انتخاب «ترامب» والحرب على سورية: هل علينا أن نتفاءل؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

انتخاب «ترامب» والحرب على سورية: هل علينا أن نتفاءل؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

تحليل وآراء

الأحد، ١٣ نوفمبر ٢٠١٦

 في مطلع أيلول الماضي، وفي مقال بعنوان «أردوغان في ضيافة الأسد.. هل هذا ممكن؟»، قلنا في خاتمة المقال: إذا كان الجميع الآن يبني على فرضية أن «كلينتون» هي الرئيس القادم، فماذا لو حدثت المفاجأة؟

في أكثر من مناسبة كررنا فكرةَ أن «ترامب» ليسَ مجرد ظاهرة صوتية ستنتهي بانتهاء الانتخابات وإعلان فوز «هيلاري كلينتون»، بل إن ظهور الحالة «الترامبية» هو سياق طبيعي لحركة التاريخ. ربما لم يكن أشد المتشائمين بمعسكر «كلينتون» يتوقعون هذا السقوط المدوي، ولا حتى أشد المتفائلين بمعسكر «ترامب» يتوقعون هذا النجاح اللافت لخطابه الفجّ وأهدافه المعلنة التي أدخلتهم في متاهات واتهامات كانوا في غنىً عنها، لكن اللافت أيضاً أن الضحية الأبرز في هذا السياق السياسي هو المواطن الأميركي الذي بات عليه أن يختار بين من لا يريدهم كخيار، لكن هل هذا التخبط مرهون فقط بالداخل الأميركي؟

