هل دونالد ترامب هو رونالد ريغان جديد؟

هل دونالد ترامب هو رونالد ريغان جديد؟

تحليل وآراء

الجمعة، ١٨ نوفمبر ٢٠١٦

كتب الاقتصادي فلاديسلاف إينوزيمتسيف مقالاً نشرته صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” حول نجاح ترامب المفاجئ، ويسأل: أي أميركا تسلَّمها الرئيس الجديد؟ وبمَ سينتهي هذا للجميع؟

في الأيام الأولى، التي تلت النجاح غير المتوقع لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حاول المعلقون في روسيا والعالم تفسير: لماذا فشل المحللون في توقعاتهم؟ وما هو حجم التحول الذي حدث في السياسة الأميركية؟ والآن آن الأوان للنظر في هذه المسألة من دون استرسال في العاطفة.

لنجاح ترامب عدة أسباب، جميعها تسمح بالحديث عن انتخابه رئيسا للبلاد كحادث مفاجئ تماما. ففي الولايات المتحدة تتعمق الهوة بين الغالبية والأقلية، كما بين الأغنياء والفقراء، وبين “طبقة العولمة” وطبقة الغالبية التي لم تغادر البلاد قط. واليوم تتحكم نسبة واحد في المئة من الأغنياء بـ 44.5 في المئة من الثروات الوطنية، وهذا أعلى من مؤشرات مطلع القرن العشرين. وخلال الفترة التي تلت أزمة (أعوام 2009 – 2015)، كان نصيب واحد في المئة من الأغنياء من الأرباح أكثر من نصف الدخل الحقيقي للبلاد. كما أن الملاحظ هو “تهميش” الطبقة الوسطى، حيث إن أجور ساعات العمل في الواقع أقل من تلك التي كانت سائدة في أواسط سبعينيات القرن الماضي.

وهذا التشرذم بدأ يظهر في السياسة الأميركية حيث تعمق الشرخ بين المحافظين والليبراليين، مع أن دعمهم لمرشحيهم لمنصب الرئاسة متعادل تقريبا. فالجمهوريون يحصلون على الأصوات من انتقادهم للحريات الممنوحة لأنواع مختلفة من الأقليات. أما الديمقراطيون، فيحصلون على الأصوات بواسطة برامج الدعم الاجتماعي للفقراء واللاجئين. ولكن، نتيجة لذلك بلغ العجز في مجال التأمين الصحي فقط 475 مليار دولار. وهذا هو الثمن الذي تدفعه أميركا في مجال الضمان الاجتماعي. لذلك بلغ التفاوت بين المرشحين الرئيسين في الانتخابات خلال 16 سنة 3 في المئة. أي لا يمكن اعتبار فوز ترامب في الانتخابات أمرا طبيعيا. إن التوازن في المجتمع هش جدا، بحيث أن محاولة الرئيس الجديد إعادة النظر فيه سيعبئ ملايين المواطنين الذين يحصلون على المساعدات الضرورية من الدولة، وستوقفه عند حده في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات.

كما أن منافسته في هذه الانتخابات هيلاري كلينتون لم تكن بالمستوى المطلوب، حيث حصلت على ترشيح الحزب بعد جهود جبارة. فشعبيتها في المجتمع منخفضة مقابل فضائح لا تعد ولا تحصى. كما يجب ألا ننسى خصوصية أسلوب حملتها الانتخابية الذي لم يسبق أن استخدمه سابقا ساسة الولايات المتحدة الذين لا يميلون إلى الشعبوية. ولكن هذا لا يعني بدء “عصر” الشعبوية ومناهضة العولمة في الولايات المتحدة، بل وهذا لا يعني أن موجة مماثلة سوف تنتشر في العالم أجمع. ولكن يبدو أننا سنلاحظ موجة معاكسة تماما.

فمن جانب، سيختلف الرئيس ترامب عن المرشح ترامب، حيث سيسمح الجمهوريون خلال السنتين الأولى والثانية من رئاسته لأنفسهم بالعديد من الأمور بقدر حجم الشعبوية المسموح بها للرئيس في الولايات المتحدة، ولكن من دون أن ينتشر ذلك وسط الخبراء والساسة. وإدارة ترامب ستُشكل من أشخاص أقل ميلا إلى التصرفات الفاضحة منه، لذلك لن يكون هناك توافق بين الكلام والأفعال.
كما لا يتوقع حصول تغير واضح في السياسة الخارجية، في حين أن البرنامج الاقتصادي للرئيس (بخاصة سعيه للضغط على الصين وضمان زيادة إنتاج موارد الطاقة في الولايات المتحدة) سيؤديان إلى انخفاض أسعار النفط. ويحتمل أن ينتهج الجمهوريون المحيطون بترامب نفس نهج رونالد ريغان.

ومن جانب آخر أرعبت ظاهرة ترامب القوى المعتدلة ليس فقط في الولايات المتحدة بل وفي العالم كله. لذلك سوف يخرج الديمقراطيون باستنتاجات مهمة من كل ما حدث. ومن غير المرجح إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية (خاصة أن أزمة اقتصادية دورية ستحدث خلال ولايته). كما أن فوز ترامب ليس من مصلحة الأحزاب القومية في فرنسا وألمانيا، وليس مستبعدا أن نرى مرحلة تشكيل ائتلاف واسع للأحزاب المعتدلة في أوروبا يقف في مواجهة كل من يحاول استغلال نموذج ترامب في حملته الانتخابية