف الاتصالات مع موسكو بشأن سوريا، وهو ما يعني وقف اتفاق «لافروف ـ كيري» الذي وُلد ميتاً في التاسع من أيلول المنصرم، أدخل العلاقات الروسية - الأميركية في مأزق خطير، برغم إبقاء الجانب الأميركي على قنوات الاتصال العسكرية مع موسكو لتجنّب وقوع حوادث في الأجواء السورية. وقبل هذه الخطوة الأميركية «الانسحابية» وبعدها، دارت بين الجانبين الأميركي والروسي معركة تصريحات لتبادل الاتهامات، تُذكّرنا بما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة السوفياتية - الأميركية. وما يلفت النظر في معركة التصريحات هذه على مستوى الإعلام الروسي، هو الحديث المتكرّر عن احتمال اشتعال «حرب ساخنة» بين روسيا والولايات المتحدة. ويستند هذا الحديث إلى ما أعلنه البيت الأبيض الأميركي من أنه يدرس إجراءات متنوّعة للردّ على الروس في سوريا، متّهماً القوات الروسية بقتل المدنيين في حلب وتشجيع النظام السوري على مواصلة الحرب. كما يستند حديث الحرب الساخنة إلى نشر منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس ـ 300» في طرطوس، وتأكيد موسكو على أنه لا يُوجد سقف زمني للوجود العسكري الروسي في سوريا، واتهامها واشنطن بدعم الجماعات الإرهابية في الأراضي السورية.
المتابع للإعلام الروسي سيُلاحظ، من دون عناء يُذكَر، وجود فريق من الإعلاميين والخبراء الروس لا يستبعد اشتعال حرب عالمية ثالثة بين البلدين بسبب سوريا. وهذا الفريق لا يستبعد أيضاً استخدام السلاح النووي في تلك الحرب المحتملة. ولكن ثمة فريق آخر يرى احتمال وقوع صدامات عسكرية بين البلدين في سوريا، لكنه لا يقطع بتحول تلك الصدمات إلى حرب عالمية أو واسعة النطاق. فالجنرال ليونيد إيفاشوف، رئيس «أكاديمية القضايا الجيوسياسية»، يعتقد باحتمال نشوب مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا من دون أن يعني ذلك اشتعال حرب عالمية ثالثة. وجهة النظر نفسها هذه يتبنّاها سيميون بوغداساروف، مدير «مركز دراسة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى». فهو يستبعد نشوب حرب عالمية ثالثة، إلا أنّه لا يستبعد أيضاً مواجهات عسكرية مباشرة بين موسكو وواشنطن في مسرح العمليات السوري. أما الخبير العسكري الروسي قسطنطين سيفكوف من «أكاديمية علوم الصواريخ والمدفعية» بموسكو، فيرى أن الأمور لن تذهب إلى مواجهة مباشرة بين موسكو وواشنطن، مرجّحاً أن تلجأ روسيا في حال الضرورة إلى جذب المتطوّعين الروس للقتال إلى جانب القوات الحـــكومية السورية. ومع ذلك يعتقد سيفكوف أن «البنتاغون» في حال نشوب مواجهات مع روســيا يمكنه القــضاء على القوات الروســــية في سوريا ضمن عملية جوية واحــدة خلال يومين أو أكـثر بقليل.
إن التصريحات والآراء السابقة تعكس، من دون شك، الأجواء السائدة داخل روسيا وحديث الحرب المتزايد في وسائل الإعلام الروسية. ويفسر بعض المراقبين الروس تصاعد مثل هذا الحديث الإعلامي بأسباب داخلية في ظل الأوضاع الاقتصادية غير الملائمة حالياً، خاصة أن بعض الصحف الروسية كشفت مؤخراً أن العام الأول للتدخل العسكري الروسي في سوريا كلّف موسكو نحو مليار دولار.
لا شك في أن الوضع حول سوريا بات متوتراً للغاية ويُنذر فعلاً بعواقب وخيمة بين موسكو وواشنطن. علماً بأنه لا يلوح في الأفق أي أمل في تسوية سياسية للأزمة السورية في الوقت الراهن أو في المستقبل المنظور. فالروس يواصلون الحشد العسكري في العلن، والأميركيون يستعدّون في الخفاء. وكأننا ننتظر «عود الثقاب» الذي يمكن أن يُشعِل ما لا تُحمَدُ عُقباه. ومع أننا نعتقد أن آخر ما يمكن أن تصل إليه الأمور يتمثل في الحرب بين روسيا وأميركا، إلا أن الحديث المتزايد عن الحرب يعلو حالياً، كما يبدو، فوق أي تعاون.