في حزيرانَ الماضي قال الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند»: إنه يعتبر انتخاب «ترامب» أمراً خطراً، لكنه قبل أيام من الانتخابات أقحمَ نفسه بطريقة أكثر بدائية بالشأن الانتخابي الأميركي عندما قال: (نتمنى أن تكون هي وليس هو). إن إقحام «هولاند» ومستشاريه لأنفسهم بهذه الطريقة في مصير الانتخابات لدولة بحجم الولايات المتحدة، بدا وكأنه نتيجة منطقية لأمرين:
الأول، وقوعهم في فخّ نتائج استطلاعات الرأي «مسبقة الدفع» التي كانت وحتى قبلَ ساعات من الانتخابات ترجّح فوز «كلينتون»، بمعنى أن هناك من كذبَ الكذبة وطلبَ من الجميع أن يصدقوها بمن فيهم الحلفاء. أما الثاني فيمكننا الحديث عنه من خلال إسقاطه على أحد الأمثال «السورية»، أي «العرس في واشنطن والطبل في القارة العجوز»، فكيف ذلك؟
ربما أن ابتسامة زعيمة اليمين المتطرف «مارين لوبين» العريضة بعد إعلان فوز «ترامب»، والهجوم العنيف الذي شنته «السوشيال ميديا» على إحدى القنوات الرسمية الفرنسية التي قررت استضافتها للتعليق على نتائج الانتخابات تشي لنا بالكثير، بأنه الطوفان الذي لا يبدو أنه سيرحَم أحداً. لم تكن مصادفة أن جميع المرشحين للانتخابات التمهيدية في الأحزاب الفرنسية لنيل بطاقة العبور نحو السباق الرئاسي بمن فيهم «ساركوزي» أعلنوا تأييدهم لـ«كلينتون»، هو كابوس ما يسمونه «المد المتطرف»، الذي لا يبدو أنه سيرحم أحداً بما فيهم «الوحدة الأوروبية»، لكن ماذا عن «الوحدة الأميركية»؟
في تعليقه المقتضَب بعد إعلان النتائج، قال الرئيس الأميركي «باراك أوباما»: إنه يتمنى أن يحافظَ «ترامب» على وحدة الأراضي الأميركية. ربما يكون الأمر مجردَ عبارة قالها «أوباما» في لحظة ألم لما آلت إليه نتائج الانتخابات. لكن من الممكن أيضاً أن يكون الأمر تقاطعاً لمعلومات يمتلكها الرئيس ولا يمتلكها غيره، تحديداً أن تخويف الشارع الأميركي لهذه الدرجة ليس في مصلحة أحد بمن فيهم معارضو «ترامب» لأن عبارة كهذه أو مثيلاتها من قبيل «عدم أهلية ترامب لاستلام الشيفرة النووية»، كلامٌ يصلح لمرحلة ما قبل التصويت وليس لما بعده. هذه التخوفات «الأوبامية» مصحوبةٌ بالكثير من الكلام عن رغبة بعض الولايات بالانفصال، وما تلا إعلان النتائج من تظاهرات هنا وهناك رافضة لوجود «ترامب» في البيت الأبيض، ربما يغذي الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة دخلت فعلياً فصل «الربيع» على طريقة «الشرق الأوسط»، لكن هذا الأمر ربما يدخل حالياً في إطار التمنيات لا أكثر من دون نفي إمكانية حدوثه، بمعنى آخر:
الربيع الأميركي ربما قادم، لكنه ما زال بحاجة إلى حدث أكبرَ من مجرد انتخاب «ترامب» رئيساً، قد لا نقحم أنفسنا باستقرائه، لكننا نستطيع أن نستقرئ من حركة التاريخ بأن سقوط الإمبراطوريات يبدأ بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الخلخلة قد لا يكون الحاكم وحده المسؤول عنها، لكنها قد تدفع الأمور نحو انفجارات أكبر، فهل تتدارك الإدارة الأميركية الجديدة الأمر وتبدأ بإعادة ترتيب أولوياتها، بما في ذلك الحروب غير المباشرة التي تشن الآن على سورية واليمن والعراق وليبيا، أم إن السباحة في بحر دماء الأبرياء في هذا الشرق المتهالك هي هواية يتقنها أي رئيس أميركي أياً كانت توجهاته وأساليبه المتبعة؟
