اجتماع لوزان ولعبة الأوزان.. بقلم: رفعت البدوي

اجتماع لوزان ولعبة الأوزان.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٧ أكتوبر ٢٠١٦

الاجتماع الماراثوني الذي أنتج اتفاقاً بين الأميركي والروسي في جنيف الشهر المنصرم لم يكتب له النجاح لعدم تمكن الإدارة الأميركية الالتزام بتنفيذ بنوده، وخصوصاً بند الفصل بين التنظيمات الإرهابية ما أدى لإعلان وقف المشاورات بين روسيا وأميركا بشأن الملف السوري على الأثر سادت أجواء مشوبة بالتوتر الشديد بين روسيا وأميركا وذهب البعض للتبشير بقرب اندلاع حرب عالمية ثالثة..
بالتزامن مع الحدث حافظ الجيش العربي السوري على تقدمه على جبهة حلب مدعوماً بغارات روسية نشطة محققاً المزيد من تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية فيها. الرئيس الأميركي طلب الاجتماع العاجل إلى أعضاء مكتب الأمن القومي لدرس الخيارات العسكرية في سورية..
الرد الروسي ترجم على الفور بإرسال أحدث منظومة صواريخ إضافة إلى أحدث القطع البحرية الروسية إلى سورية ترافق ذلك مع نبرة روسية عالية وصلت إلى حد التهديد محذرة أميركا من أي عمل عسكري يستهدف القوات الروسية أو الجيش العربي السوري سيقابله رد مزلزل حتى لو أدى إلى نشوب صدام مباشر بين أميركا وروسيا.
الإدارة الأميركية الراحلة أخطأت بتهويلها العسكري لأنها حَمّلت نفسها أوزاناً أكثر مما تستطيع حَمله..
جُندت وسائل الإعلام والصحافة والمواقع الالكترونية والأمم المتحدة والخارجية الأوروبية والخليجية لشن حملة عنيفة ضد روسيا مترافقة مع تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية عليها من أجل وقف التقدم على جبهة حلب ولحمل روسيا على الموافقة على وقف لإطلاق النار..
روسيا وسورية أبدتا مرونة في مشروع وقف النار شرط انسحاب التنظيمات المسلحة من حلب مع تأمين خروج آمن لهم ولعائلاتهم لأي جهة أرادوها مقابل تصميم على القرار الاستراتيجي باستعادة كامل حلب إلى حضن الدولة السورية.
وهنا أنعشت المفاوضات من جديد بالتوازي مع التقدم الميداني.
أميركا وحلفاؤها فهموا الرسالة السورية الروسية المشتركة أن أي تسوية لا تضمن وحدة الأرض السورية واستعادة كامل حلب لا تعني سورية ولا روسيا تماماً كما صرح الرئيس بشار الأسد إذاً لا بد من وجود وسيلة لتخفيف الأوزان التي حملتها أميركا.
اجتماع لوزان هو بمثابة السلّم الروسي الذي سيسهم في إنزال الأوزان الزائدة التي حملتها إدارة أوباما الراحلة وتحديد الأوزان المسموح لها بحملها وخصوصاً بعد تيقنها من عدم قدرتها على تغيير المعادلة وان جل ما تستطيع هذه الإدارة فعله هو محاولة الحفاظ على الستاتيكو حالياً دون تغيرات استراتيجية تضر بالانتخابات الأميركية بهدف توريثها للإدارة الأميركية القادمة.
ولعل هذا هو مادفع الرئيس الأميركي باراك أوباما لحث فريقه الأمني على مواصلة المشاورات المتعددة الأطراف مع «الدول المؤثرة» لتشجيع جميع الفرقاء على خفض دائم ومستمر للعنف في سورية وايجاد حل سياسي للأزمة.
اجتماع لوزان هو ترجمة واضحة لوجود رغبة قوية بين روسيا وأميركا للحفاظ على استمرار النبض في شرايين قنوات الاتصال بين الطرفين حتى لو أدى إلى إجراء عملية قسطرة لشرايين الاتصال بين البلدين لإبقائها على قيد الحياة وفي أحلك الظروف لأن البديل سيكون وضعاً كارثياً.
هذه الرغبة أدت إلى نجاح المساعي الهادفة إلى توسيع الشرايين بإشراك السعودية وقطر ومصر وتركيا والعراق والأردن إضافة للماكينة الأساس أميركا وروسيا.
مبادرة دي ميستورا ستكون المهمة الرئيسية في لوزان مع الإصرار الأميركي للفوز بموافقة روسيا على وقف لإطلاق النار لتوظيفه في الانتخابات الأميركية إلا أن التعديلات التي أدخلت على مبادرة دي ميستورا ستؤدي حتماً إلى رفضها وخصوصاً البند الثالث المضاف حسب النص الآتي:
«الطلب بعدم المس بالإدارة المحلية للتنظيمات المسلحة وضمان عدم تدخل الحكومة السورية في الوظائف والخدمات والأمن بما في ذلك الحماية الذاتية كما يجب ضمان بقاء الأسلحة المناسبة بيد المعارضة المسلحة إضافة إلى طلب رفع الحصار الفوري عن حلب».
صحيح أن اجتماع الساعات الأربع في لوزان لم يخرج بأي جديد إلا أن أمراً لافتاً وإيجابياً قد حصل إلا وهو نجاح روسيا وأميركا بالجمع بين وزيري خارجية إيران والمملكة السعودية وجهاً لوجه.
مصدر مطلع يقول إن هذا الحدث سيسهم في بناء العتبة الأولى في سلم حلول لازمات في المنطقة..
إن أي تسويات أو حلول تبحث بغياب سورية لن تكون مجدية مهما عظمت أوزان الدول المشاركة في لوزان أو غيرها بين تخفيف الأوزان الأميركية وزيادة أوزان روسيا في المنطقة تبقى سورية نقطة الارتكاز للمنطقة العربية والعالم ومن خلالها تحدد الأوزان الجديدة لكل الأقطاب.