هل ستنتصر سورية؟.. بقلم: عمر معربوني

هل ستنتصر سورية؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

السبت، ١٢ نوفمبر ٢٠١٦

بيروت برس -

بموضوعية، واعتمادًا على قواعد التحليل العلمي وليس انطلاقًا من العواطف، أكتب هذه المقالة في مرحلة شديدة الحساسية لا تحتمل البروباغندا وتحتاج الى الكثير من الواقعية في توصيف الواقع، وسؤالي الذي يتصدر هذه المقالة كعنوان لها هو السؤال الطبيعي للإجابة على الكثير من الأسئلة المرتبطة بهذا الصراع الدموي المستمر منذ خمس سنوات ونصف السنة، صراع انهك البشر ودمّر الحجر سُفكت فيه الكثير من الدماء وستستمر لفترة ليست بالقريبة للأسف.

في المرحلة الأولى من انطلاق الحرب على سوريا، كان فريق الهجمة يأمل أن يُسقط الدولة السورية ومؤسساتها خلال فترة وجيزة على أن تُترك سوريا بعدها فريسة للتناحر بين مئات الجماعات ضمن نمط الفوضى الدائمة، بحيث يتم ضمان استمرار الإنقسام ما يؤمن للكيان الصهيوني اطول فترة من الأمان بعد ان أصبحت سوريا العائق الوحيد امام مخطط تقسيم المنطقة وتفتيتها. ولهذا كان لا بد من اخضاع سوريا إما بإتفاقية على غرار اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة واوسلو، او من خلال العمل على تدمير الدولة السورية عبر ادوات من داخل سوريا نفسها وعشرات الآلاف من التكفيريين الذين تم جلبهم الى سوريا فيما بعد.

نحن الآن في قلب المواجهة والتي ستأخذ أشكالًا وآليات جديدة في المرحلة القادمة انطلاقًا من:
1-    إنّ من أطلق هذه الحرب وهي اميركا بشكل اساسي لا تخضع سياستها الخارجية للمتغيرات الناتجة عن تغيير في شكل السلطة، إلّا بما يتعلق بتفاصيل السياسة الخارجية وليس عناوينها الأساسية، وعليه فإني أتبنى وجهة النظر القائلة باستمرار اميركا بقيادة الهجمة رغم فوز دونالد ترامب برئاسة اميركا، حيث من المؤكد اننا سنشهد تغييرًا في السلوك وليس في الأهداف، وقد علّمتنا التجربة الطويلة مع اميركا أنّ ما يقال خلال الحملات الإنتخابية لا يُطبق منه إلّا القليل. ففي اميركا الكثير من الجهات والهيئات المؤثرة في رسم السياسات ومنها السياسة الخارجية، حيث لم نشهد خلال الخمسين عامًا الفائتة اية متغيرات في علاقة اميركا بالكيان الصهيوني، وكذلك في النظرة الى قضية فلسطين والموقف القديم لأميركا بالنظرة الى المنطقة، وما تشكله من رأس سهم لمنظومة النهب الدولية، وكل هذه العوامل تعني في مكان ما اننا على وشك الدخول في مرحلة صراعية مختلفة وليس انهاءً للصراع.

2-    المواقف المتشددة لكل من تركيا والمملكة السعودية واستمرارهما في تقديم الدعم السياسي والمالي واللوجستي للجماعات الإرهابية، وهو أمر سيستمر لفترة طويلة رغم رهان البعض على تغيير في السياسة الأميركية على مستوى العلاقة بين اميركا وكل من تركيا والمملكة السعودية. فقد اثبتت التجربة ان البنتاغون بشكل اساسي ومنظومة شركات النفط والأسلحة هما الجهتان اللتان تتحكمان بآليات العلاقة مع الدول، والى وقت ليس بالقليل ستبقى السعودية على رأس قائمة زبائن شراء الأسلحة الأميركية، وستبقى تركيا رغم الكثير من التناقضات مع اميركا عضوًا في حلف الناتو وحاجة جغرافية لأميركا للضغط على دول الجوار وخصوصًا الإتحاد الروسي.

3-    استمرار وجود الجماعات الإرهابية في مناطق اساسية من سوريا كأرياف حلب وادلب والمنطقة الشرقية، وهو ما يستدعي وضع اولويات ميدانية لحسم المعارك وانهائها، ما يحتاج الى الوقت والصبر بما يتناسب مع حجم الإمكانيات المتاحة على المستوى البشري وعلى مستوى العتاد والإقتصاد بشكل اساسي. ومن هنا تكتسب معركة حلب اهمية قصوى كونها تشكل احد اكبر مناطق الإنتاج، اضافة الى ان انهاء معارك حلب سينقل المعركة الى منطقة الثقل الإرهابي في ادلب وشمال حماه، وهي المنطقة التي ستعتمد عليها تركيا اكثر في مرحلة ما بعد تحرير حلب والتي اراها وشيكة ومحسومة، وهي معركة تدخل مرحلة اللمسات الأخيرة قبل انطلاقها بشكل كبير. وهذا يعني ايضًا انه على الدولة السورية ان تُنهي ايضًا ما تبقى من معركة الغوطتين الشرقية والغربية للتحضر لخوض معركة المنطقة الجنوبية التي سيكون للسعودية اليد الطولى بها.

وجوابًا على السؤال "هل ستنتصر سوريا؟؟"، وانطلاقًا مما تقدم في عرض وقائع الصراع في المرحلة القادمة، يمكننا القول إنّ سوريا وحلفاءها يدركون تمامًا طبيعة المتغيرات، وهو ما يعني ترتيب اولويات الميدان بالشكل الذي ذكرته بحيث تنتقل المواجهة الى الأطراف بعد تأمين منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة، بحيث يتم توفير فائض بشري لخوض معارك الأطراف وحسمها واطلاق آليات اعادة البناء في المدن الكبرى ومحيطها، وبشكل اساسي حلب والغوطتين كأهم مركزين اقتصاديين في سوريا خرج اكثر من 90% من مؤسساتها خارج الخدمة بعد تعرضها للدمار والسرقة من قبل الجماعات الإرهابية.

إنّ عودة حلب والغوطتين لكنف الدولة سيشكل اولوية في المرحلة القريبة القادمة وسيساهم في ترتيب اولويات المواجهة كما ذكرنا في مناطق الأطراف، وسيكون عاملًا مهمًا في دفع عملية الحل السياسي عبر امكانية تسريع المصالحات والتسويات، والتي اذا ما حصلت في احياء حلب الشرقية ستكون نموذجًا فاعلًا يمكن استخدامه في الغوطة الشرقية واكثر من منطقة في القلمون الشرقي ووادي بردى. إلّا أنّ العمل العسكري برأيي سيتصدر المرحلة القادمة، وهو ما تستعد له سوريا وكامل محور المقاومة لتأمين الإنتصار الكامل الذي ينطلق من موازين القوى التي تميل بتسارع ملحوظ لمصلحة الدولة السورية وحلفائها.