خلال حملته الانتخابية أو في الخطاب الذي تلا إعلان فوزه، كان كلام «ترامب» عن العلاقة مع روسيا وما يتعلق بالحرب على سورية مثيراً للاهتمام، بل يمكننا القول إن كلامه اتسم بالواقعية المطلقة التي كانت ولا تزال إدارة الرئيس المنصرف «أوباما» تحاول الهروب منها. من جهة ثانية هناك تخوفات كبيرة بأن كلام الحملات الانتخابية شيء، والممارسة العملية شيءٌ آخر. هذا التخوفات تبدو عملياً مسوغة، فـ«فرانسوا هولاند» مثلاً قال يوماً في حملته الانتخابية إنه «لن يصافح أي دكتاتور»، وبعد وصوله للرئاسة، لم يكتف فقط باستقبالهم بل أصبح ضيفاً دائماً على «مضارب طويلي العمر». هذا الكلام لا يمكن تطبيقه على «ترامب» لأسباب كثيرة أولها طبيعة الناخب الأميركي الذي قد يستند في الكثير من اختياراته إلى مشروعات السياسة الخارجية للمرشح، بعكس الفرنسي الذي يمارس سلبية مطلقة بحالات كهذه، ولكي تتضح الصورة أكثر فإننا نتذكر التظاهرات التي عمت المدنَ الأميركية بسبب الحرب على العراق، هل شاهد أحد منا تظاهرة ما في فرنسا مثلاً ترفض التدخل في مالي أو ساحل العاج وليبيا؟ لعل أهم ما يميز «ترامب» أنه كان واضحاً في خطاباته وأهدافه، لم يمارس أبداً حتى في أدق التفاصيل ومنها ما يتعلق بما يسمونها «العنصرية بحق المهاجرين» أي خداع، هذا الخطاب الصريح يعطيه نوعاً من الأريحية في التعاطي مع القضايا المهمة.
النقطة الثانية أن خيارات «ترامب» في تحديد عناصر إدارته ستوحي لنا بالكثير من ملامح مشروعاته القادمة، فالحديث مثلاً عن تعيين «جون بولتون» -الغني عن التعريف والمؤسس للقرار 1701 المشؤوم بمشاركة بعض اللبنانيين الذين باتوا فجأة رمزاً للصمود والتصدي… والمقاومة!!- بدا وكأنه مجرد تسريبات لا أساس لها، تحديداً أن هذا المنصب هو الأهم، ويكتسب أهمية خاصة لرسم ملامح السياسة الخارجية الأميركية، وآليات التعاون الدولي في الملفات المعقدة فهل يحق لنا أن نتفاءل؟
ربما يرى البعض أن «ترامب» بالنهاية ليسَ سياسياً، بل هو رجل «بزنس» وهذا يعني أن حسابات الربح والخسارة ستكون أساسية في تحديد موقفه تجاه ما يجري في سورية وتطوير التعاون مع الروس كشركاء. أي إنه سيبدل أولوياته في سورية من محاربة «داعش» والإرهاب إلى محاربة الدولة السورية عندما يشعر أن ميزان الربح سيصب في مصلحته بمعزل عن المصلحة السياسية للولايات المتحدة. لكن لو أردنا البناء على هذا الأمر لوصلنا إلى تحليل آخر ينطلق من مقولة شهيرة: إن «رأس المال جبان»، وكلمة جبان لا تشمل فقط الخوف من الخسارة، بل تشمل أيضاً تأمين مقومات الربح التي تستند في الأساس إلى وجود الأمن والسلم، أما في السياسة فيبدو أن «ترامب» سيكسر القاعدتين الأساسيتين التي سارَ على كلّ منهما الديمقراطيون بما يسمى «الحرب الناعمة» أو الجمهوريون بما يسمى «الحرب المباشرة»، لينتقل جدياً نحو أهم الحروب في عصرنا التي يتقنها تماماً، إنها «الحرب الاقتصادية»، والصين هي الهدف القادم وليس روسيا، فماذا ينتظرنا؟
يجب أن يرتفع منسوب التفاؤل، لكن في الوقت ذاته علينا أن نعترف أن المرحلة الانتقالية حتى استلام الإدارة الأميركية الجديدة ستكون عصيبة جداً، فالديمقراطيون كانوا يبنونَ على فرضية أن كلينتون ستكمل ما بدؤوه، اليوم كل شيء تبدل، وأمامهم ما يقرب من ستة أسابيع لاستدراك كلّ شيء أو ارتكاب أي شيء بما فيها الحماقات، فهل حقاً قد يجازفونَ بحماقة ما لا يستهدفون فيها فقط «سورية كدولة»، لكنهم سيضعونَ الروس أمام خيارين، إما الرد وبالتالي توريث «ترامب» مسبقاً صداماً مع روسيا ينزع عنهما أي فرضية تعاون مستقبلية كما كان يروج «ترامب» خلال حملته الانتخابية، ولاقاه بوتين في منتصف الطريق، أم إن الروس في هذه الحالة سيمارسون نوعاً من الانضباط لأنهم ومنذ أشهر يبنون إستراتيجيتهم على أن «ترامب» هو الرئيس القادم؟
المؤكد أنهم وبعكس «صغار السياسة» بنوا إستراتيجيتهم على هذا الأساس لرسم ملامح المستقبل، أما في هذه المرحلة الانتقالية فإن أي شيء يجري لن يكون أسوأ مما جرى، ومن صمدَ لسنوات لن تعييه هذه الأسابيع إلا أن كنا نشك في أن أحد ملامح قبول الأميركي بالهزيمة هو خروج «كلينتون» ومشروعها التدميري في الشرق البائس من الواجهة السياسية… أليس انسحاباً تكتيكياً لا يشبهه إلا انسحابات مرتزقتهم التكتيكية في المناطق التي احتلوها في سورية؟ لندع الأيام تثبت ذلك.