ترامب بين الشراكة أو المواجهة

ترامب بين الشراكة أو المواجهة

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ ديسمبر ٢٠١٦

 محمد عبيد

ماذا أراد صُناع القرار في النظام الأميركي من خلال التصويت على تمديد العقوبات ضد إيران. فالخطوة المحسوبة التي تقع بين مغادرة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما واستلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمقاليد هذه الإدارة تهدف إلى أمرين أساسيين: الأول، إحراج الإدارة «الديمقراطية» بشخص أوباما ووزير خارجيته جون كيري عبر تصويرهما أنهما أساءا تقدير المصلحة الأميركية عندما سلما لإيران بحقها في امتلاك القدرات النووية ولو السلمية، وفي ذلك إحراج للإدارة الحالية وحزبها وإجهاز سياسي ومعنوي عليها بعد هزيمة هذا الحزب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة خصوصاً في حال رفض أوباما التوقيع على قرار الكونغرس وبالتالي وقف مفاعيله القانونية. والثاني، تحضير الأرضية القانونية والسياسية للإدارة المنتخبة المماثلة والتمهيد لتقديمها على أنها قوية وتحفظ المصالح الأميركية ولا تنكفئ عن مواجهة الأحداث والوقائع الدولية وخصوصاً إذا أقدم ترامب لاحقاً على توقيع قانون العقوبات المذكور بعد تخلف أوباما.
غير أن الأخطر يتمثل بالتجرؤ على نقض المؤسسة السياسية الأميركية أياً كان حكامها بالمواثيق الدولية والثنائية التي تبرمها أو التي تساهم في صياغتها وإقرارها من خلال مرجعية دولية كمجلس الأمن. والأهم أنه يشكل استعادة مكشوفة للوسائل التقليدية التي درجت عليها واشنطن لتطويع أعدائها وأخصامها وحلفائها أحياناً.
وبعيداً عن مفاعيل إقرار هذا القانون على العلاقات الأميركية- الإيرانية الباردة أو على العلاقات الدولية في لحظة متغيرات سياسية واقتصادية صادمة تطول تجمعات كبيرة كالاتحاد الأوروبي مثلاً، فإن أحد أهم استهدافات القانون المذكور يندرج في إطار تهيئة المقدمات لإجبار طهران على القبول بتسويات أو على الأقل تفاهمات إقليمية وخصوصاً فيما يتعلق بالأزمة في سورية، وبالتالي لابد من أن ينسحب هذا الأمر على روسيا باعتبار أنها وشريكها الإيراني المستجد شكلا عاملاً مهماً وأساسياً في نجاح الدولة السورية في تحرير السوريين والكثير من قراهم وبلداتهم ومدنهم من أيدي المجموعات الإرهابية التكفيرية أو انتزاعها سلمياً عبر إنجاز مصالحات تعيد تثبيت هيبة مؤسسات الدولة الشرعية متجاوزين بذلك المساعي الأميركية المباشرة أو المستترة عبر الثلاثي السعودي-التركي-القطري لتشريع وجود «مجموعات معارضة معتدلة» والاستثمار فيها لتكريس توازن ميداني يسمح لواشنطن وحلفائها فرض شروطهم التي تبدأ وتنتهي بضرورة التخلص من النظام السوري وقيادته. هذا على الرغم من ثقة القيادة الروسية بنجاحها في تحويل هذا الثلاثي إلى ثنائي سعودي-قطري بعد تعهد النظام التركي لهذه القيادة الابتعاد عن النهج الأميركي في مقاربة الأزمة في سورية ورغبته في التماثل مع مبادئ ومنطلقات القيادة الروسية لمعالجة هذه الأزمة.
يؤشر قرار الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية «الجمهورية» إلى السعي المبكر لتجميع أوراق تفاوض قوية للإدارة «الجمهورية» المنتخبة بحيث تمكنها من إسقاط الصورة النمطية التي طبعت عهد أوباما حول التردد واللاقرار والانكفاء والخوف والتي وفق توصيف «صقور» المحافظين الجدد والجمهوريين المحافظين أضعفت هيبة الولايات المتحدة الأميركية في العالم وسمحت لقوى إقليمية صاعدة كإيران من جرها إلى عقد اتفاق إستراتيجي يعزز نفوذها الإقليمي والدولي ولقوى تاريخية كروسيا من استعادة وإثبات حضورها وتأثيرها وقوتها العسكرية عبر البوابة السورية، ناهيك عن الصين التي يبدو أنها ستكون أحد أبرز استهدافات ترامب وإدارته.
لم ينجلِ بَعدُ غبار الانتخابات الرئاسية الأميركية دولياً ومن المؤكد أنه سيحتاج إلى وقت ولكن ليس ببعيد للتبلور وفقاً للخطوات التي بدأت تتخذها مؤسسات النظام الأميركي وللتصريحات التي لم يتوقف الرئيس المنتخب عن إطلاقها يميناً وشمالاً في تعبير عن الانتقال إلى مرحلة جديدة ومختلفة تقع بين احتمالين: الخضوع للتوازنات والوقائع القائمة والسعي إلى الشراكة فيها أو مواجهتها مع ما يمكن أن يكون لذلك من تكلفة على السلام والأمن الدوليين.