الدور السياسي السوري: الأهمية والحجم.. بقلم: فارس رياض الجيرودي

الدور السياسي السوري: الأهمية والحجم.. بقلم: فارس رياض الجيرودي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ ديسمبر ٢٠١٦

بينما نعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قناة «إن تي في الروسية» يوم الأحد 4 كانون الأول الجاري عصر الأحادية القطبية، وعلى حين يجمع المراقبون والمحللون السياسيون في الشرق والغرب على أن الأزمة السورية هي نقطة التحول الرئيسية التي أنهت الحقبة الماضية وأسست لحقبة جديدة من الصراع الدولي لم تتضح معالمها بعد، ما زال الكثير من الإعلام المقاوم والمؤيد للدولة السورية يقع في فخ تكرار دوافع واهية للحرب الإرهابية الضخمة التي شنت لإسقاط الدولة السورية، من مثل أنبوب الغاز القطري، وهي دوافع على فرض صحتها لا تفسر لماذا لم يتسبب الاجتياح الأميركي للعراق (صاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم)، ولا استباحة طائرات الناتو لليبيا (صاحبة المخزون النفطي الضخم الأقرب عالميا للأسواق الأوروبية)، بتوتر دولي اقترب من حافة حرب عالمية ثالثة كما حدث في الحالة السورية.
وعلى الجهة المقابلة نرى الإعلام المعادي لسورية والممول بمال النفط الخليجي يروج لمقارنات مضللة من نوع مقارنة ما انتهى إليه الأمر في كل من مصر وتونس نتيجة ثورات الربيع بالوضع اليوم في سورية، فالمقارنة السابقة تتجاهل أن البلدين تونس ومصر تحتفظان بعلاقة تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية لم تتغير، وأن ما شهدتاه من ثورتين منضبطتين بالمعايير الأميركية كان الهدف منه أصلاً تصنيع كرة ثلج متدحرجة للوصول إلى إسقاط القيادة السورية.
إن أفضل طريقة لإدراك حجم الدور الذي تلعبه سورية في التوازنات الدولية تكمن في مراجعة كيف تصرف حلفاؤها دفاعا عنها، وكيف استشرس أعداؤها لإسقاط قيادتها، ففي ضفة الخصوم تغاضت أميركا عن أهم محظور في السياسة الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من أيلول، وهو دعم الإرهاب القاعدي الذي ثبت أنه عصي على الضبط والتحكم، وتحملت الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الأوروبيون مخاطر ذلك التغاضي لهدف وحيد هو إسقاط القيادة السورية، أما على الضفة الأخرى فقد تحمل حلفاء سورية ضغوطا سياسية كبرى وخسائر اقتصادية هائلة، جراء حرب أسعار النفط التي شنتها عليهم السعودية منذ عام 2014 بهدف تغيير موقفهم من سورية، إذ كانت روسيا وحدها تخسر ما مقداره 700 مليار دولار سنويا، على حين خسرت إيران 100 مليار سنويا، لكن البلدين زادا من دعمهما لسورية بدل التراجع كما كانت تأمل السعودية، لأنهما كانا يدركان أن سورية بصمودها تقدم لهم فرصة فريدة للدفاع عن النفس خارج الحدود، في وجه جنون الثورات المفبركة أميركيا والممولة خليجيا، اليوم السعودية تخضع لاتفاق في أوبك ينص على تقليص إنتاجها بهدف زيادة الأسعار، حيث ستقلص إنتاجها بقيمة 2.5 مليون برميل يوميا، مع قبولها بأن تزيد إيران من إنتاجها بدل تقليصه، على حين ستقلص روسيا الإنتاج 300 ألف برميل فقط، والأرقام وحدها تتحدث عمن انتصر.
في السياق ذاته ما الذي يدفع دولة بعيدة كالصين مثلا للخروج عن سياسة عدم التدخل في الصراعات الدولية التي انتهجتها لعقود، وللتصويت 5 مرات بالفيتو دفاعا عن سورية في مجلس الأمن؟ وهو أكثر من نصف عدد مرات استخدام جمهورية الصين الشعبية لذلك الحق منذ حصولها عليه عام 1971 (9مرات)، ثم ما الذي يدفعها للإعلان عن المساهمة في دعم جهود الجيش العربي السوري ضد الإرهاب تمويلا وتدريبا كما صرح وزير دفاعها.
إن سوء التقدير لأهمية وحجم الدور السياسي السوري، ولمكانة سورية في توازنات الصراع الإقليمية والعالمية، هو خطأ الحسابات الأهم الذي دفع أنظمة وقيادات وأحزاب عربية وإقليمية وقسما من السوريين لوضع كل بيضهم في سلة الرهان على سقوط قريب للقيادة السورية، على نحو ما جرى في ليبيا القذافي وفي عراق صدام حسين، وهو ما ثبت بالوقائع بطلانه، فقد ظهرت سورية الأسد خلال عمر الأزمة الذي قارب ست سنين قوية غير معزولة على الساحة الدولية كما كان حال البلدين السابقين، وبدلا من أن يزداد الحجم السياسي لمن راهن على سقطوها نراهم اليوم يدفعون ثمن سوء خياراتهم، فيتساقطون في الانتخابات كما هو حال الديمقراطيين الأميركيين مخططي الحروب الذكية غير المباشرة، الذين مثلتهم المرشحة هيلاري كلينتون، أو كما انتهى إليه حال اليسار الفرنسي، أو نراهم يدخلون في أزمة وجودية مع السيد الأميركي الذي يخدمونه، كما هو حال السعودية التي أصبحت تتلقى تهديدات صريحة من السيد الأميركي بقرب موعد الذبح، أو نظام أردوغان الذي تحول من نموذج الديمقراطية الأمثل المناسب للعالم الإسلامي كما كانت تصفه الصحافة الغربية، إلى منتهك لحقوق الإنسان وداعم للإرهاب كما يصفه الإعلام الغربي اليوم، في الواقع أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها إسقاط القيادة السورية فتغير العالم وسقط عصر الأحادية القطبية ولم تسقط الدولة السورية كما أرادوا، وفي هذا عبرة لمن استهان بحجم سورية ودورها المقاوم من السوريين والعرب.