بانتظار سقوط جدار برلين آخر.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

بانتظار سقوط جدار برلين آخر.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٨ نوفمبر ٢٠١٦

 صام سلاح الجو الروسي خمسة عشر يوماً انتهت 4/11/2016 وفي أعقابها تمّ تمديد الهدنة لعشر ساعات أخرى كان من المؤكد أنها أعطت مفاعيل عكسية لتلك المرجوة منها، ظهر ذلك عبر آلاف «البوستات» التي علّق بها ناشطون معارضون وبعضهم قياديون، ومفادها أن كثرة «الإرجاء» هي بالتأكيد مؤشر على معطيات أخرى غير معلنة، في أتون الهدن المتكررة لم ينقطع قصف المدنيين ولا الهجوم على مواقع الجيش السوري الذي صدّ حتى 3/11 الهجوم الخامس من نوعه وإن كان هذا الأخير هو الأعنف على محور ضاحية الأسد- الأكاديمية العسكرية- مناشر منيان، ليتم الإعلان عن بدء المرحلة الثانية من الهجوم التي أطلق عليها «غزوة أبو عمر سراقب» بينما التحضيرات حالياً جارية لإطلاق المرحلة الثالثة التي قد لا تنطلق وهي إن انطلقت فلسوف تكون تحت اسم ثالث مغاير لما سبقه.

