التهديدات الأميركية للعالم لا تقل خطرا عن تهديدات الإرهاب الدولي

التهديدات الأميركية للعالم لا تقل خطرا عن تهديدات الإرهاب الدولي

تحليل وآراء

الخميس، ١٣ أكتوبر ٢٠١٦

على الرغم من التصعيد المتواصل حول الملف السوري، وارتفاع حدة التصريحات، إلا أن روسيا لا تزال تعلق آمالا على الحكمة والتفكير السليم.

نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف، خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ7 لمنتدى (شيانغشان) السنوي العسكري حول قضايا الدفاع والأمن في العاصمة الصينية بكين يوم 11 تشرين الأول الحالي، أدلى بجملة من التصريحات المهمة:

– قرار واشنطن تعليق تعاونها مع موسكو حول سوريا، هو “انتصار بطعم الهزيمة”، وأن الطرف الوحيد الذي يستفيد منه هم الإرهابيون.

– موسكو تأمل بأن لا تتخلى الولايات المتحدة تماما عن الوسائل الدبلوماسية لصالح السيناريو العسكري في سوريا، وأن تقوم بتقييم موضوعي لجميع إيجابيات وسلبيات قرارها.

– موسكو طرحت مبادرات للتعامل في عدة اتجاهات، من بينها ضمان أمن عسكريي روسيا والتحالف. ولكن ذلك لم يلق فهما كاملا، وهو ما انعكس في تمسك واشنطن بطرح شروط مسبقة.

– موسكو ستواصل بذل الجهود في محاربة الإرهاب والحيلولة دون تصعيد حدة التوتر في سوريا، بغض النظر عن الاتهامات الباطلة الموجهة ضدها.

– لا يوجد حل عسكري للأزمة في سوريا.

– موسكو لا تزال مستعدة لاستئناف الحوار مع واشنطن بشأن سوريا، ولكنها غير مستعدة لبنائه، إلا على أساس المساواة والاحترام المتبادل.

تصريحات أنطونوف ليست جديدة، ولا تحمل أي مبادرات أو نقلات نوعية. ولكن أهميتها تكمن في أنها صدرت من بكين، وخلال مؤتمر دوري مهم يتعلق بقضايا الأمن والدفاع، وفي أنها صدرت تزامنا مع تواجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة إلى تركيا لبحث قضايا عديدة، على رأسها تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة، وإعادة فتح القنوات التجارية والسياحية، وتوقيع اتفاقية تتعلق بتنفيذ أحد أهم مشروعات الطاقة (السيل التركي)، وتثبيت عدة نقاط بشأن مواصلة العمل على بناء المحطة النووية (الكهرذرية) في تركيا. وإضافة إلى كل ذلك، بحث الملف السوري، لأن تركيا ليست مجرد طرف عابر في هذه الأزمة، بل طرف رئيسي يتحمل مسؤوليات كثيرة، وتقع على عاتقه مسؤوليات أكثر، لا سيما وأن أنقرة دفعت بقواتها إلى داخل الأراضي السورية.

الكرملين لم ينكر وجود خلافات بين موسكو وأنقرة بشأن الأزمة السورية. ولكن المهم هنا، هو الاتفاق من حيث المبدأ على التسوية السياسية للأزمة ككل، وضرورة بذل كل الجهود الممكنة للتعامل مع ما يجري في حلب، وضرورة التنسيق لتفادي وقوع أي أحداث تعكر صفو العلاقات أو تعرضها مجددا إلى عواصف غير محمودة العواقب، والعمل معا على ضمان أمن البحر الأسود في مواجهة أي محاولات أميركية – أوروبية لعسكرته أو تسخين أجوائه.

كل ذلك يدور على خلفية إلغاء لقاء قمة روسي – فرنسي في باريس، لأسباب كثيرة، من ضمنها عدم الترتيب بشكل جيد وبنَّاء لاستقبال بوتين في باريس، وإلغاء بعض الفعاليات من برنامج الزيارة، وإصرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على طرح أجندة لا تتوافق مع الأجندة الروسية ولا تراعي البروتوكولات السياسية والدبلوماسية. وبالتالي، فلن تتحقق تصريحات الجانب الألماني أصلا بعقد قمة لمجموعة “رباعي نورماندي” بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية.

في الحقيقة، كان المراقبون يرون أن أجندة مهمة تنتظر بوتين في لقائه مع هولاند، سواء كان ذلك يتعلق بسوريا أو بأوكرانيا أو بقضايا تتعلق بالأمن الأوروبي. إضافة إلى ما تردد حول إمكانية عقد قمة رباعية نورماندي حول أوكرانيا. أي ببساطة، كان من الممكن أن يلتقي الرئيس الروسي بكل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لملفات عديدة. أي ببساطة يمكن تحريك الملف السوري ومشاريع قرارات جديدة بشأن الأزمة السورية بدون شروط مسبقة أو إملاءات أو معايير مزدوجة، وحلحلة الملف الأوكراني والمضي قدما في اتجاه إقناع كييف بتنفيذ اتفاقات مينسك وعدم الاعتماد على “التسخين” الأميركي و”الخبث” الأوروبي بتوسيع عسكرة النزاع الداخلي في البلاد، لأن ذلك لا يهدد أمن أوكرانيا فقط، بل أمن روسيا أيضا، وأمن القارة الأوروبية بالكامل. ولكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد، وأن فرنسا وألمانيا لا تستطيعان التخلص من الضغوط والإملاءات الأميركية التي تضر ليس فقط بالأمن الأوروبي، بل وبمصالح المواطن الأوروبي نفسه.

وبالمناسبة، فقد أعلن نائب هيئة الأركان الموحدة للمجلس العسكري المركزي الصيني تساي تسزيون، الثلاثاء 11 تشرين الأول الحالي، أن “الولايات المتحدة، عند تنفيذ خطة تطوير نظام الدرع الصاروخي على مراحل في أوروبا، لم تقدم ضمانات قانونية تؤكد أن هذه المنظومة غير موجهة ضد روسيا. إلا أنها تشكل تهديدا مباشرا لأمن  روسيا في الواقع”. وبالتالي، فتصريحات أنطونوف تمتلك أهمية خاصة، كونها صادرة من بكين المرتبطة مع موسكو بعلاقات استراتيجية. هذا إضافة إلى موقف الصين من الأزمتين السورية والأوكرانية، ونشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، والعربدة الأطلسية في اتجاه الشرق، وبالذات في ما يتعلق بتحرك الناتو نحو الحدود الروسية.

هذا الحراك السياسي – الدبلوماسي – العسكري الروسي يشكل خلفية مهمة لتصريحات نائب وزير الدفاع الروسي أنطونوف من بكين، والتي يمد يده من خلالها، مثل كل تصريحات كبار المسؤولين ورجال الدولة الروس، لكي يتم تفادي أي تصعيد من شأنه أن يضر ليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط، وإنما أيضا بمجمل العلاقات الدولية، وما تم التوصل إليه منذ توقف الحرب الباردة. هذا على الرغم منه أن الولايات المتحدة بدأت تعاني من بعض الخلل المنهجي – البنيوي في سياساتها، وطريقة تفكير مؤسساتها السيادية، الأمر الذي يعرِّض العالم لمخاطر وتهديدات لا تقل عن مخاطر وتهديدات الإرهاب الدولي.