انقلاب في محور الحرب على دمشق..بقلم: عبد المنعم علي عيسى

انقلاب في محور الحرب على دمشق..بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦

بانتظار أن يمتطي الرئيس الأميركي الجديد صهوة القرار في واشنطن 20/1/2017 وكذا أن يتكرر السيناريو الأميركي في باريس وهو ما بات أمراً شبه مؤكد، فوصول فرانسوا فيون إلى الإليزيه في نيسان القادم يكاد يكون حتمياً وهو ما أنبأت به نتائج الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي.
بانتظار ذينك الحدثين تلوح في الأفق رياح دولية وكذا إقليمية مغايرة تماماً لتلك التي كانت سائدة على امتداد عمر الأزمة السورية، وهو أمر طبيعي لأن المتغير هنا يطول محور واشنطن- باريس الذي قاد الحرب على دمشق بدءاً من إقرار الكونغرس الأميركي لقانون محاسبة سورية 15/10/2003 ثم لقاء النورماندي ما بين بوش الابن وشيراك 6/6/2004 الذي شكل الأرضية الصلبة لاستصدار القرار /1559/ في 2/9/2004 الذي كان يعني تحجيم دمشق تمهيداً لضربها وصولاً إلى استخدام «ثورات الربيع العربي» مطية لتحقيق الغايات السابقة بعدما فشلت المحاولات المتكررة على امتداد الأعوام 2003-2010.
أول المتغيرات هو الانكفاءة القطرية ولربما كانت هذه الأخيرة ناجمة عن تحسس الدوحة لحجمها أو ثقلها في الميزان في ضوء احتكاكها مع الأزمة السورية، على حين أن نظيرتها السعودية (الانكفاءة) لم تصل –كما يبدو- إلى مرحلة متقدمة وإن كانت الرياض قد قطعت شوطاً مهماً في طريقها إليها فهي اليوم على موعد بدءاً من آذار المقبل مع انطلاقة الإدارة الأميركية الجديدة ومعها انطلاق جميع الملفات التي تستوجب التفعيل أو الحسم مما تراها مهمة أو مؤثرة فيها. ومن المؤكد أن قانون «جاستا» سوف يكون في الذروة من تلك الملفات، بدورها أنقرة التي تبدو منشغلة بالقضاء على الخطر الانفصالي الكردي أكثر من أي شيء الآن وهي على الرغم من تمدد أذرعتها في المحيطين السوري والعراقي إلا أنها أقرب إلى حالة الانكماش أو التقلص بعد وصول «درع الفرات» السورية إلى طريق مسدود إضافة إلى أن حملة «قادمون يا نينوى» في العراق قد عصفت بـ«بعشيقة» التركية ناهيك عن الصفعة الأوروبية التي تلقتها أنقرة مؤخراً والتي سيكون لها الكثير من التداعيات. ففي 24/11 صدق البرلمان الأوروبي على تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب ما سماه «حملة القمع غير المتكافئة التي تشهدها تركيا منذ انقلاب تموز 2016 إلى الآن»، وفي المقلب الآخر تسير القاهرة بخطا وئيدة وحذرة نحو الاستجابة لحقائق الجغرافيا والتاريخ في المنطقة وفي الآن ذاته الخروج من «الشرنقة» السعودية فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتتراكم في جعبة الخلافات المصرية- السعودية خلافات جديدة كان آخرها ما شهدته قمة المالايو (القمة العربية- الإفريقية) 23/11 عندما قادت الرياض انسحاباً لثماني دول من اجتماعات القمة تضامناً مع المغرب على خلفية حضور «البوليساريو» ليسجل الوفد المصري موقفاً جديداً يراد للرياض أن تفهم منه استحالة السيطرة على المارد المصري تحت أي ظرف كان، هذا الحذر المصري في إعادة التموضع الإقليمي يحمل مخاوف داخلية خصوصاً إذا ما أرادت الرياض الاصطياد في المياه المصرية العكرة ولذلك نرى أن تلك العملية (إعادة التموضع) ترتبط وتتزامن مع الخطوات التي تقوم بها القيادة المصرية لتمتين الجبهة الداخلية في البلاد في لحظة يبدو فيها أن التوازن الداخلي هش وضعيف. وفي هذا السياق يمكن قراءة إلغاء أحكام الإعدام (والمؤبد) على الرئيس السابق محمد مرسي وكذا على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع إضافة إلى العديد من قيادات الصف الأول والثاني في التنظيم (محكمة النقض المصرية 15/11) الأمر الذي ردت عليه الجماعة بالدعوة إلى التصالح مع نظام الرئيس السيسي (بيان الإخوان المسلمين 19/11) ولربما كانت أولى ثمرات ذلك المسار ما قاله الرئيس المصري للتلفزيون البرتغالي 22/11 الذي عبر فيه عن دعمه للجيش السوري في مواجهة العناصر الإرهابية المتطرفة، وما سبق كله مؤشر على بدء حالة استقطاب إقليمية جديدة من المتوقع أن نشهد فيها عودة قوية للدور المصري ولربما الجزائري أيضاً لمواجهة الانهيارات الحاصلة التي يلعب فيها المال الخليجي الدور الأكبر.