في فكر السلفية الجهادية تعمد هذه الأخيرة إلى تغيير شعاراتها أو أسماء معاركها تبعاً للنتائج المستحصلة منها بمعنى أن التغيير كلما كان سريعاً كان ذلك اعترافاً أكبر بالهزيمة «وللأمر دلالاته المعنوية والنفسية» ففي خلال عشرة أيام «بدءاً من 28/10» تم إطلاق ثلاث تسميات على معركة واحدة هي فك الحصار عن المسلحين في أحياء حلب الشرقية.
كان تغيير الأسماء أيضاً مرتبطاً بتغيير في الإستراتيجيا ففي المرحلة الثانية اختارت الفصائل المسلحة الهجوم من غرب حلب بعد إعلان غربي حلب منطقة عسكرية على الرغم من أن هذا الطريق هو الأطول وهو بالتالي أكثر احتياجاً لعديد المقاتلين ولكمّ الأسلحة والذخائر المستخدمة، بينما الإيجابية الوحيدة له هي في إمكانية أن تتفادى تلك الفصائل الضربات الجوية على اعتبار أن ذلك الطريق مأهول سكانياً بكثافة كبيرة سوف تربك سلاح الجو أو تجعله أمام سقوط ضحايا مدنيين.
فشلت غزوة أبو عمر سراقب كما فشلت سابقتها ملحمة حلب الكبرى وتمكن الجيش السوري من استعادة العديد من النقاط التي خسرها وخطوط دفاعه الآن باتت على أطراف مشروع 1070، وما كان لافتاً هو السرعة التي تقدمت بها وحدات الجيش في اختراق مواقع المسلحين ولربما تعكس تلك الحالة ترهل تلك الفصائل التي باتت مستنزفة بدرجة كبيرة بعد تلقيها العديد من الضربات الموجعة التي كان أعنفها في معارك الكليات «28/8- 4/9» التي أدت إلى خسارة وحدات من النخب برمتها، الأمر الذي أضرّ بدرجة كبيرة بقدرتها على التحشيد وهو ما تعكسه حالات تجنيد الأطفال للقتال، وفي مواقع الهجوم كان أحد تداعيات المعركة الأخيرة أنها أسقطت آخر ورقة توت عن الفصائل «المعتدلة». ففي أعقاب نزاع نشب بين «نور الدين الزنكي» وبين «كتائب أبو عمارة» التابعة لـ«استقم كما أمرت أي للجيش الحر» أعلنت هذه الأخيرة انضمامها إلى أحرار الشام في بيان أصدرته 4/11 في مؤشر يؤكد أن جميع الفصائل المسلحة الصغيرة تعيش في حماية الفصائل السلفية، على حين أن إعلان ذلك- من عدمه- هو أمر يتعلق بوجود أعداء متربصين بتلك الفصائل أم لا، ومن التداعيات أيضاً كان انشقاق الأسترالي أبو سلميان المصري المعروف بمصطفى فرح مسؤول جبهة النصرة للإعلام الأجنبي والعضو في شورى جيش الفتح 5/11 في مؤشر يؤكد حجم الغليان الذي تعيشه تلك الفصائل بينها وفي داخل الفصيل نفسه في كثير من الأحيان.
بات من الجائز القول الآن إن حظوظ التسويات باتت وراء الظهر وهو ما يؤكده تصريح الرئيس الأسد في حديثه مع الصحفيين الأميركان والبريطانيين والمحليين 31/10 الذي قال فيه إنه «يستبعد أي تغييرات سياسية قبل تحقيق الانتصار» الأمر نفسه عاد وأكده سيرغي شويغو في اليوم التالي وفيه نعى هذا الأخير الجهود السياسية، مضيفاً إن المفاوضات مؤجلة إلى «أجل غير مسمى» وفي الآن ذاته بات مصير الفصائل المسلحة في أحياء حلب الشرقية محكوماً وفك الحصار بات أيضاً أمراً مستحيلاً، وهو ما تدركه العديد من الفصائل المسلحة، وهذا التناقض مع آخرين يريدون التمسك بمواقعهم من المقدر له أن يزيد في سرعة انهيار تلك الفصائل في حال تعرضها لهجوم كبير كذاك الذي تنتظره حالياً والذي يؤكده العديد من المؤشرات منها تكامل مشهد الحشود الروسية ولا إعلان عن قطع أخرى قادمة تستوجب الانتظار، ومنها أن الأمم المتحدة كانت قد أجلت موظفيها من حلب إلى دمشق مؤخراً ثم جاءت زيارة رئيس هيئة الأركان العماد علي أيوب إلى حلب 6/11، وجميع ما سبق يؤكد أن هجوم الجيش بات وشيك الوقوع.
بانتظار حدوث ما هو منتظر، يبدو أن العديد من المواقف الدولية يشوبه الغموض، فالأميركان يلتزمون الصمت الذي يحمل على أحد وجهين، الأِول هو أن القرار الأميركي فعلاً يعيش حالة الشلل الذي تفرضه الانتخابات الرئاسية، أما ا لآخر وهو الراجح فيتمثل في إمكان وجود تنسيق أميركي- روسي فيما يخص معركتي الموصل وحلب، أما السعوديون فانكفاؤهم متوقع ومن الممكن أن يكون الحدث اللبناني 31/10 (وصول العماد ميشيل عون إلى قصر بعبدا) خطوة أولى في رحلة انكفاء ستطول، على حين أن الصمت التركي ذو طابع آخر مختلف فهو يشمل حلب فقط في الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على إنشاء بعشيقة سورية، وفي تفاصيل الخبر الذي نشرته صحيفة السفير اللبنانية في عددها الصادر 1/11 أن الجيش التركي يعمل على إنشاء قاعدة عسكرية دائمة له (لم تتحدد طبيعتها) بعد أن تم اختيار الموقع في قرية الزيارة «جنوب بلدة الراعي في ريف حلب الشمالي»، وهو أمر إذا ما ثبتت صحته فإنه ينفي عن تلك العملية التي تنفذها تركيا في الشمال السوري أي ذريعة ومن أي نوع كانت، وخصوصاً أن أنقرة ما انفكت منذ أسابيع تعمل على حشد المزيد من قواتها في مواجهة الحدود العراقية بذريعة التدخل لحماية «السنّة»، والغريب أن تلك الحميّة التركية لم تظهر عندما اجتاح «داعش» مدينة الموصل العراقية 10 حزيران 2014 وهذا أمر لا يقرأ إلا على أحد محملين، إما أن هناك تواطؤاً بين أنقرة وبين «داعش» مباشراً وهو شديد التنسيق بين الطرفين وإما أن أردوغان كان آنذاك بانتظار شيء ما سوف يحدث وعندما طال انتظاره من دون جدوى قرّر استغلال الأحداث الجارية حالياً، فما هو ماضٍ إليه هو التسعير لحرب طائفية في المنطقة لا تبقي ولا تذر، والخطر في الموضوع أن بعض الفصائل العراقية تستجيب لذلك المسعى، وبمعنى أوضح تبدو مستعدة للوقوع في الفخ أقله فيما هو ظاهر في التصريحات النارية التي تعقب تهديدات أردوغان، وفي حال تحولت «تلك التصريحات» إلى واقع على الأرض فإن ذلك سوف يكون خطأ حسابات كبيراً ولسوف يكون خطأ إسترايتجياً قاتلاً إذا ما نفذت قوات الحشد الشعبي العراقية تصريحات بعض قادتها حول إمكان عبورها للحدود السورية العراقية وهي إن فعلت فستكون قد ارتكبت خطأ كبيراً، فعدا أن ذلك سوف يشكل ذريعة تركية للتدخل في كل من سورية والعراق وهذه المرة بطريقة مختلفة عن «درع الفرات»، فهو سيكون بمنزلة صب الزيت على النار الطائفية التي تحاول أنقرة إضرامها في المنطقة لأنها ترى في تلك النار السبيل الوحيد الباقي لتحقيق مكاسب ما انفكت تنتظر الوقت المناسب لجنيها على مدى ما يقرب من السنوات الست.
الوطن