ترامب والديموقرافاشيّة.. بقلم: سنان انطوان

ترامب والديموقرافاشيّة.. بقلم: سنان انطوان

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٥ نوفمبر ٢٠١٦

تساءلت في هذه الفسحة قبل فترة عن احتمال فوز ترامب ودخول أميركا عصر الفاشيّة. فاز ترامب والمناخ مهيّأ لصعود الفاشيّة. وستقتضي هيمنتها تغييرات مؤسسية لن تكون يسيرة وستواجهها مقاومة عنيفة. لكن ذريعة الحفاظ على الأمن القومي والسوابق والآليات التي وفّرتها الحرب على الإرهاب في زمن بوش يمكن أن تُستغل بسهولة لتغييرات خطيرة لم تكن في الحسبان. تنبئ قائمة الأسماء التي رشحت لاستلام أهم المناصب في إدارة ترامب إلى الآن بواحدة من أكثر الحكومات يمينية وعنصرية في ماضي البلاد القريب. كما أن سيطرة «الجمهوريين» على الكونغرس ستسمح لترامب باختيار اثنين من قضاة المحكمة العليا في البلاد لشغل المقعد الذي أُخلي بوفاة سكاليّا ومقعد آخر بعد تقاعد متوقّع لأحد الأعضاء. وستترك قرارات محكمة عليا مكدّسة بغلاة المحافظين آثاراً سلبية طويلة المدى اجتماعياً وسياسياً.
دشّن الكثيرون عهد ترامب باعتداءات وممارسات عنصريّة وبكتابة شعارات ورسم صلبان معقوفة وتوجيه رسائل احتقار وتهديد ضد الأقليّات من السود والمسلمين واللاتين. وقد سُجِّل عدد منها في جامعات النخبة ومعظم طلابها من عوائل غنية. بالمقابل، خرج الآلاف في عدد من المدن الأميركية في شرق البلاد وغربها متظاهرين لخمسة أيام متتالية ضد ترامب معبّرين عن رفضهم لسياساته وما يمثّله.
في تموز من العام الماضي حذّر كيث إليسون، وهو نائب «ديموقراطي» في الكونغرس عن ولاية مينيسوتا وأول مسلم أسود انتخب إلى الكونغرس (العام 2007)، حذّر حزبه من احتمال فوز ترامب، وحثّ «الديموقراطيين» على الوقوف ضده والاستعداد له بجديّة. لكن مضيفه في البرنامج، جورج ستيفونابولس، وهو من النخبة الإعلامية وكان من مستشاري بيل كلينتون قبل انتقاله إلى الإعلام المرئي، ضحك بصوت عال وشاركته الضحك خبيرة أخرى. وكان مايكل مور، المخرج اليساري والناشط المعروف، قد توقّع هو الآخر قبل أشهر احتمال فوز ترامب. أذكر هذين المثالين لأنّهما الاستثناء والنقيض لسواد النخبة الإعلامية الذي كان مؤمناً بفوز كلينتون ومرجِّحاً له.
كشف فوز ترامب، من جديد، الهوة بين خطاب الإعلام النخبوي الليبرالي، التابع لكبريات الشركات والمتمركز على الساحلين والمدن الكبرى من جهة، وبين شرائح كبيرة ومهمّة في وسط أميركا وأريافها، تتصّف بكونها، عموماً، أقلّ دخلاً وتنوّعاً (عرقيّاً) وأكثر محافظة. وهي تستقي معلوماتها إمّا من قناة «فوكس» اليمينية أو من وسائل التواصل الاجتماعي. وليست هذه، خلافاً لما يظنّه البعض، فضاءات مفتوحة، بل تقطنها مجموعات تتناقل الأخبار نفسها وتشاهد الصور ذاتها وتفصل بينها وبين مجموعات تختلف عنها في ميولها الثقافية/السياسيّة وموقعها الاقتصادي جدران إلكترونية وآليات الحظر وخوارزميّات (آلغوريتمات) تحدّد مسبقاً ما يستهلكه المرء. وينطبق هذا علينا جميعاً.
نزع معظم المحلّلين والمعلّقين لإرجاع (واختزال) فوز ترامب إلى عامل واحد فقط: الوضع الاقتصادي (الطبقة)، أو العنصرية (العرق)، أو حتى الذكوريّة. والأرجح هو تفاعل هذه كلها (لماذا يتجاهلون تداخل وتقاطع العرق والطبقة؟) وعوامل أخرى. هبط مستوى المشاركة في الانتخاب بين «الديموقراطيين» وامتنع كثير من الذين اشتركوا عن اختيار مرشّح رئاسي. لم تحسّن فترة حكم أوباما شيئاً في الأوضاع الاقتصادية لأولئك الذين كانوا متضررين قبل قدومه. ومثّلت كلينتون، التي تلفّعت بعباءته، الوضع السائد والنخبة الطرشاء التي لا ترى ولا تسمع أصوات الخاسرين اقتصاديّاً والغاضبين من المؤسسة السياسيّة. وكان الغضب ساطعاً ومكلفاً لا لكلينتون وجناحها في «الحزب الديموقراطي» فحسب، بل إن آثاره قد تطالنا جميعاً أينما كنّا.