الانتخابات الرئاسية في فرنسا: هل بعثر الأسد مرشحي اليمين؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

الانتخابات الرئاسية في فرنسا: هل بعثر الأسد مرشحي اليمين؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦

إذا تم انتخابي فسأتحالف مع «بوتين» و«ترامب» ضد الإرهاب»، عبارةٌ بدأت فيها مرشحة اليمينِ المتطرف «مارين لوبين» حملتها الانتخابية للوصول لمنصب رئاسة الجمهورية الفرنسية. في واقعِ الأمر يبدو كلام «لوبين» استمراراً للسياقِ العام الذي يسير فيه «حزب الجبهة الوطنية» في تعاطيهِ مع الأحداث التي تضرب شرقنا البائس بذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أما في الطرف المنافس، فلم يكن مستغرباً أن يطغى الملف السوري على الحملات الانتخابية لمرشحي اليمين والوسط في مناظرتهم الأخيرة قبل التصويت المبدئي الذي يجري اليوم لاختيار المرشح الذي سيدخل المنافسة رسمياً على مقعد الإليزيه، المستغرب هو حالة التباين الواضحة في التعاطي مع الملف، تحديداً بين مرشحَّيّ اليمين، وهم بالعادةِ الأوفر حظاً لوصول أحدهم للأدوار النهائية. هكذا تباينٌ في الرؤية حول ملفٍ مرتبط بالسياسةِ الخارجية عادةً ما نجده بين حزبين متنافسين، لا بين مرشحَيّ ذات الحزب.
استمر «آلان جوبيه» في غيِّه، وواصل دفن رأسه في صحراء ربيع الدم العربي؛ معتبراً وبطريقةٍ غير مباشرة أن «إسقاط الأسد» يصب في مصلحة «إسرائيل» لأنه الداعم الأساسي لـ«حزب الله»، وهو ما سيسعى إليه. كذلك الأمر لم يكن «ساركوزي» بحالٍ أفضل، فهو تائهٌ بين مطرقةِ الفضائح التي تلاحقه- وكان آخرها تأكيد إحدى الشخصيات العربية حصول «ساركوزي» على أموال من «القذافي» رحمه الله، وهو ما يتطابق مع ما قاله يوماً «سيف الإسلام القذافي»- وسندان الهزائم المتتابعة للمشروع التدميري الذي كان أحد أضلاعه الرئيسيين، لتبقى صورته وهو يهنئ إرهابيي «بنغازي» وكأنه إمامهم الذي سيؤمهم للصلاة شاهداً على أن كذبة «الثورات الشعبية» ما هي إلا مطية لنهب وسرقة الثروات… وليبيا نموذجاً.
وحده «فرانسوا فيون»، الذي كان رئيساً للوزراء في الحقبة الساركوزية حتى رحيلهما في أيار 2012، بدا في كلامه وكأنه يغرد ليسَ خارجَ سرب اليمين فحسب، بل أيضاً خارج سرب البروباغندا الإعلامية التي لا يزال الإعلام الفرنسي بشقيهِ العام والخاص ملتزِماً بها حيال ما يجري في سورية.
كلام «فيون» الذي يتمتع بشخصية هادئة كان واقعياً، تحديداً بما يتعلق بـ«مصير الرئيس الأسد» الذي رأى أنه باقٍ في السلطة إلى الآن لأن هناك جزءاً لا يُستهان به من الشعب يدعمه. هذه العبارة تحديداً تعطيك الشعور أن «فيون» يستمع للقاءات الرئيس الأسد باعتباره يكرر هذه العبارة لسائليهِ من الصحفيين. «فيون» أعاد التذكير بدعوته لإعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق منذ عامين، لكن ما لم يقله «فيون» إنه عندما دعا لذلك، وما قيل أيضاً عن تأييده لفكرة دعم «حزب الله» طالما أنه يواجه التكفيريين، لم يكن بعد ضمنَ المرشحين المحتملين أو أصحاب الحظوظ والأسهم المرتفعة، حتى إن استطلاعات الرأي رجحت وصول «ساركوزي» للمنافسة النهائية عن اليمين بسبب غياب المنافس الذي يتمتع بالكاريزما المقنعة للناخب. اليوم بات «فيون» مرشحاً جدياً، بل إن استطلاعات الرأي بعد المناقشة أعطته الأسبقية الكاملة رغم أن توجهاته تبدو فيما تبدو بعيدة عن السياق العام للسياسة الغربية، فهل يدفع اليمين ثمن هذا الصراع المحتدم بين أقطابه، أم هو نتيجة منطقية للسياق العام الدولي لأن هناك من تعلم من درس «ترامب» بالتعاطي مع الملف السوري؟
لا يُخفي المجتمع الفرنسي خوفه من وصول اليمين المتطرف للحكم، الخوف هو من حصول صدام مجتمعي وليس الخوف من البرنامج السياسي لليمين المتطرف. في الوقت ذاته هناك من يعتبر أن التجربة «الترامبية» لم تلهم فقط اليمين المتطرف، لكنها ألهمت ناخبي اليمين الذين يريدون أن يكون خيارهم مقنعاً لباقي الناخبين على اعتبار أن فرص وصول «فرانسوا هولاند» للدور النهائي شبه معدومة وبالتالي فإن المنافسة ستحتدم بين «لوبين» وبين مرشح اليمين، وفيما يبدو فإن مزاج الناخب الفرنسي قد لا يريد «تجريب المجرب»، فهل يقلب «فيون» الطاولة على الجميع ليبدو كشخصيةٍ مقبولة لتكرار تجربة عام 2002 عندما تحالف اليسار واليمين لدعم شيراك في وجه جان- ماري لوبان في الدور الحاسم؟
