الاستثمار الإعلامي والعقل العربي القاصر!!.. بقلم: د. بسام الخالد

الاستثمار الإعلامي والعقل العربي القاصر!!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ ديسمبر ٢٠١٦

يشهد عالم اليوم تشكّل بيئة إعلامية جديدة تُسفر عن ملامحها الرئيسية بسرعة مذهلة مما لا تترك للباحثين والدارسين وقتاً كافياً للتأمل العميق والتفكير المنهجي.
 لقد أصبح الاستثمار في القطاع الإعلامي يحقق أرباحاً هائلة، ويتضح ذلك من بعض إحصائيات ذكرها أحد المصرفيين العالميين الكبار الذي يمتلك خمس شركات إعلامية متنوعة بأن رقم معاملاته "وليس قيمتها الرأسمالية" بلغ خلال عام 2000م وحده مئتي مليار دولار، ومعنى ذلك أن رقم المعاملات لهذه الشركات الإعلاميــة يزيد بواقع عشرة مليارات دولار عن القيمة التجميعية لإجمالي الناتج القومي لخمس دول عربية هي مصر وليبيا والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية!
لقد تحولت المؤسسات الإعلامية العملاقة في العالم من مؤسسات وطنية محدودة الانتشار إلى "ديناصورات" ضخمة يمكن وصفها بأنها شركات "كونية"، بعضها  متعددة الجنسيات تتجاوز الحدود والقيود، وفي هذا الإطار فإن وسائل الإعلام الأمريكية، مثلاً، تحصل على 50% من إيراداتها من أسواق أجنبية غير أمريكية، كما أن شبكة واحدة في إمبراطورية (روبرت ميردوخ) الإعلامية حول العالم تدر ملياري دولار من الإيرادات سنوياً، هذه الشبكة هي  B.SKY.B)) التي تغطي العشرات من صحف القطع الكبير، إضافة إلى شبكة (Fox) وشبكة (Star TV) الآسيوية المتصلة بأكثر من400 مليون منزل في عموم آسيا.
لقد شهدت أدوات الإنتــاج الإعلامـــي، سواء المطبــوع منــــــه أو المسموع أو المرئي، تطوراً كبيراً حيث ظهرت تقنيات جديدة في مجالات الطباعة والتصوير والإنتاج التلفزيوني أدت إلى اختصار الوقت وزيادة الجاذبية والإبهار، كما تطورت خدمات الشبكة العنكبوتية وتوجُّه الصناعة الإعلامية إلى دخول ميدان ما سمي "الصحافة الإلكترونية"، وهكذا، وخلال سنوات قليلة، استفادت تقنيات الإعلام من هذه الطفرة الكبيرة وكانت الثمرة الناضجة للتطورات الهائلة في هذا المجال.
 بعد هذا التوصيف السريع لواقع الاستثمار الإعلامي، يخطر في البال سؤال وجيه: ماذا عن عالمنا العربي؟!
 تشير الإحصائيات إلى أن مشكلة العالم النامي، وعالمنا العربي جزء منه، مع الإعلام هي مشكلة استهلاك، ويكاد يكون التلفزيون هو المصدر الوحيد للثقافة الإعلامية بسبب استعداد مجتمعاتنا لتقبّل الانتشار التلفزيوني الكاسح أكبر بكثير من استعداد مجتمعات البلدان الصناعية الغربية، ويعود السبب الأول لهذا الاستعداد إلى نسبة الأمية المرتفعة في مجتمعات العالم الثالث وضعف تقاليد المطالعة غير المدرسية الذي يؤدي  لتقبّل التلفزيون الذي يقدم شكلاً (سمعياً- بصرياً)، ويشكل مصداقية معرفية مرتبطة، عند أغلبية المجتمع، بما يشاهدونه أولاً يشاهدونه على الشاشة الصغيرة، لدرجة أن الواقع الفعلي في وعي الفرد الحالي، يكاد يتماشى مع "الواقع" المصوّر والمركّب الذي تنقله البرامج التلفزيونية.
إذاً فقد استجابت الدول العربية والمستثمرون الإعلاميون العرب لهذا الجانب فقط ولم يلتفتوا إلى الاستثمارات الكبرى، وهم قادرون عليها، واستثمروا في مجال (التلفزيون فقط) عبر سباق محموم على افتتاح محطات فضائية (عربية) بالمئات، جسدت قطريتهم أكثر ما تجسد تضامنهم وانتماءهم، لدرجة أن كل حزب أو طائفة أو مرتزق افتتح قناته الخاصة وبدأ يبث رؤاه الضيقة وسمومه فيها، أما الاستثمارات في المؤسسات الإعلامية والصحف ووكالات الأنباء الإخبارية والمصورة وشركات الإنتاج الإعلامي المختلفة، فهي ليست في حساباتهم.
بعد هذا.. لماذا تشكو بعض دول العرب من التضليل الإعلامي والحملات الإعلامية التي توجه ضدها وتدفع تلك الدول ملايين، بل مليارات الدولارات لشراء ذمم هذه المؤسسات الإعلامية وتستأجر مراكز بحث وأخرى لاستطلاع الرأي لتلميع صورتها، في أكبر عملية ابتزاز تمارس عليها برضاها.. أو بغبائها، وكان بإمكانها أن تمتلك أهم نواصي الإعلام في العالم.. إنه (العقل العربي) الفردي القاصر!! 
Bassamk3@gmail.com