طوافٌ بين صنعاء ولوزان.. بقلم: إيهاب زكي

طوافٌ بين صنعاء ولوزان.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١٦ أكتوبر ٢٠١٦

أحداث متزامنة ومتتالية
ترتكب السعودية مجزرة مشينة في صنعاء، وبعد تصوير الأمر كانتصار تسارع للتنصل منه واتهام "الحوثيين"، وجاءت بعشرات المحللين لتفسير الصور واثبات الإفك، بأنها تدل تفجير أرضي وليس قصف جوي، ثم تُستهدف بوارج أمريكية في البحر الأحمر فيتم اتهام أنصار الله رغم نفيهم المسؤولية، تقوم أمريكا برد انتقامي شكلي يستجلب فرحة سعودية عارمة، قبل أن تخبو الفرحة بعد الاكتفاء الأمريكي بهذا الرد، ثم توافق السعودية قاطرة العروبة والقرار المستقل على عودة الوفد اليمني المحتجز في مسقط مقابل إفراج أنصار الله عن أسيرين أمريكيين، وتحالف تحريضي تركي خليجي، يشهر سيف المذهبية دون مواربات، وأردوغان يصبح ويمسي على الشاشات أكثر من شريط الأخبار ذاته، يبشر بحربه المقيتة، وقد أصبحت أكثر نفورًا بعد زيارة ولي العهد السعودي، ثم تقوم بريطانيا بالإعلان عبر سفيرها في الأمم المتحدة، عن سعيها لتقديم مشروع لوقف إطلاق النار في اليمن.

وأيضًا

بعد الحرد الأمريكي ووقف التواصل مع روسيا، ودعوة أوباما لمجلس أمنه القومي للانعقاد ومناقشة خيارات جديدة، قبل أن يتم استثناء الخيار العسكري، وتصعيد في اللهجة الروسية، تدعو الولايات المتحدة لاجتماع في لوزان بحضور أمريكي روسي إيراني تركي سعودي قطري، تشترط إيران بتأييد روسي حضور مصر والعراق فيتم الاستجابة، وحضور أردني متأخر أشبه بالكيد النسوي في إطار  الرد على الشرط الإيراني آنف الذكر، وهذا الكيد في التناول السياسي يسمى "إحداث توازن"، ثم غياب بريطاني فرنسي كان ينقصه إبراز وظيفة هولاند شبه الوحيدة مؤخرًا، وهي التلويح بإرسال حاملة الطائرات "شارل ديغول" للمنطقة، ردًا على التغييب والاستهتار، كما ينقصها دعوة وزير الخارجية البريطاني للجماهير الغفيرة بالتظاهر أمام سفارات كل الحضور احتجاجًا على التغييب، ثم ينتهي الاجتماع دون أي نتائج سوى الاتفاق على مواصلة التشاور والاتصالات، وهذا يعني فشل غير معلن، وهذا الفشل يعني استمرار الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الميدان.

 

شيء من العبث
لو أخضعنا كل ما سبق لهذه الجملة القانونية الرتيبة "على المتضرر اللجوء إلى الميدان"، يعني أن هناك قرارًا أمريكيًا بتزويد الإرهاب في سوريا بأسلحة مضادة للطيران، وحتى لا يصبح الرد الروسي مجديًا، ستقوم الولايات المتحدة بوقف العدوان السعودي على اليمن، باعتبار أنه الميدان الأنسب للرد الروسي، فقد تقوم روسيا بتزويد الجيش اليمني وأنصار الله بذات السلاح، أو أنها ستقوم بوقف العدوان على اليمن لأن هناك حلفًا تركيًا خليجيًا في قالب "سني"، يستعد لافتعال حرب إقليمية من شرر الموصل، وهذا ما يتطلب تفرغًا خليجيًا من خلال تسكين جبهة اليمن، وما مؤتمر لوزان إلا لنزع مسببات الاستنفار الروسي بعد القطيعة الأمريكية، وما الرضوخ الأمريكي للشروط الإيرانية إلا دليلًا على نوايا زيادة الطمأنة، باعتبار أن هدف المؤتمر ليس إيجاد الحلول بل شراء الوقت، وبما أننا في إطار العبث فيجب إيراد اعتراض ما تسمى بـ"المعارضة السورية" على عدم دعوتها للمؤتمر، كممثل للسوريين أصحاب الشأن.

 

ديمستورا الحاضر الغائب
وهذه فقرة استكمالًا لفقرة العبث السابقة، قبل يومين اعترف ممثل ديمستورا رمزي عزالدين برفض "جبهة النصرة" لما يُعرف بمبادرة ديمستورا، والتي تقترح إخراج 900 عنصر من جبهة النصرة من شرقي حلب، بالتزامن مع وقف إطلاق النار وتسهيل عمل المؤسسات القائمة-المعارِضة- دون عرقلة الحكومة السورية، وقبل أن نسأل ديمستورا وطاقمه عن جواز التواصل مع منظمة تصفها الأمم المتحدة بالإرهاب، يجب أن نسأله عن وسيلة التواصل وقنواته، ويجب أن نسأله عن هذا الرقم وطريقة الحصول عليه، كما يجب أن نسأله عن قانونية توفير الحماية الأممية لهذا العدد من الإرهابيين. السؤال الأهم ما جدوى إعادة طرح المبادرة مناقشتها بشكلٍ شبه حصري في اجتماع لوزان رغم رفض النصرة لها، هي الطرف المعني بالحماية، خصوصًا أن روسيا أعلنت ترحيبها بالمبادرة، فلماذا تتم محاولة اقناع طرف أبدى القبول، وهل هذا يعني أن ديمستورا الحاضر في لوزان قد غاب عن حضور المؤتمر الصحفي للناطق باسمه، أم أن هناك خلاف على الرقم 900، فتريد روسيا إضافة صفر له، ديمستورا يصر على رقمه وهذا وجه المزاد، أقصد النقاش.

 

بعيدًا عن العبث
قبل ما يناهز الأربع سنوات إن لم تخنْ الذاكرة، قال محمد  حسنين هيكل، "أن أمريكا عبارة عن قلعة فولاذ هائلة، ويزداد سطحها شروخًا مع مرور الوقت، والحد الأدنى ليس مطلوبًا منا كعرب أن نزيدها شروخًا، ولكن على الأقل ألا نعمل على رتق شروخها"، وهو كان يعني دول النفط العربي وتوابعها بمن يحاولون الرتق سياسيًا واقتصاديًا، ولكن يبدو أن هذه الشروخ أصبحت أكبر من محاولات الترميم، لذلك فإن الولايات المتحدة تدفع بأتباعها للمشاكسات التصعيدية سياسيًا وقانونيًا وميدانيًا، لتحصل على مكتسبات قابلة للصرف على طاولة المفاوضات، ولكنها في لحظة الاقتراب من الاصطدام المباشر تعود لاستخدام المكابح، تمهيدًا لجولة تصعيد جديدة.