في مواجهة تلك الرياح الدولية والإقليمية تبدو المعارضة السورية أقرب ما تكون إلى لفظ أنفاسها الأخيرة، أقله بالشكل الذي كانت عليه على مدى السنوات الخمس الماضية وإلا فماذا يعني لقاء الثلاثي حسن عبد العظيم (هيئة التنسيق الوطنية)- أنس العبدة (الائتلاف السوري المعارض)- بسمة قضماني (الهيئة العليا للمفاوضات) مع مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني 20/11 في الإمارات؟ وقد كان لافتاً البيان الذي أصدرته هذه الأخيرة في أعقاب ذلك اللقاء الذي جاء بلهجة تصالحية غير معهودة كما غلب فيه الحديث عن إعادة الإعمار كأولوية لا تسبقها أي أولوية أخرى.
والفصائل المسلحة قد باتت أقرب إلى التراصف أو الاصطفاف في كتلتين كبيرتين الأولى ذات هوى تركي بعدما استطاع هذا الأخير احتواء الفصائل التي كان يطلق عليها اسم فصائل البنتاغون مثل الحمزة والمعتصم واللواء 51، ولربما كان هذا الأمر بفعل التمدد العسكري التركي في الشمال السوري منذ 24/8 والثانية ذات هوى أفغاني وفصائلها تغذ السير نحو مزيد من التطرف والتشدد ولربما كان ذلك نتيجة طبيعية لفشل فتح الشام في ترجمة عمليات فك الارتباط عن القاعدة بعد مرور أربعة أشهر على إعلانها على لسان أبي محمد الجولاني 28/7/2016 هذا الفشل يمكن تلمسه في العديد من الظواهر فلا خطاب «التكفير» تغيّر أو خفت حدّته ولا معايير التصنيف تغيرت أيضاً إذ لا يزال رهان النصرة على مظلة أميركية لا تستطيع تركها لتنكشف أمام الاستهداف، وعلى الأرجح فإن القيادات فيها قد قرأت ما جاء في الواشنطن بوست بأن أوباما كان قد وجه البنتاغون نحو استهداف قيادات جبهة النصرة في سياق الضغط عليها لتغيير سلوكها وجعله أكثر طواعية خصوصاً أن الاستهداف كما تسرب كان يطول القيادات الأجنبية بالدرجة الأولى.
بعيداً عن الرياح وتقلباتها لابدّ من الإشارة إلى حدث مهم بل بالغ الأهمية وهو يتمثل في اتهام أنقرة للجيش السوري باستهداف قواتها في شمال مدينة الباب 24/11 وهو ما لم تنفه- أو تؤكده- دمشق ولربما كان لافتاً أن الاستهداف كان قد حصل في اليوم نفسه الذي تمّ فيه إسقاط الطائرة الروسية من الأتراك، هذا التصعيد يؤكد أن دمشق كانت جادة في التهديدات التي أطلقتها بإسقاط أي طائرة تركية «تتجاوز الخطوط الحمر» هذا الحدث «استهداف القوات التركية من الجيش السوري بحسب البيان التركي» إذا ما ربط مع رفع واشنطن الغطاء عن «درع الفرات» إذا ما توجهت القوات التركية نحو مدينة الباب وهو ما جاء على لسان المتحدث باسم قوات التحالف العقيد جون دوريان 16/11، إضافة إلى رفض موسكو توجه الأتراك نحو تلك المدينة «الباب» أقله حتى الآن، فالمشهد يمكن أن يقرأ بوجود موقف إقليمي ودولي شبه موحد رافض لتنامي الدور الإقليمي التركي انطلاقاً من الشمال السوري، ولربما بات على أنقرة منذ اليوم أن ترى نفسها وقد استدرجت إلى فخ محكم يصعب الخروج منه من دون وجود تفاهمات هي غاية في الاتساع والتعقيد.