ربما، تحديداً أن فوز «فيون» لا يعني فقط فوز شخصيةٍ واقعيةٍ في مقاربة المسألة السورية، لكنه أيضاً سيعني وصول مرشحَين للدور النهائي يتشاركان النظرة ذاتها بالمطلق حول الحدث السوري. كذلك الأمر سيعني زوال حقبة من السياسيين المحسوبين على الخط التقليدي من أمثال «جوبيه» وزوال الساركوزية السياسية إلى الأبد لتكون فرنسا أمام فرصةٍ جديدةٍ تستعيد فيها بريقها السياسي الذي بدأ يتهاوى منذ الولاية الثانية لـ«جاك شيراك»، لكن الطريق لا يزال طويلاً وغامضاً. في المطلق يمكننا القول إن الجميع بدأ الآن، كلٌّ حسب ما ترتضيه مصالحه، حراكه لاستيعاب صدمة الانتخابات الأميركية، فما المؤشرات على ذلك؟
قبل أيام، أجرى الإرهابي الحامل لجنسية «آل سعود» «عبد اللـه المحيسني» مقابلةً مع صحيفة «النيويرك تايمز». ليس جديداً على وسائل الإعلام الغربية قيامها بتبييض صفحات الإرهابيين، هم ساروا على نهجِ المستعربين من الصحفيين، ألم يجر هذا الأمر مع إرهابيي قناة «آل ثاني» وهم كانوا سابقاً يقابلون زعماء القاعدة في أفغانستان أو «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» في سورية. لكن بالتدقيق في كلام «المحيسني» وبعيداً عن استغرابه من اعتبار الولايات المتحدة له كإرهابي لأنه حسب رأيه (رمز وطني للشعب السوري- تخيلوا هذه المفارقة؟)، فقد ظهر واضحاً إصرار «المحيسني» على تأكيده أنه «شخص مستقل» ولا يتبع لأحد لأنه مجرد «داعية إسلامي» وليس إرهابياً، (على سيره كلمة داعية، عندما نسمع أو نقرأ على إعلامنا الوطني تقديم شخص بصفه داعية.. داعية! لماذا؟ ومن سيدعو؟ هل من توضيح عقلاني لهذا المصطلح؟!). ربما أن إصرار «المحيسني» على استقلاليته هو نوعٌ من الحملة التي يشنها حالياً «آل سعود» لتبييض صفحتهم الإرهابية في المحافل الدولية بما فيها الأميركية. هم لم يستوعبوا مجردَ قولِ شخص محسوبٍ عليهم بأن وصول «ترامب» للسلطة أمرٌ مخيف، ليسارعوا بالتبرؤِ منه مع العلم أنه كان لسنواتٍ يكيل الأكاذيب ويمجد بـ«آل سعود»، فكيف إن خرجت معلومات للعلن تتحدث صراحةً أن «المحيسني» ليس أكثر من مجرد رجل مخابرات يحمل جنسية «آل سعود» وجرى توظيفه برغبة «ناتوية» لما يملكه من قدرات «خطابية» على حشد الإرهابيين من أصقاع الأرض. إن كانت «النيويورك تايمز» تروج مثلاً لاستقلالية «المحيسني» عن «القاعدة» وغير «القاعدة»، فكيف لها أن تنكر أن «المحسيني» هو ضيفٌ دائمٌ على السلطات الأمنية التركية المعنية بالتواصل مع إرهابيي «جيش الفتح»؟!
هناك من أدرك فعلياً أن القصة لم تعد مزاحاً ولا هزلاً، فسقوط كلينتون وحتمية سقوط هولاند (أياً كان الفائز) وما سيليها من تبعاتٍ يعني حكماً أن هناك أثماناً ستدفع، فماذا ينتظرنا؟
لم نعد بحاجةٍ لانتظار ما ستحمله سلسلة حلقات اجتماعات (كيري- لافروف). هي أشبه بصديقينِ التقيا مصادفة بمحطة المترو، وكلاهما مستعجلٌ للذهاب لقضاءِ مصلحةٍ ما، الأول ذاهبٌ لإعداد مستقبلهُ بعد خروجهِ من وزارة الخارجية (على الأرجح سيتولى قيادة فريقٍ من دبلوماسيين سابقين للعب دورٍ في تبييض صفحه «آل سعود»)، والثاني ذاهبٌ لإعداد مستقبل المنطقة والعالم مرتكزاَ على الصمود السوري. ليس علينا التدقيق برفع الأميركيين الغطاء عن العمليات التركية في الباب، بل لندقق بما قاله الروس عن بدايةِ الاتصال مع فريق «ترامب» حول «الأزمة السورية»، مع توالي الأخبار عن ترشيح «ترامب» للجنرال «مايكل فلن» مستشاراً للأمن القومي الأميركي وما يحمله هذا التعيين في هذا المنصب المهم لمعانٍ كثيرة، إن كان لمواقف الرجل الرافضة لسياسة (كلينتون- أوباما) في التعاطي مع الجماعات الإرهابية أو لما يحكى عن صداقة تربطه بالرئيس «بوتين». هناك من بدأ الآن فترة التحول تمهيداً للدخول بزمن التسويات السياسية… والجميع يحاول اللحاق بركب المسار، والمضحك أنه وسط هذا التشابك في الأحداث من الشرق للغرب، نقرأ خبراً عن تأكيد «معارضين سوريين»- معظمهم كان سابقاً من أصحاب الحظوة لدى السلطات السورية بأنواعها المختلفة (السياسي والحزبي والأمني)- عدم حضورهم لاجتماع معارضة الداخل والخارج في دمشق… كم أنتم مثيرون للسخرية… وليس للشفقة؟!
الوطن