حَدَث لبنان مرآة لسورية القوية.. بقلم: رفعت البدوي

حَدَث لبنان مرآة لسورية القوية.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٧ نوفمبر ٢٠١٦

يبقى الحدث الأبرز على الساحة اللبنانية والعربية هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد تعذر إتمام عملية الانتخاب وفشل انعقاد جلسة الانتخاب المخصصة في المجلس النيابي اللبناني لأكثر من 45 جلسة والإبقاء على الشغور في سدة الرئاسة لأكثر من عامين ونصف العام نظراً لطبيعة الاختلافات والمتغيرات الإقليمية التي تنسحب وبسرعة على الداخل اللبناني وهذا عائد لارتباط بعض الأحزاب والتيارات السياسية بسياسات ومحاور تابعة لدول إقليمية ودولية يطمح كل منها لتسجيل انتصار سياسي أو عسكري يكون معززاً لوجوده وكاسراً لفرض الإرادات التي تعودنا عليها.
وبما أن المنطقة تشهد صراعاً إقليميا ودولياً تتنافس فيه الدول الكبرى لتنفيذ أجندتها ومشاريعها للاستيلاء على ثرواتنا النفطية والسيطرة على الجغرافيا التي تؤمّن مد أنابيب لجرّ الغاز أو الجغرافيا التي تمتلك مخزوناً من الغاز في البر أو البحر فكان لا بد من إشعال الحروب في منطقتنا العربية وإحداث الفراغ الكبير من خلال تعطيل أو تدمير الدولة ومؤسساتها السياسية منها أو العسكرية في الدول العربية واستعمال شعبنا العربي وقوداً لتلك الحروب بهدف زرع الفوضى والخراب والوقوع في التيه الذي لن يستفيد منه إلا أعداء الأمة العربية وفي مقدمهم العدو الإسرائيلي.
رغم هذه الصورة الضبابية فجأة انقشعت الرؤية المحجوبة من غيوم ملبدة كانت في سماء منطقتنا وبسرعة تمت الدعوة لانعقاد جلسة رقمها 46 في المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للبنان.
انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية ليحمل لقب الفخامة منهياً هذا الفراغ في سدة الرئاسة ليسكن في القصر الجمهوري من جديد.
الكثير من السياسيين في لبنان والعالم أثنى على هذا الحدث ما يشكل مظلة يمكن أن تقي لبنان من التشرزم والفراغ في المؤسسات الرسمية لتنتظم دورة الدولة ولو شكلياً في مواجهة المخاطر والصعاب الناتجة عن زلازل المنطقة المرتقبة.
بعض السياسيين أو الحزبيين في لبنان من الذين رحبوا في إنجاح عملية انتخاب رئيس للجمهورية أطلق على الانتخاب لقب صنع في لبنان مئة بالمئة أي بمعنى آخر أن حدث انتخاب الرئيس جاء نتيجة توافق لبناني لبناني بينما الصحيح هو أنه حدث لحصول متغيرات في السياسة الإقليمية والدولية نتيجة للمتغيرات العسكرية في كل من سورية والعراق واليمن إضافة إلى تغيير واضح في سياسة جمهورية مصر العربية تجاه المملكة العربية السعودية وتقارب مصر من سورية على الصعيدين الأمني والسياسي ما شكل ضرورة ملحة في إعادة رسم خريطة التحالفات السياسية والعسكرية بعد أرجحية في كفة الميزان تصب لمصلحة سورية ومحور الممانعة والمقاومة الذي بات واضحاً للعالم ما أسهم بوجوب سلوك درب التوافق الإقليمي والدولي وما سمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان.
ماذا يعني انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان؟
صحيح أن انتخاب شخص العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في هذه اللحظة الإقليمية لم يكن حدثاً عادياً أو عابراً ولا يصرف في الداخل اللبناني فقط بل إنه جاء ترجمة واضحة لنجاح تحالف العماد ميشال عون مع محور المقاومة والممانعة ما يعني وبشكل واضح أن الرهان على صمود سورية منذ البداية كان رهانا صائباً ما سبب بقلب المعادلة وترجيح كفة الميزان لمصلحة سورية ومحور المقاومة مقابل انحسار المشروع الغربي الأميركي الإسرائيلي الخليجي في المنطقة العربية.
هناك من بدأ المطالبة بتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية بتطبيق سياسة النأي بالنفس وخصوصاً عن الأزمة السورية وهذا أمر مضحك ومبك في الوقت نفسه لأن هناك من لم يزل يعتبر أن لبنان يعيش في كوكب آخر أو أن لبنان عبارة عن جزيرة نائية عما يدور في محيطه العربي ومن هنا ستكون نقطة الانطلاق للعهد الجديد بالاعتراف بأن لبنان بات المقياس لتقلّب الموازين في سورية والمنطقة.
منذ بدء المحادثات السورية في جنيف عام 2014 كان لي لقاء مع شخصية بارزة تعتبر مرجعاً مهماً في سبر أغوار أحداث المنطقة واستكشاف المستقبل القادم، أتذكر يومها جرى الحديث بيننا عن مستقبل سورية والمنطقة فالتفت قائلا إن لبنان هو مرآة تعكس قوة أو ضعف سورية لأن سورية القوية ستحدد مستقبل المنطقة برمتها…