الموصل وخرائط ما بعد التحرير.. بقلم: سنان أنطوان

الموصل وخرائط ما بعد التحرير.. بقلم: سنان أنطوان

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٦

يبدو أن شعار «داعش» الشهير «باقية وتتمدد» بحاجة الآن إلى تعديل ليطابق واقع الحال. فبعد هزائم متتالية في الأنبار وصلاح الدين، تأتي معركة تحرير الموصل التي تدور رحاها الآن. وهي المعركة التي تأخرّت كثيراً، لكن تضافر عوامل وقوى وأجندات إقليمية ودوليّة يصب الآن باتجاه تحرير المدينة والمناطق المحيطة بها من قبضة «داعش» وتحجيم هذه الأخيرة، ولكن دون القضاء عليها كلياً بالضرورة، ولا النجاح في الحد من قدرتها على توجيه ضربات هنا وهناك. وتاريخ وأسلوب «الحرب على الإرهاب» يخبراننا أن هذه المنظمات لا تختفي كليّاً («القاعدة» مثالاً) لأن هذه الحرب إنما تعيد إنتاج العوامل التي تشجّع على ظهور الإرهاب، بل وحصول «طفرات» وراثيّة فيه.
تروي أخبار تقهقر «داعش»، وتحرير القرى والمدن العراقية ورفع العلم العراقي فوق بناياتها، عطش العراقيين الشديد إلى انتصارات عسكرية تعيد شيئاً من ثقتهم المفقودة بدولة تستطيع مؤسساتها، والجيش في مقدمتها، القيام بمهماتها وواجباتها. وتمد أخبارُ التحرير الوطنيين بالأمل وتدعم تشبّثهم بحلم عراق غير مفتّت جغرافيّاً أو مؤقلم طائفيّاً. ولكن بعيداً عن التجييش الإعلامي و «صوت المعركة» الصاخب على وسائل التواصل الاجتماعي، هناك أسئلة وملاحظات لا بد من طرحها. فهناك تضحيات غالية يقدمها الرجال الذين يحاربون «داعش». وهناك الآلاف من المدنيين الذين سيتراوح مصيرهم بين الموت والبقاء أو النزوح. فكيف سيتم تجيير النصر والتحرير، سياسياً؟ وباسم ولمصلحة أي الأطراف والمشاريع؟ قد تكون الموصل والمعارك التي تدور حولها البوصلة الكبرى للمرحلة التي تليها، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار الأطراف المشتركة في المعركة، عسكرياً وسياسياً، بشكل مباشر أو بالنيابة.
المفارقة الكبرى هي أن تبعات معركة الموصل على المدى البعيد قد تكون عكس ما يرومه البعض. إذ قد ترسخ المزيد من التفتيت وتفتح باباً أوسع أمام الأقلمة الرسميّة والتقسيم الفعلي، وإن لم يكن رسمياً. وليس سرّاً أن لُعاب الكثيرين من «النخبة» السياسية يسيل منذ سنوات للاتجاه نحو أقاليم طائفية للأرباح التي تدرّها. وإنشاء إقليم «سنّي» كهذا في شمال البلاد أو غربها سيكون ذريعة لإنشاء إقليم في وسطها وجنوبها. لقد تغيّرت ديمغرافية الموصل ومحافظة نينوى كثيراً في السنين الماضية، خصوصاً بعد احتلال «داعش» وقيامه بتهجير مئات الآلاف. وباستثناء بعض المشاهد المصوّرة خصيصاً للاستهلاك الإعلامي، والتي تظهر عودة عدد محدود من العوائل إلى المدن المحرّرة، ليس في التاريخ القريب ما يدعو إلى الأمل بخصوص عودة المهجّرين إلى مدنهم وقراهم ووجود مشاريع إعادة إعمار، بل إن النازحين هم ضحايا التهجير والتطهير الإثني والعرقي مجدّداً اللذين تقوم بهما «البيشمركة» كما تشير الأخبار القادمة هذه الأيام من كركوك. وكانت حكومة إقليم كردستان قد استغلّت الحرب ضد «داعش» لتتمدّد وتزيد مساحة الأراضي التي تسيطر عليها منذ 2014 بنسبة 40 في المئة، والأمر مستمر في سهل نينوى. والأخير هو أيضاً موضع محتمل لتنفيذ مشروع يتم تداوله منذ سنوات لإقليم للمسيحيين. والخديعة في مشاريع الأقاليم هي أنّها تشجّع على مزيد من التهجير وتمنع، مثلاً، مسيحيي الموصل، من العودة إلى مدينتهم، بعدما منحتهم بديلاً في مكان آخر!
هزيمة «داعش» هي الهدف الذي يخفي حدة صراعات ستظهر بقوة بعد التحرير، وستكون الموصل مسرحاً لها. شبح برلين!