أوباما نحو تثقيل التركة السورية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

أوباما نحو تثقيل التركة السورية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦

كانت الضربات التي نفذتها مختلف صنوف الأسلحة الروسية 15/11 ضد مواقع الفصائل المسلحة في كل من ريفي إدلب وحمص في خدمة معركة حلب وليست ببعيدة عنها وهي لم تكن تعني أن هذه الأخيرة لم تعد تمثل بيضة القبان في الحرب السورية فالتقديرات الروسية – كما يبدو- ترى أن البنى التحتية الأساسية للفصائل المسلحة في القسم الشرقي من حلب تمتد جذورها إلى ذينك الريفين وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 15/11 بالقول «إن الأهداف التي يتم التعاطي معها هي مخازن أسلحة وذخائر وأماكن تمركز ومعسكرات تدريب ومصانع لإنتاج مختلف صنوف أسلحة الدمار الشامل».
تشير حالة الهجوم المتكرر للفصائل المسلحة في ذلك القسم من حلب على مواقع الجيش السوري إلى أن هذه الحالة (الهجوم) قد باتت خياراً وحيداً أمام حالة الغليان التي تعيشها الأحياء التي تتمترس فيها والتي شهدت مؤخراً 15/11 تظاهرات عارمة في بستان القصر كانت من نوع آخر طالب فيها المحتجون فتح أبواب المستودعات التي تتكدس فيها المواد الغذائية حتى إن البعض منهم حاولوا اقتحام تلك المستودعات، إلا أن الأمر يمكن النظر إليه من ناحية أخرى أيضاً إذ لطالما تأكد لتلك الفصائل أن حالة كسر الحصار باتت مستحيلة بعدما فشلت موجات الهجوم السبعة التي تضمنتها معركة ملحمة حلب الكبرى بدءاً من 31/7 وآخرها غزوة أبي عمر سراقب 28/10 ولذا فإن اعتماد خيار الهجوم تلو الهجوم قد يكون بطلب خارجي أو تركي تحديداً لأن هذا الخيار من شأنه أن يؤدي إلى (حجز) خمسين ألف مقاتل للجيش السوري ومنعهم من الإعداد أو التوجه إلى معركة الباب التي تقرع طبولها من كثيرين.
من الواضح للعيان أن موسكو تريد أن تحسم معركة حلب لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى قطيعة مع الغرب وهو ما يفسر رفض الرئيس الروسي لطلب تقدمت به وزارة الدفاع الروسية يوم 28/11 باستئناف الضربات الجوية ضد مواقع المسلحين في، فهذه المفارقة تؤكد أن السياسات الاستراتيجية الروسية تتبنى خيارات لا تحددها بالدرجة الأولى احتياجات المعارك بما فيها معركة حلب شديدة الأهمية في حين تحددها اعتبارات عديدة من بينها تلك الاحتياجات وخصوصاً أن الوضع في الشمال السوري قد بات شديد التعقيد وهو يشهد مؤخراً صراع نفوذ تركي- أميركي مرجح للتصعيد كانت أولى مؤشراته في هجوم حركة أحرار الشام على الجبهة الشامية 14/11 في اعزاز والاستيلاء على حاجز الدوار فيها جرى ذلك بعد يوم واحد من تصريح أبو يحيى الحموي (القائد العام للحركة) 13/11 الذي قال فيه «إن الفصائل المسلحة لا ترغب بوجود أميركا في شمال حلب».
