دروس وعبر أميركيّة.. بقلم: سمير العيطة

دروس وعبر أميركيّة.. بقلم: سمير العيطة

تحليل وآراء

السبت، ١٢ نوفمبر ٢٠١٦

صدمة، زلزال، كارثة ومرادفات كثيرة رافقت انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. للإشارة كان المخرج مايكل مور قد تنبّأ بذلك بالإضافة إلى بعض مراكز الأبحاث.
المفاجأة الحقيقيّة كانت قبل ذلك، وهي في نوعيّة حوارات الحملة الانتخابيّة ومدى تدنّيها بعيداً عن السياسة، أو بالأحرى عن السياسات. كم كان المناخ مختلفاً عن الحملة التي أتت بباراك أوباما كأوّل رئيسٍ أميركي من أصولٍ أفريقيّة إلى سدّة الرئاسة. وكم غابت السياسات، من طروحات وبرامج جريئة تهمّ المواطن الأميركيّ وتبعث الأمل بنقلة نوعيّة عمّا ساد الشعور أنّه لا يمكن له الاستمرار به. أملٌ جسّده شعار «نعم نحن نستطيع Yes we can» الذي لم يجد له مثيلاً حقيقيّاً لدى كلا المرشّحين.
بل ساد انتقادٌ شعبويّ، ومحقّ في بعض الأوجه، لكلّ وجوه الصلف في المنظومة السياسيّة القائمة مقابل دفاع ضعيف عن مكتسبات سابقة. وبالنتيجة، وللأسف، فقدت سيّدة فرصتها لتكون أوّل رئيسة في التاريخ الأميركيّ.
لكنّ هذه الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة سيكون لها أثرها الطويل الأمد في معنى السياسة لدى الأميركيين. للتذكير، كان بيرني ساندرز مرشّحاً يعلن صراحة أنّه يتبنّى أفكاراً اشتراكيّة وحصل من جرّاء ذلك على شعبيّةٍ كبيرة. وشكّل ذلك سابقةً في تلك الدولة التي لطالما ناهضت إيديولوجيّاً حتّى أفكار الاشتراكيّات الديموقراطيّة الأوروبيّة. بالتوازي جاء مرشّحاً من أوساط الأعمال التي كانت تموّل أصلاً السياسيين بسخاء، ليفرض نفسه بقوّة على أوساط السياسة الأميركيّة. هكذا يكتشف الأميركيّون، تحت وقع مرارة الصدمة، أنّ السياسة اليوم هي بكل فجاجة حملات إعلاميّة و «لوبيات»، وليست نضالات جماهيريّة وصراعات على برامج وحول سياسات.
وستكون لهذا الأمر انعكاساته حتّى على أوروبا التي فقدت في العقود الأخيرة ذلك المعنى الأساسيّ للسياسة الذي كانت قد اكتسبته منذ عصر الأنوار. وربّما سيستعيد الأميركيّون تاريخ نضالاتهم من أجل الحقوق المدنيّة، ويستفيدون من التجارب الديموقراطيّة في دولٍ أخرى. وبأنّه يُمكن، عبر النضال المدنيّ، إسقاط قرارات حكومة حتّى لو كانت منتخبة ديموقراطيّاً. وربّما كانت التظاهرات الرافضة، أميركياً، لنتائج الانتخابات بوادر ذلك. وأنّ المناطق، الولايات في أميركا، يُمكن أن تناهض بقوّة ما يتمّ فرضه على المستوى الفدراليّ. كما يحدث اليوم بين كاتالونيا في اسبانيا أو اسكتلندا في المملكة المتحدة.
وهناك درسٌ أعمق وأكثر دلالة أنتجته هذه الانتخابات. فإذا كانت الولايات المتحدة تحتجّ على التدخّلات الخارجيّة ـ الروسيّة تحديداً هنا ـ فما بالنا بالبلدان الأخرى، وخاصّة البلدان النامية ـ والعربيّة في ما يهمّنا أكثر ـ التي ليست لها تجارب ديموقراطيّة راسخة. وكيف يُمكن عزل الصراع السياسيّ الضروريّ فيها حول البرامج والسياسات عن المال والإعلام وأجهزة المخابرات الخارجيّة، وألاّ يتحوّل الأمر الداخليّ إلى صراعات بين أجندات دول أجنبيّة؟ تساؤلات عسيرة برسم العولمة وبرسم كلّ من يتنطّح للعمل في الشأن العام.
من الصعب أيضاً التكهّن كيف ستتحوّل سياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربيّة في «عهد ترامب». كان العرب قد هلّلوا في السابق لانتخاب جورج بوش الابن، فيما أتى هذا الرئيس بأكبر كارثة عليهم وهي تدمير الدولة العراقيّة وإطلاق العنان للصراعات المذهبيّة والعرقيّة وبروز «داعش». ويكفي هنا التذكير بمشهد الطريقة التي أعدم فيها الرئيس صدّام حسين والتي أعفانا منها الرئيس باراك أوباما في ما يخصّ مصير بن لادن.
هناك إذاً احتمالات عديدة تلوح في الأفق. لا يتّضِح منها، في الواقع، سوى عداء كبير لدى الفريق الرئاسيّ الجديد تجاه كلّ التنظيمات الإسلاميّة المتطرّفة. وربّما لا يفرّق هذا الفريق كثيراً بين السنيّة والوهابيّة والشيعيّة منها. ذلك بعيداً عن هويّة مخططي ومنفّذي اعتداءات 11 أيلول التي صدمت الأميركيين كأوّل هجومٍ في التاريخ على أرضهم البعيدة