هذا التصعيد آخذ في الازدياد فقد ردت أنقرة على إعلان واشنطن على لسان المتحدث باسم قوات التحالف العقيد جون دوريان 16/11 بأن قوات التحالف لن تقدم الدعم للقوات التركية إذا ما اتجهت نحو مدينة الباب بعد أن كانت قد أعلنت قبل أيام عن سحب عناصرها الذين أفرزتهم لدعم العملية العسكرية التركية منذ انطلاقتها في 24/8، بأن أعلنت على لسان فكري ايشيق وزير الدفاع التركي 18/11 الذي قال: «إن المرحلة التالية من الهجوم التالي تهدف إلى الزحف جنوباً لتطهير مناطق منها بلدة الباب من تنظيم الدولة الإسلامية» ثم أضاف «من المتوقع أننا سنستطيع تأمين حدودنا تأميناً تاماً بحلول منتصف العام 2017» في مؤشر أراد التأكيد فيه على طول العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، أيضاً كانت أنقرة قد استبقت ذلك بالتهديد بتوجيه قواتها نحو منبج بذريعة أن قوات سورية الديمقراطية لم تنسحب منها إلى شرق الفرات كما كان متفقاً عليه وأن كل ما جرى لا يعدو أن يكون نقلاً لبعض الفصائل من منبج لتدعيم العملية العسكرية في الرقة، وعند هذه النقطة يتبدى بوضوح ارتفاع منسوب النفوذ التركي فقد اضطرت قوات «قسد» 17/11 إلى إصدار بيان سريع رداً على اتهامات أنقرة أكدت فيه انسحابها من المدينة (منبج) وهو بيان ما كان له أن يصدر لولا إحساس تلك القوات بوطأة الثقل التركي ومن المؤكد أنه كانت هناك موافقة أميركية عليه وهي تعني في وجه من وجوهها اعترافاً أميركياً ضمنياً بزيادة النفوذ التركي الذي بات يزاحم النفوذ الأميركي في الشمال السوري.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن أمر دخول القوات التركية إلى مدينة الباب ليس أمراً ميسراً فقرار واشنطن بعدم دعم ا لقوات التركية يفقد هذه الأخيرة الدعم الجوي اللازم لها إضافة إلى أن القوات التي تعتمد عليها أنقرة في تلك العملية مشكوك بكفاءتها في إمكان دحر داعش من الباب خصوصاً إذا ما قررت هذه الأخيرة المقاومة أو عدم الانسحاب من دون قتال كما فعلت في جرابلس وغيرها فالمدينة تحوي ثلاثة آلاف مقاتل داعشي ومحصنة بخندق محيطه 25 كم وبعمق وعرض يزيد على 3 أمتار كل ذلك عوامل معيقة ومن الراجح أن داعش قد قررت الدفاع عن المدينة فقبل أيام فقط استطاعت فصائلها استعادة بلدة قباسين (8كم عن الباب) بعد ساعات على خسارتها في مواجهة حقيقية للمرة الأولى بين الطرفين (18/11) وعليه فإن قراراً تركياً باقتحام الباب سيكون مغامرة كبرى في ظل هذه الموازين العسكرية القائمة إضافة إلى أن أنقرة لن تقدم على خطوة من هذا النوع من دون ضوء أخضر روسي من المرجح أن يحاول علي بن يلديرم الحصول عليه في زيارته المقبلة إلى موسكو.
تمثل الباب عموداً فقرياً للعملية العسكرية التركية والسيطرة عليها من شأنه أن يقفل نهائياً الطريق الواصل بين الكانتونات الكردية في شمال حلب وبين مشروع الفيدرالية الكردية في الشرق إضافة إلى أن موقع المدينة (الباب) يمثل ممراً وحيداً لمرور افتراضي للقوات التركية إذا ما صدر قرار بتوجهها للمشاركة في معركة الرقة من دون أن يؤدي ذلك إلى اصطدامها مع قوات سورية الديمقراطية (موجودة في العريمة 14 كم عن الباب) أو الاصطدام مع الجيش السوري (موجود في محيط كويرس على بعد 11 كم من الباب) ما يمكن أن يشكل خط زلزال إقليمي يصعب حصر تداعياته أو حساب المدى الذي يمكن أن يصل إليه، ولربما تصبح مشاركة أنقرة في عملية تحرير الرقة مطلباً أميركياً بعد الضربة التي تلقتها القوات المشاركة في عملية غضب الفرات عندما استطاع داعش أيضاً استرجاع تل السمن 18/11/2016 قبل أن يمر يوم واحد على خسارتها في الوقت الذي كانت التقديرات فيه تشير إلى أن بدء المعركة الحقيقية سوف يكون في تل السمن نظراً لأنها بداية الغطاء الخضري الذي يحيط بالمدينة وهو بحسب التقديرات- يتيح فرصة أكبر لتحرك المهاجمين وخصوصاً القناصة منهم.
شائك هو الوضع في الشمال والشرق السوريين لأن الولايات المتحدة تريد فعلاً أن يكون كذلك وأوباما –كما يبدو- يريد تثقيل تركته التي سيورثها إلى الرئيس الجديد عبر الدفع نحو مزيد من التعقيدات على الرغم من أنه كان يملك الخيار النقيض تماماً حتى إنه كان قد وضع قدمه اليمنى فيه في أيلول 10/9/2016 قبل أن يقرر سحب شقيقتها اليسرى والرجوع إلى الخلف.